خاص العهد
طلاب لبنانيون في الخارج يروون لـ"العهد" معاناتهم: هكذا ظلمتنا المصارف
فاطمة سلامة
ما إن يُفتح ملف الطلاب اللبنانيين في الخارج حتى تتوضّح صورة المعاناة التي يعيشها هؤلاء، والتي ازدادت حدتها مع أزمة فيروس "كورونا". أولئك ذاقوا الأمرين جراء سياسة المصارف الجائرة، والتي قطعت الحبل فيهم بمنتصف الطريق. الآلاف من الطلاب الذين يتابعون دراستهم في الخارج وجدوا أنفسهم ضحيّة السياسات المالية والنقدية القائمة على الازدواجية. فمنع التحويلات حدا بقسم كبير منهم الى العيش وسط هاجس نفاد الأموال الموجودة. والبعض منهم لم يتمكّن من دفع بدل السكن حتى، قبل أن تعود جمعية المصارف عن قرارها الجائر وتعلن التزامها بتحويل المبالغ المناسبة للطلاب اللبنانيّين المقيمين في الخارج. إلا أنّ التدقيق في أحوال هؤلاء الطلاب يُبرز أن قضية التحويلات ليست الوحيدة، فأسعار صرف الدولار الفالتة من عقالها، تُشكل أزمة الأزمات لأهالي هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم أمام وضع صعب، أوجدته السياسة النقدية العوجاء لمصرف لبنان والتي لطالما شكّلت الحصن المتين للمصارف، مع ما يحمله التلاعب بسعر صرف الدولار من تداعيات سلبية عديدة على معيشة هؤلاء الطلاب الذين بات القسم الأكبر منهم يعيش هاجس تأمين بدل السكن والطعام.
موقع "العهد" الإخباري توقّف عند أحوال الطلاب اللبنانيين في بعض الدول، ليتبيّن حراجة الظروف التي يعيشونها والتي لا يمكن إدراجها سوى في سياق النهج السيئ الذي اتبعته المصارف على مدى سنوات، والذي وصل حد تقسيطها المودعين لأموالهم وشقاء عمرهم بـ"القطارة" مستخدمةً شتى أنواع "الكابيتال كونترول"، وكل ذلك بحجة المحافظة على السيولة في الداخل. فيما في المقابل، سُمح بتهريب مليارات الدولارات لسياسيين ونافذين، دون أن يرف جفن للجهات المعنية بإيقاف هذه التحاويل.
أوكرانيا: 80 بالمئة من الطلاب يعانون
حين نتحدّث عن المشاكل التي يواجهها الطلاب في الخارج، يحار ماهر عبيد الطالب بكلية الصيدلة في أوكرانيا من أين يبدأ بسرد المعاناة. أبرز تلك المعاناة وأكبرها التلاعب بسعر صرف الدولار والذي ضاعف تكلفة العلم في الخارج، وبدّل الحسابات. وصول سعر صرف الدولار عند عتبة الثلاثة آلاف ليرة، ألقى أعباء كبيرة على الأهل، يُضاف اليه غلاء المعيشة الموجود في الأصل. فالألف دولار بات ما يقارب المليونين وثمانمئة ألف ليرة، ما يجعلني أسأل ماذا سيُرسل الأهل لي وماذا سيتبقى لهم؟!. ويتوقّف عبيد عند السياسة الخاطئة التي انتهجتها المصارف والتي لم يتمكّن بموجبها والدي من إرسال الأموال لي، وعليه لم أدفع ايجار المنزل الذي أقطنه منذ شهرين. وفي حال لم أتمكّن من دفعه هذا الشهر، بالتأكيد سيضعني صاحب المنزل في الشارع.
الحديث مع عبيد يُبيّن مستوى الأوضاع الصعبة التي يعاني منها حوالى 80 بالمئة من الطلاب في أوكرانيا، حسبما يقول. وهذا كله نتيجة سياسة المصارف، فأبي كان يرسل لي حوالى الـ800 دولار شهرياً. آخر مرة تمكّن فيها من إرسال الأموال أرسل لي 400 دولار أي نصف المبلغ. الشهر الماضي لم يتمكّن من الارسال بسبب منع التحويلات. وهنا يوضح عبيد أن المعاناة بدأت لدينا منذ بداية أزمة الدولار في لبنان، فالأهل يواجهون صعوبة لتحصيل الدولار، وفي حال تمكنوا من تحصيله، فإنّ القيمة الشرائية لدينا تضاءلت كثيراً. ويضيء عبيد على نقطة أخرى، فوالده لا يتمكّن من سحب راتبه كاملاً عبر المصرف وهذا ما يزيد الطين بلة، ويزيد الإرباك. وهنا يُشدّد عبيد على ضرورة الافراج عن رواتب الموظفين بعيداً عن سياسة إعطائهم من الجمل أذنه. كما يُطالب مصرف لبنان والدولة بالالتفات قليلاً الى أوضاع هؤلاء الطلاب عبر تأمين سعر صرف للدولار مقبول، اذ ليس بالضرورة أن يكون على أساس الـ1515، ولكن أن لا يتعدى الـ 1800 رأفةً بنا وبأهلنا.
هل تريد العودة الى لبنان؟ يجيب عبيد بالاشارة الى أنّه لا يُفضّل العودة كي لا يحمّل أهله ما لا طاقة لهم به. العودة الى لبنان تعني أن يتكبّد الأهل تكاليف تذكرة السفر ذهاباً الى لبنان، اذ ليس من قدرة للدولة على التكفل بعودة جميع اللبنانيين، تماماً كما تعني تكبد الأهل تكاليف الحجر المنزلي، هذا بالاضافة الى اضطراري للعودة الى أوكرانيا لتقديم الامتحان في حزيران -في حال استقرّت الأمور- ما يعني حكماً تكبيد الأهل تكاليف التذكرة إياباً، بمعنى ستكون عودتي الى لبنان مصاريف بمصاريف. وهنا يتحدّث عبيد بحرقة أنه وفي حال استمرّ التلاعب بسعر صرف الدولار على هذا الشكل سوف أبقى بلا جامعة العام المقبل، وهذا حال كثيرين.
فرنسا: طلاب الماستر الفئة الأكثر تضرراً
الحال في فرنسا، لا يختلف كثيراً عن أوكرانيا، فالطلاب اللبنانيون هناك يعانون من أزمة التلاعب بسعر صرف الدولار لأن جل أهاليهم يتقاضى أموالاً بالليرة اللبنانية. وفي هذا الإطار يتحدّث لموقعنا الدكتور علي مخ الذي يضيء على معاناة الطلبة اللبنانيين هناك. برأيه، ظلمت السياسة المصرفية المتبعة في لبنان الطلاب بشكل كبير، خصوصاً لجهة "الكابيتال كونترول" والذي رافقه تلاعب كبير بسعر صرف الدولار. سابقاً كان يحتاج الطالب ما بين الـ6000 دولار سنوياً الى العشرة آلاف دولار لتغطية تكاليف دراسته. هذه العشرة آلاف دولار كانت تساوي 15 مليون ليرة لبنانية، أما اليوم فتبلغ حوالى الـ28 مليون. هذا طبعاً بالإضافة الى أزمة تأمين الدولار لدى الأهل.
ولا ينسى مخ التطرق لأزمة التحويلات المصرفية والتي ضاعفت من معاناة الطلاب وفاقمتها، خصوصاً في ظل أزمة فيروس "كورونا". فطلاب الماستر البحثي والذين يتّكلون على التدريب (ستاج) المدفوع في الفصل الثاني، ما يمكنهم من دفع المسكن وتأمين المعيشة، وجدوا أنفسهم بلا هذا المدخول بعدما ألغيت الكثير من "الستاجات" أو جرى إيقافها جراء أزمة الفيروس، ما يعني أن هؤلاء اليوم لا يتقاضون أموالا ويعيشون وضعا صعبا، خصوصا بعدما عانى أهلهم من أزمة التحويلات، قبل أن يعلن عن حلها. وهنا يوضح مخ أن أبناء الجالية اللبنانية يسعون لمساعدة الطلاب خصوصا ان جزءا منهم يعاني وضعا صعبا جراء هذه الأزمات.
كلام مخ يتطابق مع ما يقوله طالب الدراسات العليا في مجال الهندسة حسين علي طه والذي يشير الى أنّ أهم مشكلة يواجهها الطلاب هي قضية التحويلات خصوصاً بعد توقف "الستاجات" بسبب أزمة "كورونا". فالطالب الذي كان يغطي النفقات من البدل الذي يحصل عليه، تراه اليوم بلا "ستاج" أي بلا مدخول، ومضطر لدفع المصاريف من جيبه الخاص، ما يجعله بأمس الحاجة الى التحويلات لتيسير الحال. تماماً كما حال الطلاب الذين يتابعون الدراسة "أونلاين" والذي يحتاجون لتصلهم السيولة من لبنان.
