معركة أولي البأس

خاص العهد

31/03/2020

"كارتيل" المصارف يُمعن في إذلال المودعين: لا دولارات حالياً

فاطمة سلامة

لم يكن ينقص اللبنانيين الذين رضوا بهمِّ المصارف، وسياستها "التسولية" سوى إيقاف عمليات سحب الودائع بالدولار بحجة إقفال المطار بسبب كورونا. للشعب اللبناني مع المصارف قصّة طويلة لو قُدّر لأحد كتابتها للعنتهم الأجيال اللاحقة. أشهر من المعاناة استخدمت فيها المصارف شتى أنواع الإذلال، لتحرم الناس من حقوقها. اتبعت أسلوب إعطاء المودعين من الجمل أذنه، ومارست أقسى أنواع "الكابيتال كونترول" على حساب لقمة العيش. الأمر وصل ببعض المصارف الى إعطاء المواطنين مئة دولار شهرياً، في مشهد أقرب الى السريالية. ولا داعيَ طبعاً لسرد المشاهد المؤلمة التي رأيناها على أبواب المصارف على امتداد ما يقارب الخمسة أشهر، والتي خبر فيها المواطنون تعاملات مهينة لا تمت للإنسانية بصلة. فالى أي مدى تبدو حجة المصارف مُقنعة؟ وهل فعلاً لا تملك الدولار لإعطاء المودعين حقوقهم؟. 

المصارف تمتلك الأموال وهذه أرباحها الخيالية

الكاتب والباحث الاقتصادي الأستاذ زياد ناصرالدين يعتبر أنه من المعيب المستوى الذي تتعامل به المصارف مع المودعين بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام، وبالتالي فإنّ حجة عدم وجود طائرات لشحن العملة النقدية غير مقنعة. لا بل تثير الكثير من علامات الاستفهام بناء لأقوال المصارف السابقة والتي توضح أنّ أموالهم تتأتى عبر مصرف لبنان لتلبية حاجات السوق، وفجأة أضحت الأموال تأتي من الخارج. وفيما يوضح ناصر الدين أنّ المصارف تمتلك الأموال لكنها تمعن في إذلال الناس، يشير الى أنّ الخطوة التي قامت بها المصارف عبر إخراج الأموال من لبنان لم تكن نتيجتها سوى تدفيع المودعين الثمن. وفق قناعات ناصر الدين، فإنّه من غير المسموح للمصارف التي استفادت من امتيازات كبيرة وعديدة وهندسات مالية ضخمة جنت فيها منذ عام 1993 حتى عام 2018 أرباحاً خيالية وصلت حد الـ 22 مليار ومئة مليون دولار (هذا طبعاً ما عدا الأصول العينية)، والتي حوّلت الى الخارج 4 مليارات دولار في عز الأزمة التي يعاني منها لبنان، من غير المسموح لهذه المصارف اتباع هذه السياسة وركنها المودعين ضحية. 

مليار ونصف المليار دولار فقط قيمة حسابات صغار المودعين

ويستشهد ناصر الدين بالدراسات التي تقول إن 13 بالمئة من المودعين يسيطرون على 87 بالمئة من قيمة الودائع في المصارف. تلك المعطيات تشير الى أنّ 6000 حساب لبناني تمتلك 79 مليار دولار. وفي المقابل فإنّ 87 بالمئة من المودعين يمتلكون 13 بالمئة من الودائع، و60 بالمئة منهم أي ما يقارب الخمسة آلاف حساب تتراوح قيمة ودائعهم بين الـ1000 والـ5000 دولار. هؤلاء يُشكّل مجموع قيمة ودائعهم بحده الأقسى مليار ونصف المليار دولار. ينطلق ناصر الدين من هذه الأرقام ليسأل: هل تستدعي قيمة هذه الأموال الطريقة التي يتم التعاطي فيها مع هؤلاء المودعين؟ هل يستدعي إرسال الأموال من حسابات المودعين الى ذويهم في الخارج سواء الطلاب أو غيرهم كل هذه الضجة ونغمة "تربيح الجميلة"؟. يؤكّد المتحدّث أنّ المسؤولين عن سياسة المصارف يجب أن يساقوا الى التحقيق احتراماً للمواطنين وعملاً بالمبدأ القائل "مصارف في خدمة الناس وليس العكس". 

المصارف تتبرّع بدولار واحد لكل لبناني! 

ويشدّد ناصر الدين على ضرورة تنظيم العلاقة بين المودع والمصارف، وهذا الأمر يتطلب اجراءات على رأسها دمج المصارف، وتقييم الأصول الموجودة فعليا لدينا في مصرف لبنان. وهذا يتطلّب أيضاً أن لا يكون هناك "كابيتال كونترول" على صغار المودعين بل على المبالغ الكبيرة لمنع خروجها من لبنان على طريقة التهريب. ويستغرب ناصر الدين الاستمرار بسياسة الاستقواء على المودعين الصغار وتحت حجج واهية لا تمت للواقع بصلة. برأيه، فإن المصارف تُفتّش عن أي شماعة للامتناع عن الدفع بالدولار. وهي في هذا الصدد أقفلت أبوابها دون وجه حق. ويسأل ناصر الدين بأي حق تقفل المصارف أبوابها بهذه الطريقة وتمعن في إذلال الناس أمام الصرافات الآلية؟ بأي حق تتّخذ قراراً تمتنع فيه عن السحب بالدولار؟. الأسئلة كثيرة وكثيرة وجميعها تصب في السياسة الظالمة التي تتبعها المصارف يقول ناصرالدين، الذي يتوقّف عند ما رأيناه في الأيام الأخيرة لجهة تبرع جميعة المصارف بمبلغ وقدره 6 ملايين دولار. يعرب عن تمنياته لو أنّ الحكومة رفضت هذا المبلغ في وجههم. يستغرب كيف أنّ نحو الـ 60 مصرفا في لبنان تتبرع بهذا المبلغ أي بنحو 100 ألف دولار عن كل مصرف، وبمعدّل دولار واحد عن كل لبناني!. 

