خاص العهد
اجتماعات القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية: سوريا غائبة شكلاً حاضرة مضموناً
فاطمة سلامة-تصوير موسى الحسيني
لطالما سمع لبنان من العرب ما يُظهر حرصهم على مصلحته. لطالما تغنى هؤلاء بضرورة الحفاظ على استقراره وازدهاره ونهوضه. تلك الكلمات غالباً ما كانت تُصاغ في بيانات مكتوبة أو تُردد أمام مسامع الوفود اللبنانية. اليوم، وعندما جدّ الجد استكثر هؤلاء على لبنان حضورهم في قمّة تنموية اقتصادية واجتماعية جهدت بيروت لاستضافتها. ليتم تأكيد المؤكّد وبما لا يقبل الشك بأنّ كل ما قيل ويقال على المنابر حول "غيرة" هؤلاء العرب على لبنان، ليس سوى كلام فارغ من أي حقيقة. فقمة بهذا المستوى كان يجب أن تتمثل على أعلى المستويات، إلا أنّ انخفاض مستوى التمثيل الى الحد الذي رأيناه، ليس الا دليلا واضحا على التصويب عليها، تحت حجج وذرائع واهية واعتذارات غير مقبولة لا في الشكل ولا في المضمون.
وقد انطلق اليوم الثاني من أعمال الدورة الرابعة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية على وقع تجهيزات تقنية لوجستية وإعلامية نوعية، وذلك بمشاركة 20 دولة وغياب ليبيا وسوريا. الأخيرة ورغم تغييبها غير المفهوم عن القمة، كانت الحاضر الأبرز في النقاشات الدائرة سواء من جهة إعادة الإعمار أو من جهة النزوح السوري.
زكي: ليس كل ما يعرف يُقال
أول الاجتماعات كان في التاسعة صباحاً، حيث عقدت اللجنة الوزارية المعنية بالمتابعة والاعداد للقمة اجتماعاً مغلقاً في فندق فينيسيا بحضور الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط ومندوبي الدول المشاركة، فيما استهلت الجلسة بكلمات أثنت على التنظيم اللبناني للقمة الرابعة، عقد عقبها مؤتمر صحافي لمساعد الأمين العام للجامعة العربية حسام زكي قال فيه رداً على سؤال حول ما إذا تبلغت الأمانة العامة للجامعة العربية من الدول التي سارعت الى خفض مستوى تمثيلها الأسباب التي دفعتها الى ذلك، قال ليس كل ما يُعرف يقال. وأضاف رداً على سؤال آخر إنّ عودة سوريا الى الجامعة العربية حتمية وطبيعية لأنها لم "تطرد" ولم تفقد مقعدها بل عُلّق.
وأوضح زكي أن "الاجتماع الذي سيعقد بعد الظهر هو الاجتماع النهائي إذ سينظر فيه الى البنود ومشاريع القرارات المطروحة تمهيدا لإعدادها بشكل كامل وأخد ملاحظات جميع الدول في الإعتبار"، لافتاً الى أن جدول أعمال القمة لا يمكن أن يتاح للإعلام الآن ولكن يشمل أكثر من 27 بندا فيه بنود اجرائية وبنود موضوعية تتعلق بالعمل التنموي في الدول العربية.
وفي معرض حديثه، أوضح زكي أن "من اهم هذه البنود: بند يخص الامن الغذائي العربي والتعاون بين الدول، بند يخص منطقة التجارة الحرة والميثاق العربي لتطوير قطاع المؤسسات المتوسطة والصغيرة باعتبار أن هذا القطاع هو عمود في كافة الاقتصادات النامية وهناك ميثاق عربي جرى صوغه لطرحه على كافة الدول، بند الإستراتيجية العربية للطاقة 2030، بند يخص السوق العربية المشتركة للكهرباء وهذا مهم للبنان الذي يعاني من مشكلة كهرباء، بند يتعلق بإدارة النفايات الصلبة وكيفية التعاون بين الدول في هذا الموضوع. وبند يتعلق بالتمويل من اجل التنمية وهذا الموضوع مثار عالميا، وأوضح أن هناك موضوعات إجتماعية أيضاً.
باسيل: سوريا يجب ان تكون في حضننا
بعدها، عقد عند الثانية اجتماع مشترك لوزراء الخارجية والوزراء المعنيين بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري للقمة استُهل بجلسة علنية تضمنت كلمة لرئيس الوفد اللبناني رئيس الدورة الحالية وزير الخارجية جبران باسيل أبدى خلالها كل الأسف لأي دولة لم تحضر القمة لأننا كعرب لا نعرف أن نحافظ على بعضنا بل نحترف إبعاد بعضنا البعض، وشدد على أنّ سوريا يجب ان تعود الينا لنوقف الخسارةَ عن انفسِنا، قبل ان نوقفها عنها ويجب ان تكون في حضننا بدل ان نرميها في احضان الارهاب، دون ان ننتظر اذناً او سماحاً بعودتها، كي لا نسجّل على انفسنا عاراً تاريخياً بتعليق عضويتها بأمرٍ خارجي وبإعادتها باذنٍ خارجي، وكي لا نضطر لاحقاً الى الاذن لمحاربة ارهاب او لمواجهة عدو او للحفاظ على استقلال وكي لا نسأل ماذا يبقى من عروبتنا ان هكذا كنّا. وكي لا اسألكم انا اليوم ما معنى جامعتنا واين الجمع ان نجحت فقط في الاقصاء والمقاطعة والتخفيض بدل التعزيز والتعليق وكي لا يسألنا اولادنا غداً لماذا حافظتم على هذه الجامعة ان كانت للتفرقة؟.