ويشدّد طه على ضرورة تسهيل العودة للبنانين الراغبين بذلك، فالفرصة التي سبق وأعطيت لهم قصيرة جداً، وأسعار التذاكر كانت خيالية ولامس بعضها حد الألفي يورو، ما يفوق قدرة كثيرين على الدفع.
بدوره، الدكتور حسين شور يكرّر لموقعنا ما قيل سابقاً لجهة أن أبرز أزمتين يعاني منهما الطلاب في فرنسا هي أزمة التحويلات التي بدأت قبل قصّة "covid 19"، و"الستاجات"، مع ما توجده هذه الأزمة من مشكلة على صعيد متابعة الدكتوراه وإيجاد فرص عمل لاحقاً. بالنسبة اليه، فإنّ الفئة الأكثر تضرراً من الطلاب هم طلاب الماستر والذين يشكّلون نسبة كبيرة. طبعاً بالاضافة الى الكثير من الطلاب الذين تضرروا من قضية تأمين العملة الصعبة، ما أفقدهم نصف قيمة الاحتياط الذي وضعوه جانباً.
وبالاضافة الى ما تقدّم يضيء شور على أزمة قد يواجهها الطلاب المتواجدون في المدن المعزولة نسبياً في فرنسا والتي يكاد وجود الجاليات اللبنانية فيها محدوداً. هناك سيواجه الطلاب أزمة نفسية بسبب عدم وجود طلاب لبنانيين بجانبهم، تضاف الى الأزمتين المالية والعلمية.
ويختم شور حديثه بالإشارة الى أنّ السياسة المصرفية شكّلت "أساس البلاء" وأضرّت بالكثير من الطلاب.
حسن السبع وهو طالب دكتوراه في الكيمياء، يكرّر ما قاله زملاؤه سابقاً، فأكبر أزمة عانى منها الطلاب هي التحويلات، لكنه في الوقت نفسه يضيء على قضية التكافل الاجتماعي التي برزت في فرنسا بين أبناء البلد الواحد، فهناك الكثير من اللبنانيين سارعوا لتقديم المساعدات للطلاب الذين يعانون من أوضاع صعبة.
إيطاليا: نواجه أزمات بخصوص دفع المستحقات
لا تختلف معاناة أحمد طبيخ وهو طالب جامعي سنة أولى في اختصاص "biological science" بإحدى جامعات إيطاليا عن معاناة الطلبة في أوكرانيا وفرنسا. يروي طبيخ قصّته مع المصارف، لافتاً الى أنه وقبل توجهه الى إيطاليا لمتابعة دراسته وضع كفالة بنكية في أحد المصارف اللبنانية التي تتعامل مع السفارة الايطالية. بدأنا نعاني -يقول أحمد- بسبب أزمة الدولار اذ لم يكن مسموحاً لي سوى سحب 200 يورو في الأسبوع. هذا ناهيك عن العمولات التي يضطر الطالب لدفعها والتي تصل حد الـ 28 يورو شهرياً. وهنا يلفت المتحدّث الى أنّ مبلغ الـ200 يورو لا يكفي مقارنةً بالمصاريف الملقاة على عاتقنا من دفع ايجار منزل الى دفع فواتير مختلفة وشراء الطعام والتنقلات وغيرها من الأمور. بعدما حلّت أزمة "كورونا" -يضيف طبيخ- قيل لنا إنّ باستطاعتنا سحب المبلغ كاملاً، ذهبنا لنسحبه لكننا لم نستطع، وفي المقابل لم يتمكّن أهلي من تأمين الدولار أولاً وتحويل الأموال ثانياً.
ولا يبدي طبيخ رغبة في العودة الى لبنان على اعتبار أن العودة قد تعرضه لالتقاط الفيروس في تلك الرحلة، مؤكداً الالتزام بالحجر الصحي والتدابير المتخذة حفاظاً على سلامته. لكنّه في المقابل يوضح أننا لا زلنا نواجه أزمات بخصوص دفع المستحقات، ولا ندري ما اذا كانوا سيتقاضون منا إيجار المنزل هذا الشهر أم لا، على أمل أن تحل هذه الأزمة، يختم طبيخ.
إذاً، متنوعة هي المشاكل التي يعاني منها الطلاب اللبنانيون في الخارج. جلها يحل كضريبة للسياسة الظالمة التي انتهجتها المصارف، والتي استخدمت فيها أقسى أنواع "الكابيتال كونترول" على حقوق الناس، على أمل أن تكون ما أعلنت عنه المصارف اليوم لجهة الالتزام بتحويل المبالغ المناسبة للطلاب اللبنانيّين بداية تغيير للسياسة العوجاء التي تضرّرت منها مختلف شرائح المجتمع اللبناني.