معركة أولي البأس

خاص العهد

بالأرقام: هذه كلفة ربطة الخبز..ووزير الاقتصاد لـ
17/04/2020

بالأرقام: هذه كلفة ربطة الخبز..ووزير الاقتصاد لـ"العهد": لن أسمح برفع سعرها

فاطمة سلامة

لم يكن ينقص اللبناني الذي تحاصره الأزمات سوى أن يُهدّد بربطة الخبز. تلك المادة الأساسية، لا بل الأساسية جداً تراها اليوم محل أخذ ورد. سيناريو جديد يُرسم للمواطنين الذين يعتاشون على القلة. فهؤلاء لم يكفهم الغلاء الفاحش وسعر صرف الدولار الخيالي. تماماً كما لم تكفهم قلّة الموارد وضنك العيش، حتى يحاربوا بخبزهم اليومي. لهؤلاء سيناريو جديد قد يجدون فيه أنفسهم مضطرين لقصد مسافات ومسافات لشراء ربطة خبز لعائلاتهم. همٌّ جديد يُضاف الى لائحة الهموم اليومية الطويلة، وكل هذا في عز الأزمة الصحية التي يعيشها العالم ومعه لبنان. وربما من نكد الدهر أن يُهدّد المواطن بلقمته، فتلويح نقابات المخابز والأفران ببيع الخبز في الأفران حصراً بدءاً من الاثنين -نتيجة الخلاف الأخير مع وزارة الاقتصاد- يضع المواطن بمثابة "كبش محرقة". ذلك الخلاف الذي  تبرز حياله وجهتا نظر، أولى لأصحاب الأفران تقول إنّ توزيع ربطة الخبز وفق سعر الـ1500 ليرة، يعني البيع بخسارة، ووجهة نظر ثانية لوزارة الاقتصاد تقول إنّ للمخابز والأفران هامش ربح جيداً بناء على دراسة علمية أعدتها الوزارة بمشاركة الأفران. فما تفاصيل هذه القضية؟ والى أين تتّجه الأمور؟. 

للإحاطة بجوانب هذه القضية، ينشر موقع "العهد" الإخباري الدراسة العلمية التي أجرتها وزارة الاقتصاد والتي تُبيّن بالتفصيل الأكلاف وهوامش الربح. كما كان للموقع حديث مع كل من وزير الاقتصاد راوول نعمة الذي شدّد على رفضه لرفع ثمن ربطة الخبز، والمديرة العامة بالتكليف لمديرية الحبوب والشمندر السكري نادين عون التي قدّمت عرضاً شاملاً للدراسة. كما تحدّث نائب رئيس اتحاد نقابة الأفران والمخابز علي ابراهيم لموقعنا مجدداً موقف الاتحاد بعدم التوزيع. 

وزير الاقتصاد: من غير المقبول رفع السعر على ذوي القدرة الشرائية الأدنى 

يستغرب وزير الاقتصاد راوول نعمة بدايةً قرار اتحاد نقابات الأفران والمخابز بإيقاف توزيع ربطة الخبز، وحصر البيع في الأفران. برأيه، فإنّ الاتحاد وبهذه الطريقة يرفع سعر الخبز على المواطنين الذي يملكون القدرة الشرائية الأدنى، على اعتبار أنّ الأفران متواجدة في المدن الكبرى حيث يقطن ذوو القدرة الشرائية الأعلى، ما يوفّر لهم شراء الربطة بسعرها الحالي. بينما سكان القرى والمناطق النائية البعيدة عن أماكن تواجد الأفران سيدفعون سعراً أعلى، هذا الأمر لن نقبل به. وهنا يُشدّد نعمة على أنّ وزارة الاقتصاد أجرت دراسة علمية مفصّلة، وسمحت خلال إعدادها لاتحاد النقابات بالمشاركة في النقاش حول كل نقطة في جدول الكلفة.

 

بالأرقام: هذه كلفة ربطة الخبز..ووزير الاقتصاد لـ"العهد": لن أسمح برفع سعرها

 

ويوضح وزير الاقتصاد لموقع "العهد" أنه وخلال إجراء الدراسة، كان يتم تزويدنا في بعض الأحيان بنقاط غير دقيقة من قبل الأفران، كالقول لنا إن سعر كيلو أكياس النايلون دولاران و60 سنتا، بينما بيّنت الفواتير، أن سعره يتراوح بين الدولارين و20 سنتا والدولارين و25 سنتاً. لذلك استطلعنا آراء أفران كثيرة وتوقفنا عند تفاصيل كثيرة، منها على سبيل المثال كم ربطة خبز ينتج طن الطحين، وغيرها الكثير من النقاط. وبناء على ذلك، يوضح وزير الاقتصاد أنجزنا جدول أسعار واحتسبنا كافة الأكلاف، كما أننا احتسبنا سعر صرف الدولار على أساس الـ 3100 ليرة، وقد تبين لنا أنّ هامش الربح للأفران بلغ 22 بالمئة في الصالات، و12 بالمئة عند التوزيع. 

لن أقبل برفع سعر ربطة الخبز

هل ستسمحون كوزارة اقتصاد برفع ثمن ربطة الخبز؟ يقول نعمة "منذ البداية كنت صريحاً وقلت لأصحاب الأفران إنني سأجري دراسة علمية، وعندما يرتفع سعر صرف الدولار سآخذ بعين الاعتبار هذا الارتفاع. آخر دراسة علمية أجريناها احتسبنا فيها الأسعار وهامش الربح بناء على سعر صرف يبلغ 3100 ليرة". وهنا يُشدّد وزير الاقتصاد "سأطبّق القاعدة التي يجري اتباعها في حالة البنزين والفيول، فكلما تغيّر عامل من العوامل سأغيّر السعر. بمعنى، في حال انخفض الدولار عن الـ2800 سوف أعمل على خفض سعر ربطة الخبز، وفي حال ارتفع عن الـ3300 سوف أرفع السعر. يوضح نعمة أنه لا يريد الخسارة لأصحاب الأفران، لكنني في الوقت نفسه لا أريد أن يربحوا أكثر من المفروض".  

القمح مدعوم بنسبة 85 بالمئة 

ويُشدّد نعمة على أنه ووفق الدراسة التي أجريت والأرقام التي تحتويها، لن أسمح برفع ثمن ربطة الخبز. اذ إنّ نسبة الأكلاف الكبيرة تنحصر في العمال الذين يتقاضون أموالاً بالليرة اللبنانية، والفيول المدعوم أصلاً من الحكومة، والقمح المدعوم أيضاً من مصرف لبنان. وهنا يدلل نعمة على نقطة مهمة هي أن القمح مدعوم من مصرف لبنان، اذ إن 85 بالمئة من قيمة المبلغ الذي يتم شراؤه به يتم صرفه على أساس الدولار بـ 1515 ليرة. ويوضح نعمة أنّ أكثر المواد التي تصنّعها الأفران مدعومة من مصرف لبنان، ما يعني أنهم يربحون، ورغم ذلك يرفعون الأسعار. ويستغرب المتحدّث كل هذه الأصوات التي ترتفع اليوم والتباكي لرفع ثمن ربطة الخبز، بينما لا تساوي ربطة الخبز شيئاً أمام المواد الأخرى التي تصنعها الأفران وتحقق فيها أرباحاً كالحلويات وغيرها. 

يعود نعمة للتأكيد "لن أقبل بأن يدفع ذوو القدرة الشرائية الأدنى ثمنا أعلى لربطة الخبز، وفي نفس الوقت لن أقبل بأن يأخذ أصحاب الأفران هامش ربح أعلى. فمن غير المقبول أن يتصرف أصحاب الأفران بهذه الطريقة ويعلنوا التوقف عن التوزيع". ماذا لو لم يتم التوصل الى حل وتوقّف التوزيع؟ نسأل وزير الاقتصاد فيجيب "السوق من المفترض أن لا ينقطع من الموزعين. آخرون يكملون بعملية التصنيع والتوزيع". من وجهة نظر نعمة فإنّ هذا السوق حر، اللهم الا اذا التزم الجميع بقرار عدم التوزيع فنكون حينها أمام "كارتيل" ومافيا تعمل ضد القانون". 

وفي سياق آخر، ورداً على سؤال حول ارتفاع الأسعار، يقول نعمة "مراقبونا يتواجدون على الأرض قدر المستطاع، لكننا نعمل حالياً على تغيير القانون لنتمكّن من التشدد أكثر في الرقابة، وعليه، فإنّ قانون حماية المستهلك الجديد سيرسل قريباً الى مجلس الوزراء لحماية المستهلك من الاحتكار". 

عون تشرح تفاصيل الدراسة العلمية 

مفصّلاً، تتحدّث المديرة العامة بالتكليف لمديرية الحبوب والشمندر السكري نادين عون عن الدراسة العلمية التي أجريت لاحتساب كلفة ثمن ربطة الخبز. توضح المتحدّثة لموقعنا أنه وقبل أزمة "الكورونا" شكّل وزير الاقتصاد لجنة لدراسة كلفة ربطة "الخبز" تضم موظفين من وزارة الاقتصاد، وممثلين عن اتحاد نقابات الأفران. بدأنا بوضع عناصر الكلفة لاحتساب ثمنها. العمل لم يتوقّف حتى بعد أزمة "الكورونا" والتعبئة العامة، اذ أصر الوزير على عدم إيقاف الدراسة بناء على إصرار من الأفران، فأكملنا الاجتماعات وأنهينا الأسبوع الماضي كافة تفاصيل الدراسة. أمس الخميس، وبعد تلويح الأفران بإيقاف التوزيع طلب منهم الوزير التباحث كاجتماع أخير، فوضعنا الأكلاف كاملة. قالوا لنا إن سعر صرف الدولار في السوق 3090 ليرة، فقلنا لهم فليكن احتساب الأكلاف والعناصر التي تدخل في عملية التصنيع بناء على سعر صرف دولار بـ3100 ليرة، وعليه احتسبنا كافة الأكلاف التي تتطلّب أن نلحظ سعر الصرف في السوق. إلا أنّ المشكلة الرئيسية -برأي عون- تكمن في إصرار الأفران على هامش ربح يبلغ 20 بالمئة سواء في الصالات أو عند التوزيع.  ووفق الدراسة تبلغ نسبة الربح في الصالات 22 بالمئة، وفي الخارج 12 بالمئة، إلا أنهم لم يرضوا بهذا الأمر فهم إما يريدون تسعيرها بـ 1750 في القرى، أو يريدون إيقاف التوزيع، تضيف عون. 