وأضاف وزير الخارجية اللبناني " ما أحوجنا اليوم لاستفاقةٍ سياسية اقتصادية تنمويّة تنشلنا من سُباتنا وترفعُ من قيمةِ الانسان العربي لتعيد له ثقته بذاته وترتقي بحياته لمستويات يستحقها، لأن لا هدف يعلو على الانسان، ولا شيء أغلى من حياة وعزةِ اهلنا ومواطنينا.
وتابع يبقى أن لبنان مهما أخفق أو أخطأ يبقى هذا البلد الصغير الكبير أخاً صغيراً لكم ورسالة كبيرة لكم، احتضنوه ولا تتركوه، فهو لم يطعن يوماً أحداً منكم ولم يعتد يوماً على اي مواطن عربي، بل كان ملجأ وحامياً وحافظاً لشعوبكم ومعمرا لبلدانكم، ومستوعباً لتنوع حضاراتكم وثقافاتكم، مضيفاً فلنجعل من حضورنا واجتماعنا مناسبةً لاستنهاض انفسنا ولإعطاء رسالة امل بقدرتنا على الحياة والنهوض في مقابل محاولات انهائنا ومحوِ هويّتَنا وحضارتَنا وتنوّعَنا"، وشدد باسيل على اننا "نواجه تحديات كبيرة تبدأ من الحروب (في سوريا واليمن والعراق وليبيا)، وسوء التغذية (في الصومال والسودان)، والفقر في معظم بلداننا بالرغم من غناها، والجهل للحياة العصرية بالرغم من عِلمنا، اضافة الى التعصب والتطرّف والارهاب، ناهيك عن تعنيف المرأة وعدم منحها حقوقها الاساسية، وتعنيف الطفل الذي لا زلنا لا نفقه بكامل حقوقه. مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية كثيرة ونحن مسؤولون عن تعاظمِها، لأنه بدَل تكاتُفِنا لحلّها ترانا نختلف اكثرَ لتكبرَ اكثرَ، وبدلَ التضامن لنخفِّفَ آثارها ترانا نشنّ الحروب على بعضنا ليشتدّ بؤسَها.
واعتبر أن النتيجة هي ضربُ انسانِنا، اغلى ما عنّا؛ تهجيرٌ ونزوحٌ ولجوءٌ للملايين من ناسِنا، فنراها هائمة، ضائعة ومشرّدة في اصقاع الارض، كمن اخذ حفنة من تراب الارض وهي من ذهب ونثرها فوق الارض وهذا ما اصاب السوري واليمني واللبناني والفلسطيني والعراقي والليبي وغيره، يقفز على اوّل قارب نجاةٍ، او موتٍ، يبحر فيه في مغامرةٍ اسوأُ ما فيها هوَ افضلُ من واقعِ حياته. وها هو اللبناني رائدٌ في الهجرة، حوّلَها الى قصة نجاح ليعيل من بقيَ من اهلِه، فلَحِقنا بمن بقي وزِدنا على بؤسِه بؤس اللاجئ الفلسطيني والنازح السوري ليزيد بؤسَهم جميعاً.
وأكد وزير الخارجية أننا لم نحترم تجاه بعضِنا مبدأ تقاسم الاعباء ولا حتّى فكرة تقاسم الهموم، بل رَمَينا مشاكلَنا على بعضِنا، بل اكثر، رَمينا مشاكِلَنا على شعوبِنا في الداخل وحرمناهم من نِعَمِنا، اعطيناه موارِدنا ومالَنا في مقابل تسليح لنقتل بعضَنا بدل َحمايةِ اوطاننا في وجهِ عدوّنا، مضيفاً لست هنا لالقاء اللوم على بعضِنا، بل للتأّمل سوياً والتساؤل: الم يحن الوقت بعد لصحوةِ ضمير، لاستفاقةِ مشاعر، ولاحياء روح التضامن؟ دون ان أُغفل من اعطى واكرم وساعد وضحّى وبذل حتّى دماً في سبيل اخيه؟، معتبرا انه اذا كان لا سبيل بعد لهذه الصحوة السياسية ان تحصل على مستوى ما وصلنا اليه وكيفية الخروج منه، الا يجدر بنا ان نضع معاً خططاً مستقبلية، ولو نظريّة لتخفّف من ازماتنا، وترفع من مستوى حياتنا وتفتح الفرص امام شبابنا؟، سائلاً اذا سبّبنا الحروب لبعضنا، الم يحن وقت اطفائها؟ الا يجب ان نفكّر بالعمران بدل الخراب؟ وهل يجوز ان نجازي ونعاقب من يفكّر باعادة الاعمار بدل ان نشجّعه ونساعده؟، وهل يجوز ان نقبلَ ان دولةً تختارُ من منّا يُسمح له بالازدهار، ومن لا ينصاع تُفرض عليه العقوبات لينهار؟ هكذا نصبح جميعاً، دولاً ومسؤولين، في قفص الاتهام وحجرة الاستعباد مع "وقف الاستعباد".
وشدد باسيل على أن لا مستقبلَ من دون تنمية ولا أُفقَ من دون تطوّرٍ فالحياة تمضي بسرعة، وان لم نستلحق انفسنا بسرعة قطار التطوّر والمعرفة، سنخسر ما تبقّى لدينا، وسيسهل اكثر اختراق مجتمعاتنا من قبل التطرّف والارهاب، من قبل العدو الاحادي المتماهي معه والمتربّص بنا، ولن يكون لنا حتماً ربيع عربي، بل شتاء غربي وسيستمّر قاسياً.
ودعا الى ضع رؤية اقتصادية عربية موحّدة، مبنية على مبدأ سياسي بعدم الاعتداء على بعضنا وعدم التدخّل بشؤونِ بعضِنا، كذلك نبني هذه الرؤية ايضاً على مبدأ ثقافي حضاري اجتماعي قائم على احترام اختلافنا وتقبّل تنوّعنا لنحفظ حقوقَ بعضِنا في الدين والفكر، وتابع: لا اخفي توجّهاً لديّ بخلق مساحة اقتصادية مشرقية مشتركة تضم هذا الجزء من منطقتنا العربية، نجلب الازدهار لها من خلال اعادة اعمار سوريا والعراق واعادة النهوض بلبنان، وتقدّم الاردن ومصر وبناء فلسطين.
أبو الغيط: قمة بعد غياب 6 سنوات
ثم كانت كلمة لأبو الغيط أشار فيها الى أن قضية التنمية بأبعادها كافة هي الشاغل لدول العالم العربي"، موضحاً أن "هذه القمة تلتئم بعد غياب 6 سنوات وينظر اجتماعنا اليوم بشكل نهائي الى المواضيع التي سترفع الى القادة العرب لبحثها في جلساتهم بعد غد.
وفيما شدد ابو الغيط على أن "التحديات الهائلة التي تواجه المنطقة العربية تفرض علينا بلورة رؤى جديدة والخروج بأفكار مبتكرة تنصب على المستقبل وتطوراته المتسارعة في التكنولوجيا والعلوم والاقتصاد والانتاج والذكاء الإصطناعي"، رأى أن "هذه التطورات توشك على تغيير معدلات الإنتاج ما يجعلنا أمام الثورة الصناعية الرابعة، ويمثل تحديا حقيقيا يتعين علينا التعامل معه والاستعداد له، مبينا أن "جدول الأعمال المقترح يتضمن عددا من الموضوعات الهامة المتعلقة بكافة الدول، بما في ذلك مبادرات واستراتيجيات في الأمن الغذائي والقضاء على الفقر وحماية النساء، وكلها تستحق أن تنقل من حيز الدراسة الى التنفيذ.
وأشار ابو الغيط الى أن "تطلعات الشعوب العربية نحو مستقبل أفضل يحمل فرصا أوسع ومعدلات تنمية أوسع تقتضي منا العمل بروح المسؤولية لتكون هذه القمة والقرارات الصادرة عنها خطوة نوعية على طريق التنمية.
بعد ذلك، تحولت الجلسة الى مغلقة لاعتماد مشروع جدول الاعمال ومناقشته ومراجعة مسوّدة اعلان بيروت، عقد بعدها باسيل مؤتمرا صحافيا مشتركا مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، لفت فيه الى أنه "تم اقرار البنود الـ 29 في اجتماع وزراء الخارجية والاقتصاد العرب بالتوافق فيما بقي موضوع البيان الختامي والعمل عليه في اليومين المقبلين".
وشدد باسيل على أن "هناك توافقا على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الدول العربية وهي مشاكل لا تتعلق فقط بالدول ضمن حدودها بل هي مشاكل مشتركة ونرغب ونعمل ان يكون اطارنا الاقتصادي موسع بطريقة أوسع"، مضيفا:"لا يمكننا ان نشارك بمؤتمر إقتصادي اجتماعي ونغفل عن اهم ازمة انسانية ولو كانت في بدايتها ازمة سياسية ولكن تبعاتها الاقتصادي والإجتماعية كبيرة ولا يمكن التفكير بحلول في ظل التعايش مع ازمة انسانية كبرى وهي ازمة النازحين واللاجئين في منطقتنا".
ولفت باسيل الى أن "لبنان طرح موضوع عودة سوريا للحضن العربي وبالتالي عودتها للجامعة العربية وهذا الموضوع بحاجة الى صيغ ولا يمكن ان ننأى بأنفسنا عن مقاربة هذا الموضوع"، وأكد أننا "سندفع داخليا وخارجيا لتكوين توافق على عودة سوريا للجامعة العربية".