 

"كارتيل" المصارف يُمعن في إذلال المودعين: لا دولارات حالياً

يأسف الكاتب والباحث الاقتصادي لهذا الأمر فالمصارف بالحد الأدنى كان عليها أن تتبرّع بمليار دولار وسط هذه الأزمة التي يعيشها لبنان اليوم،  بعدما جنت أموالاً طائلة على مدى أكثر من عقدين. برأي ناصر الدين اذا دفعت المصارف مليار ونصف المليار دولار فإنها بذلك تحل أزمة 87 بالمئة من المودعين، وهذا واجبها وليس منّة منها، بل واجب عليها. وهنا يوضح ناصرالدين أنّ جميع أزماتنا في لبنان مرتبطة بـ6 مليارات دولار، 4 منهم هربت الى الخارج من قبل المصارف، وقبلها أيضاً جرى تهريب أموال طائلة، وللمصارف أرباح موجودة في الخارج وتقدر بأكثر من 14 مليار دولار، ولكنهم اليوم يستخدمون الودائع للضغط على الشعب اللبناني والحكومة ولاسقاط أي رؤية إصلاحية واقتصادية في المستقبل. تماماً كما أنّ هناك محاولات لإبعادنا عن خيار التوجه الى الشرق وجرنا الى صندوق النقد الدولي مع ما تحمله هذه النقطة من تداعيات. 

الإصلاح يبدأ من التعيينات 

ويُشدّد ناصر الدين على ضرورة العمل على استعادة السيادة المالية والاقتصادية بعيداً عن وصفات صندوق النقد الدولي. الإصلاح برأيه يجب أن يبدأ من التعيينات، خصوصاً لجهة ملء الشغور في حاكمية مصرف لبنان بعيداً عن المحسوبيات والمحاصصات. علينا أن نختار أسماء نزيهة ولا تشكّل صلة وصل بين الطبقة السياسية والمصارف. المؤسف أن الأسماء التي تطرح للتعيينات غالباً ما تغرد ضمن السياسة النقدية، بينما باستطاعتنا اختيار أسماء لصالح المواطنين والاقتصاد اللبناني. فالمطلوب أن يكون لدينا اقتصاد بخدمة الانسان وليس العكس. 

لطبع العملة واستثمار ذلك في الانتاج 

ويلفت ناصر الدين الى أنّ مصرف لبنان يمتلك احتياطيا لا بأس به. كان لدينا 27 مليار دولار كموجودات، أعطي منها 7 مليار دولارات للمصارف لتأمين الأمن الغذائي والتحويلات الى الخارج، مع ما أثير حول هذا الرقم من علامات استفهام لجهة نسبة الفائدة التي أخذتها المصارف. ويوضح ناصر الدين أنّ باستطاعة لبنان التصرف بجزء من الاحتياطي الالزامي ضمن خطة لإنقاذ الواقع. أمام لبنان الكثير من الخيارات التي يستطيع من خلالها انقاذ اقتصاده المتعب. العالم كله يتوجه اليوم نحو خيار "طبع" العملات لإنقاذ وضعه وبالتالي فإنّ قيمة الدولار سوف تهبط . كما أن لدينا نقطة مهمة يجب الاستفادة منها وهي انخفاض سعر برميل النفط الى العشرين دولارا. ما دلالات ذلك؟. وفق ناصر الدين، في حال هبط ما دون العشرين دولارا يعني أن باستطاعتنا استغلال هذا الأمر في ملف الكهرباء لتوفير ملياري دولار سنوياً، وفي حال عملنا على تثبيت الاتفاقية لثلاث سنوات، فإننا بذلك نوفر ثمن مصانع الكهرباء كما يضع هذا الأمر الحكومة أمام فرصة استثنائية لتلزيم الجهة التي تريدها. 

يسأل ناصر الدين: لماذا لا تتوجّه الدولة اللبنانية الى خيار طبع العملات للاستثمار في الاقتصاد الانتاجي؟ نعم، إذا طبعت الدولة أموالا ودفعتها كرواتب وأجور سيحدث ذلك تضخما ولكن اذا ما استثمرتها بالانتاج وحولتها الى عملة أجنبية ستنقذ بذلك الاقتصاد. يكرر ما قاله سابقاً لجهة أن الدولة أمام فرصة استثنائية، فما ينجز في وزارة الصناعة ووزارة الصحة ضمن الامكانيات الموجودة يُشكل انجازاً جعل لبنان في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال، وجعل لبنان يستعيد دوره في الانتاج الطبي والمسلتزمات الطبية. ليس صحيحا أن الحلول مقفلة، نعم مقفلة أمام من لا يريد الحل، يختم ناصر الدين. 

الدولارجمعية المصارف

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة