خاص العهد
"العهد" يتابع قضية الفيول المغشوش.. الى هنا وصلت التحقيقات وهذا ما كشفته
فاطمة سلامة
في السابق، كان الحديث عن الفساد يتّخذ صفة العموميات. قلّما نجد من يُسمي الأشياء بأسمائها إن لم نقل يستحيل. هذا الأمر كان من التابوهات والخطوط الحمراء في لبنان، والأسباب معروفة. يكفي في هذا الصدد الاتيان على ذكر ما يُسمى الحمايات السياسية واتصالات أعلى الهرم الكفيلة بفك أسر مسجون هنا وموقوف هناك. فالقضاء لم يكن في الكثير من الأوقات سوى أداة طيّعة بيد تلك المسماة سياسة، تتقاذفها كيفما تشاء. طبعاً، ليس المقصود التعميم، فلا تخلو البيئة اللبنانية من قضاة أقسموا اليمين الدستورية، فصانوا يمينهم. لكنّ القاعدة جرت على أن يتحوّل القضاة الى متهمين بعدم ممارسة وظيفتهم كما يجب. واللوم في هذا المجال يقع على عدة جهات في منظومة الفساد التي عانى منها لبنان لعقود.
هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان تعرقل مسار التحقيقات
في الآونة الأخيرة، ومع بدء حملة مكافحة الفساد، بدأ المشهد يتبدّل في لبنان. ما كان في الأمس القريب من التابوهات، أصبح من المستحبات، لا بل من الواجبات، وهو في الأصل يجب أن يكون كذلك. محاربة الفساد تقتضي تسمية الأشياء بأسمائها وسقوط عصر المحميات السياسية مهما كان الثمن. ملف الفيول "المغشوش" واحد من تلك الملفات "الدسمة" التي كان لا بد من فضحها، لتكشف التحقيقات عما هو أدهى من الأمور البارزة. مصادر قضائية ولدى سؤالها من قبل موقع "العهد" الإخباري عن آخر ما توصّلت اليه التحقيقات تعرب عن دهشتها من الاعترافات التي حملتها التحقيقات. تصف التحقيقات بكرة الثلج التي تتدحرج وتتوسّع، فنحن أمام ملف كبير جداً ومتفرّع. إلا أنّ المصادر تُشير الى مشكلة جوهرية تعرقل مسار التحقيقات، فهيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان لا تتعاون كما يجب مع متطلبات التحقيق. توضح المصادر أنّ النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون ولكي تثبت أن فلانا ً تلقى رشاوى تجد نفسها مضطرة للاطلاع على حساباته المصرفية وحركة الأموال لديه، بمعنى اذا كان المتهّم يتقاضى 2000 دولار ورصيده مليون دولار مثلاً، هذا الأمر يمكّنها من مساءلته تبعاً لقاعدة "أنى لك هذا". وهنا توضح المصادر أن هيئة التحقيق الخاصة تتذرع بأن النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات لم يطلب منها هذا الأمر، والأخير ينفى حصوله على طلبات من القاضية عون بذلك كي يطلب من هيئة التحقيق.
موظفون تقاعدوا ولا يزالون يتلقون الرشاوى!
وتوضح المصادر أنّه وعندما يكون هناك جرم، من واجب هيئة التحقيق الخاصة كشف السرية المصرفية للقضاء ولا يجوز التأخر في هذا الأمر لأهميته، لا بل عليها أيضاً إعطاء كشف بحركة الأموال لمعرفة من الجهة التي حوّلت الأموال والى من. هذا الأمر مفيد جداً -وفق المصادر- في مسار التحقيقات. وتلفت المصادر الى أنّ القاضية عون تدّعي وفقاً لقانون تبييض الاموال، فقضية الفيول المغشوش تحتوي على عناصر جرمية مختلفة من رشى وهدر مال وغيرها ما يُمكّنها من طلب حجز الأموال. وفي سياق حديثها عن الاعترافات، توضح المصادر أنّ ما يجري كشفه في التحقيقات يصح معه القول "يُشيب شعر الرأس". فبالاضافة الى ما تم كشفه سابقاً من تزوير وتقاضي رشاوى وأموال طائلة جداً جرى بموجبها هدر المال العام، بيّنت التحقيقات وفق المصادر أن هناك بعض الموظفين الفاعلين في الوزارات يعتبرون بمثابة المفاتيح. هؤلاء الموظفين لديهم تواقيعهم وعملهم الدقيق وبصمتهم الخاصة واحترافيتهم في الرشاوى. هؤلاء امتهنوا قضية السرقة لدرجة أصبح هناك وفاء بين الفاسد والمفسد. كيف ذلك؟ تكشف المصادر أنّ التحقيقات بيّنت أن هناك موظفين في الدولة تقاعدوا منذ زمن لكنّهم لا يزالوا يتلقون الرشاوى بشكل مستمر، وهذه سابقة، وفق المصادر، التي تسأل باستغراب: ما الخدمات التي قدّمها هؤلاء الموظفون، حتى تستمر الرشاوى لهم حتى بعد مغادرتهم الوظيفة؟!.
حصيلة الملف قضائياً
وفيما يتعلّق بمسار التحقيقات المستمرة لدى القاضية عون وقاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور والأجهزة الأمنية، تلخّص المصادر حصيلتها بالآتي: توقيف ممثل شركة سوناطراك في لبنان، الادعاء على شركة " ZR ENERGY"، استمرار التحقيقات لمعرفة طبيعة عمل شركة "BBE" التابعة لآل البساتنة، الادعاء على حوالى 22 شخصاً وهناك مجموعة بحدود الـ14 شخصا موقوفة في السجن، هناك ثلاثة يتم وصفهم بالرؤوس المدبرة والكبيرة -بحسب المصادر- وهم: رئيس المنشآت النفطية سركيس حليس، صاحب شركة ZR Energie المفوض بالتوقيع عنها تيدي رحمة، والمدير التنفيذي للشركة إبراهيم الزوق. هؤلاء الثلاثة وفق المصادر يتوارون عن الأنظار وقد استدعتهم القاضية عون للتحقيق إلا أنهم لم يأتوا، ولاحقاً استدعاهم القاضي منصور، وأيضاً لم يحضروا، ووفق المصادر، أعطاهم قاضي التحقيق الأول فرصة جديدة للمثول، وهناك وفق المصادر بلاغ بحث وتحر بحقهم، ومن المحتمل أن يصدر بحقهم مذكرة توقيف غيابية. كما أنّ هناك مشتبها فيهم -وفق المصادر- يمثلون أمام التحقيق ولا يعلن عن هذا الأمر نظراً للمعلومات التي يدلون بها ويزودون بها القضاء.
وتوضح المصادر أنّ هناك اعترافات صريحة وواضحة من الموظفين الصغار بأنهم تقاضوا الأموال من شركة" ZR ENERGY"، إلا أنّ المشكلة -وفق المصادر- تكمن في أنّ طريقة دفع الرشاوى لكبار الموظفين تختلف عن الصغار، ما يحتّم ضرورة رفع السرية المصرفية والكشف عن حساباتهم. كما تلفت المصادر الى أن التحقيق لا يزال جاريا لمعرفة ما اذا كانت شركة " ZR ENERGY" اشترت الفيول من المصدر، أم أنّ شركة "BBE" التابعة لآل البساتنة اشترت وباعتها الى " ZR ENERGY". وتأسف المصادر في ختام حديثها لأن الدولة كانت كل هذه الفترة "مغشوشة" وتدفع الأموال من ماليتها العامة لقاء فيول مضروب.
عقل: أكبر ملف فساد في لبنان
مقدّم الإخبار في قضيّة الفيول المغشوش المحامي وديع عقل يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ ملف الفيول "المغشوش" هو أكبر ملف فساد عمل عليه القضاء في تاريخ لبنان. برأيه، فإنّ هذا الملف أكبر من ملف بنك المدينة، لأنه متشعب جداً ونحن نتحدث عن شركات دولية متورطة به، وطريقة تلزيم غريبة مكتشفة. ويشدّد عقل على أنّ جميع الناس كانت تتكلم في السابق عن فساد ما بملف الفيول، ولكن لم يتم التوصل الى نتيجة، أما اليوم فيبدو الفارق في المستندات التي نمتلكها والاعترافات الرهيبة التي تصدر.
تركيبة في الادارة تبيّن لنا لماذا لبنان مفلس
ويلفت عقل الى أنّ هذا الملف كشف عن وجود تركيبة في الادارة تبيّن لنا لماذا لبنان مفلس. بالنسبة اليه، هناك تركيبة مرتشية تعمل بشكل محترف جداً جداً جداً. وبرأي عقل، فإنّ هذا الملف لا يمس فقط خزينة الدولة ويسرقها بل يقتل. إنّه فيول قاتل، لأنه عندما يحرق يصبح مضراً جداً على الصحة، وهو حتما مسؤول عن إصابات حاصلة بالسرطان.
وفي معرض حديثه، يُشدّد عقل على أنّ التحقيقات تسير بشكل جيد، فأكثرية من كانوا موقوفين تم الاستماع اليهم، وأُصدرت بحقهم مذكرات توقيف وجاهية، ما يعني أنّ التهمة ثبتت عليهم، وهذا مؤشر جيد جداً في التحقيق. ويوضح عقل أنّ الفارين من التحقيق يمتنعون عن المثول أمام القضاء، وقد تم تعيين جلسة استماع لهم الأسبوع القادم، واليوم أقيمت جلسة للاستماع لشهادات وزراء ومدير عام مؤسسة كهرباء لبنان. ويلفت عقل الى أن التحقيق يسير على قدم وساق، وهناك تحقيق مواز ومستمر في الباخرة الثانية aspo والتي تبين بالصدفة أنها غير مطابقة للمواصفات ووصلت الى بيروت بعد أيام من الأولى.
لإيقاف العقود وإطلاق مناقصات شفافة
ويعرب مقدّم الإخبار عن رضاه لمسار التحقيقات، مشيراً الى تطور مهم حدث أمس الثلاثاء وتمثّل بإعلان وزير الطاقة ريمون غجر عقب جلسة الحكومة عن عقود جديدة في هذا الملف، فنحن وبقدر ما يهمنا إنجاز التحقيقات القضائية وحجز الأموال واسترداد الأموال وتحديد المسؤوليات -يقول عقل- بقدر ما يهمنا أن يتوقّف العقد لإيقاف النزيف الكبير الحاصل في مالية الدولة، وعلى الحكومة الذهاب الى مناقصات شفافة مع شركات دولية محترمة. ويلفت الى أن التدبير الذي يجب أن تتخذه الحكومة في هذا الملف يجب إطلاع الرأي العام بأكمله عليه ليكون هناك شفافية.