خاص العهد
على الورقة والقلم: كم بات يكلّف إفطار الصائم في لبنان؟
ياسمين مصطفى
مختلف شهر رمضان هذا العام. نكهته المحببة إلى قلوب المؤمنين والمغلفة بالرحمة الإلهية، جاءت مقرونة بالحسرة والقلق. هذا حال الكثير من أرباب الأسر التي غلبها الوضع الاقتصادي السيئ في لبنان وتردي القدرة الشرائية. الورقة والقلم هي الحاضر الأبرز في شهر رمضان لتحل مكان الجلاب وقمر الدين، ليس لأجل "حزازير" ومسابقات رمضانية، بل، لاحتساب اللقمة وسعرها عند الإفطار.
كثيرون لجأوا إلى التخفيف من نفقات الإفطار عبر استبعاد الأطباق "المُكلفة" كاللحم، والإضافات التي تعتبر ثانوية، كدبس الرمان لطبق الفتوش مثلًا، أو قمر الدين الذي يقترن اسمه بالشهر الفضيل وفق عادات الأسر في لبنان.
الورقة والقلم بيد المواطن، حاول موقع "العهد" استطلاعها للوقوف عند معدّل كلفة إفطار لعائلة لبنانية مكوّنة من خمسة أشخاص، ولهذا الهدف، استعنّا بخبرات الشيف حسين عبد الساتر لتقدير كلفة تحضير سفرة رمضانية لأسرة مؤلفة من خمسة أفراد.
مع رفع الأذان وبعد الشكر والدعاء، جرت العادة أن يتناول الصائم حبتي تمر إضافة إلى كوب من الماء، ومن ثم يبدأ بالشوربة. والنوع الأكثر رواجًا هو شوربة العدس، لكون العدس كما كان يقول أجدادنا "مسامير الركب". بعدها ينتقل الصائم إلى طبق الفتوش، ذلك الذي يتربع دوما على عرش السفر الرمضانية في لبنان، بمكوناته العديدة وألوان الخضار الزاهية والطازجة، ثم يأتي دور الطبق الرئيسي، مشكلًا ما بين لحوم ودجاج وحبوب.
بالانتقال من وصف السفرة الرمضانية، الى احتساب الكلفة، نكون قد بدأنا نتلمس سوء حال المواطنين. فكلفة طبق الفتوش لعائلة من 5 أشخاص، تتراوح بين 8 و 11 ألف ليرة: يتطلب طبق الفتوش للأسرة المذكورة خسة وسعرها اليوم 2000 ليرة، ربع باقة نعناع قيمتها 250 ليرة لكون الباقة أصبحت بـ750 ليرة، 300 غرام من الخيار بقيمة 750 ليرة، 500 غرام من البندورة وسعرها 2000 ليرة لكونه ارتفع إلى 4000 ليرة للكيلو، ربع باقة بقلة بقيمة 250 ليرة، ربع باقة زعتر بالقيمة نفسها أيضا، 500 غرام من الحامض بقيمة 1500 ليرة، ربع باقة بقدونس وقيمتها 250 ليرة، 200 غرام فجل بقيمة 250 ليرة، ¾ كوب زيت زيتون بقيمة 1500 ليرة، ولا يكتمل الطبق سوى بدبس الرمان البلدي الشهي وقيمة ربع كوب منه 1500 ليرة، ومع هذه المكونات يكون سعر الفتوش بين 8 و11 ألف ليرة، يتفاوت تبعا لاختلاف الأسعار بين منطقة وأخرى، وللمواد التي تضيفها أو تنقصها كل عائلة على الطبق.
ولأن البطاطا المقلية بلونها الذهبي هي من أشهى المقبلات، فلا بد أن تكون من الأطباق الحاضرة دومًا على السفرة الرمضانية، ولتكفي عائلة من خمسة أفراد ممن يرغبونها ستكون كلفة 800 غرام منها 1000 ليرة.، دون احتساب كلفة الزيت.
أما شوربة العدس، فهي تحتاج لـ250 غراما من العدس المجروش وسعره 1500 ليرة، حبتا بطاطا بقيمة 750 ليرة، جزر بقيمة 250 ليرة، رأس بصل وحصوص ثوم بقيمة 500 ليرة، ولا ننسى الملح والكمون بما قيمته 250 ليرة.
بعدها يأتي دور الطبق الرئيسي، قد يكون فاخرًا تبعا لحال الأسر الميسورة اجتماعيا، مثل لحم الغنم نظرا لتحليق سعره في السوق وصولا إلى عتبة الـ60 ألف ليرة في بعض المناطق "الأرستقراطية"، وقد يكون الطبق
مفيدا وقيما مع كلفة متدنية مثل طبق "المجدرة"، أو قد يكون بين بين مثل أطباق "اليخانة" والدجاج على سبيل المثال.
طبق المجدرة لا يكلف الأسرة الكثير من الليرات
طبق المجدرة لا يكلف الأسرة الكثير من الليرات، فهي بما يكفي خمسة أفراد مكونة نصف كيلو من العدس بقيمة 2000 ليرة، 300 غرام من الأرز بقيمة 2000 ليرة، نصف كيلو من البصل اليابس بقيمة 1000 ليرة، كوب زيت زيتون بقيمة 500 ليرة، وملح وكمون بقيمة 100 ليرة، مجموع هذه المكونات 6500 ليرة.
30000 ليرة لطبق الأرز بالدجاج "التطبيقة"
"تطبيقة الأرز بالدجاج" تحتاج لنصف كيلو من البصل بقيمة 1000 ليرة، زيت زيتون بقيمة 250 ليرة، لحمة مفرومة ناعمة 200 غرام بقيمة 5000 ليرة، نصف كيلو من أرز البسمتي بقيمة 4000 ليرة، ملح قرفة بهار حلو وهال مطحون بقيمة 500 ليرة للمجموع، أما الدجاج فيتفاوت سعره تبعا لنوعه، يحتاج الطبق لكيلو من الفروج الكامل بقيمة 7000 ليرة، لكن البعض يفضل "المسحب" وقيمته 13000 ليرة، أو يمكن اعتماد الحل الوسط عبر استخدام "الفخاذ" بقيمة 7000 ليرة، ولا ننسى إضافة المكسرات بقيمة 7000 ليرة.
وفي حال اعتمادنا المكونات ذي الكلفة الأعلى تكون الكلفة الإجمالية بحدود الـ30000 ليرة.
المشاوي يكاد يصبح طبقا لموائد العائلات البورجوازية فقط
أما طبق المشاوي، فكلفته باتت جنونية اليوم، إذ يتطلب ليكفي عائلة من خمسة أفراد كيلو ونصف الكيلو من اللحم الأحمر، وقيمة الكيلو منه اليوم في السوق تتراوح بين 26 ألف و33 ألف ليرة، وعليه لو افترضنا كمعدل وسطي سعر الكيلو 30000 فإن المجموع سيكون 45000، فضلا عن ضمة بقدونس بقيمة 750 ليرة، وبصل يابس وبندورة بمقدار نصف كيلو لكل منهما بقيمة 3000 ليرة، وخلطة البصل اليابس والسماق بقيمة 500 ليرة، ليلامس المجموع 50 ألفا.
أما في الملاحم التي تبيع كيلو اللحم بما يفوق الـ30000 ليرة فالمجموع سيرتفع أكثر.
الفاصوليا والأرز طبق متوسط الكلفة
وما بين المجدرة والمشاوي، تكثر الأطباق ذات الأكلاف المتوسطة كالفاصولياء والأرز على سبيل المثال، يحتاج إعداد هذا الطبق لـ5 أشخاص 800 غراما من الفاصوليا الصنوبرية بقيمة 4000 آلاف ليرة، ثوم بقيمة 7000 آلاف ليرة، نصف كيلو أرز إيطالي وسعره 2500 ليرة، 100 غرام من الشعيرية بقيمة 750 ليرة، نصف كيلو من اللحم بقيمة 15 ليرة، كوبا من شراب البندورة بقيمة 250 ليرة، ونصف ضمة كزبرة بقيمة 250 ليرة، إضافة إلى الملح والسبع بهارات بقيمة 250 ليرة، ليكون المجموع ما يقارب الـ31000 ليرة.
وفي الختام، فإن عملية حسابية سريعة توضح أن كلفة السفرة الرمضانية المكونة من الفتوش والبطاطا وشوربة العدس وطبق المجدرة تكلف ما يقارب 22000 ليرة، في حين أن استبدال الطبق الرئيسي بالمشاوي في أيام الغلاء يرفع المجموع إلى 65000. اما اذا كان الطبق الرئيسي عبارة عن "يخانة أو "تطبيقة" فستكون كلفة المائدة بين 48 و 50 ألف ليرة لبنانية تقريبًا.
بين طبق وآخر، وحساب وآخر، تعيش الكثير من الأسر اللبنانية في حال متردية، لا يخوّلها حتى احتساب كلفة الافطار لأن لا مدخول لديها بالأساس لتحضر ولو سفرة بسيطة تقي من الجوع. وهنا، تبرز أهمية التكافل الاجتماعي، الذي له الدور الابرز في محن كالتي يمر بها لبنان، ليكون الرافعة الأساس للوضع الانساني والاجتماعي، بانتظار عدل يوزّع النعمة بالتساوي على جميع بني البشر، فلا يجوع فقير ولا يُتخم غنيّ.