 

بالأرقام: هذه كلفة ربطة الخبز..ووزير الاقتصاد لـ"العهد": لن أسمح برفع سعرها

وتدخل المديرة العامة بالتكليف لمديرية الحبوب والشمندر السكري في تفاصيل الدراسة العلمية، فتوضح أننا احتسبنا مكونات "العجنة" لربطة خبز يبلغ وزنها (1000 غ) وأخرى يبلغ وزنها (500 غ) بشكل كامل، حتى أننا احتسبنا 125 ليرة ككلفة توزيع، واحتسبنا "الشريطة" التي يُلف بها كيس النايلون، كلفة استهلاك المعدات والعمال، كلفة التنظيف، إقامات العمال الأجانب والبطاقات الصحية. كما وضعنا هامشا مختلفا كرسم تلفون ورسم بلدي أو ما شابه. تماماً كما احتسبنا كلفة التوزيع وربح الدكان، وربح الفرن بالجملة. ومع ذلك برز لدينا ربح عالٍ للأفران. وتُشدّد المتحدّثة على أنّه ليس من مهمة الدولة ووزارة الاقتصاد التوزيع، بل إنّ كل جهة تنتج سلعة من المفترض أن توصلها الى الزبائن. 

 

بالأرقام: هذه كلفة ربطة الخبز..ووزير الاقتصاد لـ"العهد": لن أسمح برفع سعرها

وتوضح عون أننا قمنا بالدراسة الأخيرة بمشاركة الأفران بشكل مباشر، ودرسنا كافة الأكلاف وتحققنا منها بناء على فواتير السوق التي زودنا بها مراقبو حماية المستهلك. اذ تحققنا من فواتير الكهرباء، والايجارات وتباحثنا مع أصحاب الأفران بكل شاردة وواردة. ووفق عون، ولكي نكون منصفين اعتمدنا في الوزارة بأغلب الأوقات على السعر المتوسط خصوصاً عندما تبرز لدينا أسعار أعلى وأدنى. وفي بعض الأحيان، احتسبنا الكلفة العالية، اذا تطلّب الأمر ذلك ليكون لدينا انتاج جيد. فوزارة الاقتصاد تسعى لأن تنتج الأفران بشكل صحيح وأن تربح في نفس الوقت لتستمر. 

ابراهيم: لن نرفع الثمن ولن نوزّع  

بدوره، نائب رئيس اتحاد نقابة الأفران والمخابز علي ابراهيم يجدّد في حديثه لموقع "العهد" الإخباري موقفه، ويقول إننا وفي ظل الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم لن تتمكن الأفران من توزيع الخبز. الأخير متوفر في الأفران 24/24، ولكننا لن نوزعه بالخسارة. 

يدافع ابراهيم عن وجهة نظر الاتحاد، ويسأل كيف يمكننا أن نقبل ببيع وتوزيع ربطة خبز بسعر 1500 ليرة، فيما تبلغ كلفة ربطة الخبز ما يفوق الـ 1200 بدون الربح. وفق حساباته، فإنّ المعتمد للتوزيع يتقاضى 150 ليرة على الربطة الواحدة. وكذلك فإنّ الدكانة تتقاضى ربحاً يتراوح بين الـ 200 والـ250 ليرة. وهنا يوضح ابراهيم أنّ الأفران لديها ربح داخل الصالات، ولكن خارجها لا يوجد ربح. فهل نبيع الخبز بالمجان؟ يسأل ابراهيم. ويشدّد على أنّ كلفة التوزيع ستزيد علينا 400 ليرة. 

ولدى سؤال ابراهيم عن المطالب، يجيب "ليس لدينا مطالب، ولكننا قررنا عدم التوزيع". هل سترفعون ثمن الربطة؟ لا لن نرفع سعرها لكننا سنبيعها في الفرن على الـ1500 ليرة ولن نوزع فلا أحد يلزمنا بذلك لا قانوناً ولا شرعاً. 

سألناه: لكن هناك مواطنون يقطنون بالقرى وبحاجة الى شراء الخبز من يؤمنه لهم؟ فأجاب "المسؤول عن هذا الأمر وزارة الاقتصاد التي تقول إنّ الطحين مدعوم، وهذا الأمر غير صحيح، فالطحين غير مدعوم". ويستغرب ابراهيم كيف تقوم الدنيا ولا تقعد لمجرد التلميح لرفع سعر ربطة الخبز 250 ليرة بينما مواد أخرى ترتفع بلا أي كلام. ويختم حديثه بالقول "لن نرفع ثمن الربطة على المواطنين، لكننا لن نوزّع".

راوول نعمة

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل