خاص العهد
خطة تخفيف الإغلاق التدريجية تنطلق..ما المطلوب لتحقيق التوازن بين الوضعين الاقتصادي والصحي؟
فاطمة سلامة
لم تكن سهلة مهمة إقامة التوازن بين الشقين الصحي والاقتصادي التي عملت عليها الحكومة. الأخيرة وجدت نفسها من جهة مضطرة لتمديد التعبئة العامة أسبوعين إضافيين ريثما تتضح الصورة، وتتمكّن من إجراء تقييم نهائي لواقع الوباء في لبنان، ومن جهة أخرى مضطرة للبدء بالتخفيف التدريجي للإغلاق، وسط الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة. وما بين الخطوتين، لا شك أنّ الحكومة تسير بين النقاط لتحريك العجلة الاقتصادية مع المحافظة على النتائج الصحية المرضية حتى اللحظة. فأي عدوى جديدة بفيروس "كورونا" قد تؤسس لعنقود من الإصابات، مع ما يحمله هذا الأمر من تداعيات تنسف كل ما حصدناه سابقاً، الأمر الذي يُحتّم على كل عامل استعاد نشاطه اليوم الإثنين -مع انطلاق المرحلة الأولى من خطة تخفيف الإغلاق التدريجية التي أقرتها الحكومة-، يُحتّم عليه أن يكون خفيراً على نفسه يتّخذ كافة الاجراءات والتدابير الواجبة للوقاية من فيروس "كورونا"، وحماية الآخرين من العدوى. فهل وصل لبنان الى مرحلة مريحة مكّنته من البدء بالتخفيف التدريخي للإغلاق؟ ما التوصيات التي توجّهها وزارة الصحة للعمال؟ كيف تنعكس هذه الخطوة على الاقتصاد اللبناني وأوضاع العاملين؟ هل من تدابير معيّنة تتخذها وزارة الصناعة لإجراء نوع من التوازن بين فتح المؤسسات الصناعية والحفاظ على الشق الصحي؟.
للإحاطة بجوانب هذه القضية المتشعّبة، تحدّث موقع "العهد" الإخباري لكل من وزير الاقتصاد راوول نعمة الذي أكّد على أهمية القرار، واصفاً إياه بالمتوازن. كما كان للموقع حديث مع مدير عام وزارة الصناعة الأستاذ داني جدعون الذي أوضح أنّ قرار الفتح التدريجي يطال في المرحلة الأولى 400 مصنع تُضاف الى الـ2200 مصنع التي جرى فتحها سابقاً لتصبح نسبة المصانع العاملة 43 بالمئة من أصل المصانع المسجّلة في لبنان. وفي سياق متّصل وجّه مدير عام وزارة الصحة الدكتور وليد عمار عبر "العهد" جملة إرشادات وتوصيات للعمال. وبالموازاة، أكّد رئيس الاتحاد العمالي العام بالإنابة الأستاذ حسن فقيه لموقعنا أنّ خطوة الفتح التدريجي هي خطوة طبيعية لأنّ الإغلاق التام أوجد كارثة حقيقية للعمال.
وزير الاقتصاد: للالتزام بالتدابير فالتراخي قد يوصلنا لإغلاق كل شيء
وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة يُشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أهمية القرار القاضي بتخفيف الإغلاق التدريجي وما له من أثر إيجابي على الاقتصاد ليلتقط أنفاسه شيئاً فشيئاً. وفق نعمة، فإنّ القرار متوازن جداً، فنحن نجهد لفك الإغلاق شيئاً فشيئاً لنتفادى أزمة اقتصادية أكثر فأكثر. وفيما يتعلق بنسبة التضرر التي لحقت بالاقتصاد جراء الإغلاق، يوضح نعمة أنّ الضرر قوي جداً، ولكن لا نستطيع رمي الأرقام عشوائياً، اذ لا أرقام واضحة ودقيقة لدينا في هذا الصدد، ومن المبكر الحديث عن أرقام، خصوصاً أنّ الجانب السياسي يدخل أحياناً في عملية الأرقام والحسابات.
وحول ارتفاع الأسعار، لا يُنكر نعمة أنّ الأسعار ازدادت لكن ليس بالشكل الذي يُسوّق فيه على مواقع التواصل الاجتماعي. برأيه، هناك الكثير من الإشاعات والأخبار الزائفة التي يتم تداولها بشكل اعتباطي على وسائل التواصل الاجتماعي، فأنا أتعرض لهجوم سياسي ولا مشكلة لدي في هذا الأمر. ويؤكّد نعمة أنّ لدينا 142 مراقباً في الأسواق وسيراقبون كل "سوبرماركت" على الأراضي اللبنانية للتأكد ما اذا كانت الأسعار قد ارتفعت كما يقال ثلاث مرات، مع الإشارة الى أنني شخصياً "توجهت لشراء الأغراض التي أشتريها عادة، وراقبت الأسعار في أكثر من "سوبر ماركت" فتبيّن لي أنها لا تزال على حالها منذ أسبوع". ويطلب وزير الاقتصاد من كل شخص يتعرض لاحتكار تزويده بأسماء المحلات التي تمارس هذا الأمر.
ويوصي نعمة التجار والعمال عبر "العهد" الالتزام بالتدابير ذاتها التي تنفذها "السوبرماركت" لجهة أخذ الحرارة ولبس القفازات وغيرها من التدابير لتفادي فيروس "كورونا". وهنا يُحذّر من أنّ التراخي بتنفيذ التدابير ونقل العدوى قد توصلنا الى إقفال كل شي ء لا سمح الله، خصوصاً أنّ الحجر الصحي لا يزال جارياً.
وفي سياق آخر، يلفت نعمة الى أنّ مجلس الوزراء بصدد إنهاء الخطة المالية هذا الأسبوع، إلا أنّ الخطة الاقتصادية لن تنجز -بتقديري- قبل حوالى الشهر اذا ما كنا نتحدّث عن خطة كاملة متكاملة. تلك الخطة تقوم على الاقتصاد المنتج بعيداً عن الريعي.
جدعون: المزيد من المصانع ستعاود نشاطها تدريجياً
مدير عام وزارة الصناعة الأستاذ داني جدعون يُشدّد في حديث لموقعنا أنّنا اذا لم ننتج في لبنان لا نستطيع أن نستعيض عن ذلك بالاستيراد من الخارج لأنّ هذا الأمر متوقّف حالياً. برأيه، فإنّ خطوة الفتح التدريجي من المفترض أن تقلّل نسبة الاحتكار التي رفعت الأسعار بشكل كبير خلال الفترة الماضية. ويوضح جدعون أنّ المصانع تستكمل اليوم فتح 400 مصنع جديد، بالإضافة الى 2200 مصنع جرى فتحها بناء على قرار مجلس الوزراء الذي يحمل الرقم 53/25 والذي صدر الشهر الماضي. ذلك القرار استثنى حينها مجموعة مصانع على رأسها تلك المتعلقة بالمواد الغذائية وكل ما يرتبط فيها، بالإضافة الى كل ما يتعلق بالأدوية والمستشفيات والتجهيزات ومولدات المصانع وغيرها. ليصبح إجمالي المصانع التي جرى فتحها حتى اليوم 2600 مصنع من أصل 6000 مصنع مرخّص وتعلم بها وزارة الصناعة، أي ما يُشكّل الـ43 بالمئة من عدد المصانع في لبنان. وهنا يُشير جدعون الى أنّ المزيد من المصانع ستشهد معاودة نشاطها وعلى مراحل بحسب الحاجة والأولوية.
هل من تدابير معيّنة تتخذها وزارة الصناعة لإجراء نوع من التوازن بين فتح المؤسسات الصناعية والحفاظ على الشق الصحي؟ يجيب جدعون بالتأكيد أنّ اللجنة المشتركة التي ترأسها رئاسة الحكومة وتضم ممثلين عن مختلف الادارات تجتمع دائماً وتصدر قراراتها في هذا الصدد. أما نحن كوزارة صناعة فقد بادرنا بتاريخ 12 و13 آذار أي قبل قرارات رئاسة الحكومة وأصدرنا قرارين: أول يتعلّق بالمصانع الغذائية وثان يتعلّق بالمصانع الأخرى، وحدّدنا بموجب القرارين ما الإجراءات الواجب اتخاذها إن كان لجهة العدد أو الإجراءات الداخلية. ويلفت جدعون الى أنّنا اليوم كوزارة نحضّر بالتعاون مع الأمم المتحّدة دليلاً سيكون جاهزاً خلال 12 يوماً وسنطلقه مع "بروشورات" لتحديد إجراءات أوسع وأشمل من تلك التي اتخذناها سابقاً.
عمار يوجّه نصائح ويؤكّد: الوضع مريح ولكن
ما الإرشادات التي تحث عليها وزارة الصحة مع بدء المرحلة الأولى من التخفيف التدريجي للإغلاق؟. مدير عام وزارة الصحة الدكتور وليد عمار يُجيب عن هذا السؤال، فيوّجه عبر "العهد" جملة من النصائح والارشادات، مشدداً على أهمية أن يتّخذ كل فرد عامل التدابير اللازمة لحماية نفسه والآخرين من العدوى. ويوضح عمار أنّ التدابير هي ذاتها المتخذة سابقاً لجهة ما يتعلّق بآداب السعال، ارتداء الكمامة، غسل اليدين المتكرر، وضرورة أن يبقى هناك مسافة آمنة بعيداً عن التجمعات. على سبيل المثال -يقول عمار- فإنّ المؤسسات الرسمية يجب أن تستقبل الناس بناء على مواعيد محددة مسبقاً منعاً للاكتظاظ، فضلاً عن اتخاذ التدابير ذاتها التي تلتزم بها "السوبر ماركت" لجهة أخذ الحرارة عند الدخول ولبس القفازات.
