خاص العهد
طالبات في أوكرانيا يتحدثن لـ"العهد" عن أسمائهن "المشطوبة" من لائحة العودة
فاطمة سلامة
ثقيلة مرّت عقارب الساعة على الطالبة اللبنانية في أوكرانيا هاجر عبد الرحمان لمجرّد تلقيها من السفارة اللبنانية في كييف خبر إدراجها على لائحة العائدين الى لبنان. ابنة الـ19 عاماً والتي تعيش بمفردها في كيروفوغراد الأوكرانية، تحلم باليوم الذي تعود فيه الى أهلها في الوطن. فالحالة في الغربة يُرثى لها والضغوطات النفسية والمالية تحاصر الطلاب، حتى وصل القلق بجزء كبير منهم إلى تأمين قوت يومهم. جهّزت هاجر حقيبتها للعودة، لم تترك شيئاً لها هناك. الأوضاع الاقتصادية صعبة ومن يدري قد لا تتمكّن من الرجوع لإتمام الدراسة. أخبرت والدتها المتقدّمة في السن، كما أبلغت مالكة المنزل الذي تستأجره بأنها يوم الاثنين (4/5/2020) ستتسلّم منها المفاتيح. إلا أنّ فرحة هاجر لم تكتمل حيث تلقّت اتصالاً "مشؤوماً" من السفارة اللبنانية قبل ثلاثة أيام من موعد الطائرة بأنها لم تعد في عداد اللائحة العائدة الى لبنان. سألت هاجر عن السبب فجاءها الجواب بأنّ الأسماء أرسلت من لبنان، ولا علاقة لنا بما حصل.
وفي الوقت الذي تحط فيه الطائرة الآتية من كييف اليوم الاثنين على الأراضي اللبنانية، وهي طائرة قادمة على نفقة الوزيرة السابقة ليلى الصلح حمادة، يتحدّث الطلاب في أوكرانيا عن ظلم لحق بهم نتيجة شطب أسمائهم بعد أن كانت على متنها. كما يتحدّثون عن وجود لائحتين من الأسماء؛ أولى أنجزتها وزارة الخارجية اللبنانية والسفارة في كييف وجعلت الأولوية فيها للفتيات من الطلاب والمتقدمين في السن، وثانية وضعت فيها حمادة عشرات الأسماء لتفوز بشرف العودة. وهو الأمر الذي تلفت اليه هاجر التي تتحدّث لموقع "العهد" الإخباري بصوت "مخنوق". ما إن تسمع بوسيلة إعلامية تهاتفها، حتى تبدأ بسرد قضيتها قبل أن تُسأل حتى. أنا من الأشخاص الذين تواصلت معهم السفارة وأكّدت لي أكثر من مرة إدراج اسمي على اللائحة، وطمأنتني كوني أمتلك الأولوية لأنني أقطن في منطقة لا يوجد فيها أي فتاة لبنانية، والوضع مرعب.
وتوضح عبد الرحمان اكتشفنا وفي اللحظة الأخيرة أن هناك أسماء أضيفت الى اللائحة لتحل مكان أسمائنا بدافع المحسوبيات. فالسفارة كانت قد وضعت الأولوية للطالبات والأشخاص المتقدمين في السن. تعرّف هاجر عن نفسها بأنها "مقطوعة من شجرة". ليس لها أي أحد في أوكرانيا لتلتجئ اليه ريثما تعود الى لبنان. لا تعرف هاجر من أين تبدأ بسرد المعاناة التي تعيشها وزميلاتها من الطالبات من أوكرانيا، فبالإضافة الى الخوف من الخارج، وأزمة "الكورونا"، هناك خوف على المعيشة فالأوضاع سيئة جداً جداً وهناك تلامذة لم يعد معها مال حتى لتشتري الطعام. وبرأي هاجر، قد يتحمّل الفرد أن يبقى بلا طعام، لكنّ المرهق هو القلق والتعب النفسي. وتتمنى هاجر في ختام حديثها أن تتمكّن الدولة من إعادة الطلاب قريباً الى وطنهم الأم.
حال هاجر لا يختلف عن حال صديقاتها. يوجد في أوكرانيا نحو 85 فتاة يرغبن بالعودة الى أهلهن، جراء أزمة "كورونا" وما صاحبها من أزمات نفسية ومعيشية. تتحدّث لموقعنا جيهان علي عوض وهي الأخت الكبيرة لإيمان وآلاء عوض اللتين تتابعان برفقتها دراستهما في مدينة فينيتسا وسط أوكرانيا. تقول جيهان تلقينا قبل أسبوعين من موعد الطائرة الكثير من الاتصالات من السفارة. اتصالات طمأنتنا أن أسماءنا موجودة، ما دفعنا الى تحضير كل الأمتعة، وحتى في لبنان جهّز الأهل لعودتنا، لنتفاجأ قبل ساعات بأن أسماءنا شطبت بعدما لعبت الواسطة لعبها، وفق ما تقول. وتوضح المتحدّثة أن أعداداً كبيرة من الشباب حظيت بالعودة، رغم أن الأولوية يجب أن تكون لنا، وفي الأصل كان التوجه لأن تقل الطائرة جميع الفتيات والكبار في السن.
ما تقوله جيهان تكرره أختها آلاء التي تقول: كلامي لن يختلف عن زميلاتي، فالمحسوبيات لعبت دوراً كبيراً، وأطالب الدولة بإعادتنا الى لبنان على متن طائرة ترسلها هي ولا تتبع لأحد.
البعض يجد صعوبة في تأمين الطعام
معاناة الطلاب اللبنانيين في أوكرانيا لا تقتصر على حادثة الطائرة المذكورة آنفاً. العودة الى الوطن جزئية من مجموعة متنوّعة من المشاكل. يقول الطلاب هناك، صحيح أنّ كثراً من الطلاب يعانون في مختلف بلدان العالم، إلا أنّ معاناتنا لا حدود لها. الطالب اللبناني ماهر عبيد يتحدّث لموقعنا عن ظروف قاسية يعيشها طلاب أوكرانيا. ظروف وصلت حد صعوبة الحصول على الطعام. صدّقوني لا مبالغة في هذا الكلام، يقول عبيد الذي يصف الوضع بـ"التعتير". طلاب كثر بدأوا يتركون أماكن إقامتهم ليعيشوا مجموعة بغية التوفير بعدما ضاقت الأحوال ذرعا بهم. ويوضح عبيد أنه أيضاً على وشك مغادرة منزله المستأجر للسكن مع زملائه، اذ لم يعد بمقدوره دفع الإيجار. لم يعد بمقدور الأهالي في لبنان إرسال الأموال وسط أزمة الدولار المستفحلة والغلاء الفاحش.
يتطرّق عبيد الى قضية الطائرة، فيوضح أنّ أسماء كثيرة شطبت في ربع الساعة الأخير. لا بل أكثر من ذلك، كان من المفترض أن تقل الطائرة 120 راكباً، إلا أن العدد ارتفع. وفق قناعات عبيد، فإنّ المحسوبيات فعلت فعلها على حساب الأولويات، ليتحوّل الطلاب الى طلاب بسمنة وطلاب بزيت. يوضح عبيد أن الكثير من الفتيات تركن منازلهن المستأجرة على أمل العودة ليتفاجأن لاحقاً أنّ أسماءهن شطبت. وهنا يقول عبيد أنّ الطائرة التي تبرّعت بها الوزيرة السابقة ليلى الصلح، اختارت فيها الأخيرة 90 اسماً، بعدما كانت الأسماء قد أدرجت حسب الأولوية من قبل السفارة، لتُشطب لائحة السفارة، وتنظّم عملية العودة بناء على اللائحة الجديدة.
هذا ما تقوله مصادر الخارجية
ووسط الأزمة المعيشية الخانقة التي يعيشها الطلاب في أوكرانيا، يسأل عبيد عن مصير المساعدة المالية، مبدياً تخوفه من أن تكون حبراً على ورق. وفي هذا الصدد، تواصل موقع "العهد" الإخباري مع مصادر فاعلة في وزارة الخارجية على خط المساعدات، فأكدت لموقعنا أنّ الوزارة والسفارات حول العالم أتمّت التدابير اللوجستية المطلوبة منها، والكرة لا تزال بملعب الحكومة لإقرار هبة المليون دولار لأنّ صرف الأموال ليس من اختصاصنا. أما فيما يتعلّق بقضيّة الطائرة، فتفضّل المصادر عدم التعليق، مؤكّدة في سياق متصل أن سفارات وزارة الخارجية حول العالم لا تترك طلابها وأي طالب بإمكانه الاتصال على الخط الساخن لمساعدته قدر الإمكان في تأمين احتياجاته.