هل وصل لبنان الى مرحلة مريحة مكّنته من البدء بالتخفيف التدريخي للإغلاق أم أنّ هذه الخطوة باتت أمراً واقعاً نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي؟. يرد عمار على هذا السؤال بالإشارة الى أنه قرار متخذ من الحكومة وهو قرار سياسي وليس صحياً. طبعاً يأخذ بعين الاعتبار عدة مواضيع منها الموضوع الصحي، لكنه ليس مبنيا فقط على معطيات صحية. ولدى تقييمه لواقع الوباء في لبنان، يؤكّد عمار أنه بات واضحاً للجميع أن وضعنا أفضل من الكثير من البلدان حول العالم، ولا أحد يستطيع إنكار هذه الحقيقة، إلا أنّ التقييم النهائي يتوقّف على تمكن وزارة الصحة من القيام بـ2000 فحص عشوائي يومياً، وعلى مدى أسبوع متواصل، وهذا الرقم للأسف لم نتوصّل له. ما الأسباب؟ يوضح مدير عام وزارة الصحة أنّ الوسائل التي تُتّخذ فيها العينات غير متوفرة بأعداد كافية والقدرة الاستيعابية للمختبرات على الفحص محدودة، فكمية المواد التي تستخدم في المختبر لإجراء الفحوصات قليلة، وهذا هو العائق الأساسي الذي لم يمكننا من الوصول الى العدد المطلوب من الفحوصات العشوائية يومياً. ولا ننسى -يقول عمار- أنّه ومع وصول المرحلة الثانية من المغتربين الى لبنان يوم غد الثلاثاء سيستهلك القادمون جزءاً من هذه المواد، مع الإشارة طبعاً الى أولوية إخضاعهم للفحوصات نتيجة قدومهم من بيئة خارجية قد تحمل خطراً وهو الأمر الذي يحتّم عليهم حتى ولو نتيجة الفحص سلبية الالتزام بالحجر المنزلي لمدة أسبوعين.
في الخلاصة، يوضح عمار أنّ الوضع مريح ولكنّ التقييم النهائي يتوقّف على الانتهاء من فترة حجر المغتربين العائدين في المرحلة الثانية، وعلى إجراء 2000 فحص عشوائي يومياً للتأكد من نسبة الانتشار المحلي. ويوجّه عمار للمواطنين والعاملين كلمة أخيرة يقول فيها " كل مواطن يجب أن ينتبه على نفسه وحياة أحبائه، فليس من الضرورة أن تجبر الدولة المواطن أن يبقى في المنزل، بل عليه هو أن يتحمل كامل المسؤولية".
فقيه: الإقفال أوجد كارثة حقيقية على الناس
بدوره، يُعلّق رئيس الاتحاد العمالي العام بالإنابة الأستاذ حسن فقيه على القرار، مشدداً على أنه من الطبيعي أن تبدأ الحكومة بخطوة التخفيف التدريجي. برأيه، فإنّ الاستمرار بالإقفال أوجد كارثة حقيقية على الناس والعمال، خصوصاً لجهة الاحتكار الكبير الذي شهدناه، فعدد قليل من التجار يفتحون متاجرهم بالمخفي وبطرق ملتوية، ما رفع أسعار السلع مرتين وثلاثة وألحق ضرراً واسعاً بالمواطنين. وفيما ينوّه فقيه بالتدابير التي اتخذتها الحكومة ووزارة الصحة لجهة الحد من انتشار فيروس "كورونا"، يُشدّد على أنّ الدولة ولمجرّد أن تتخذ قرارًا بالإقفال يجب أن يكون لديها بدائل، اذ وبالرغم من مرور أكثر من شهرين على الأزمة، إلا أنّ المواطن لا يزال متروكاً -بحسب فقيه- الذي يوضح أنّ المساعدة المالية (الأربعمئة ألف ليرة) لم تصل بعد الى سائقي سيارات الأجرة وصيادي الأسماك وقطاعات أخرى.
يقول فقيه ما تقدّم ليشير الى أنّ الاقفال الكلي كان مأساوياً بأماكن كثيرة، رغم أنه كان أمراً واقعا ًفي البداية. من وجهة نظره، علينا أن نتعايش مع الوباء ونستعمل كل أساليب الوقاية الصحية اللازمة، لنستعيد فتح المؤسسات الجزئي ما يخفّف جزئياً عن العمال، خاصة أن الوباء قد يستمر لفترات طويلة.
راوول نعمةالتعبئة العامةوزارة الصحة اللبنانية