خاص العهد
"التنين" يدمّر آمال المزارعين جنوبًا
سامر الحاج علي
لم تكد تنحسر الرياح العاتية التي شكلت أحد وجوه ما عُرف بعاصفة التنين عن جنوب لبنان، حتى بدأت مختلف صور الأضرار تتضح في مختلف القرى والبلدات، لا سيما تلك التي تتمركز فيها نشاطات زراعية واسعة، وتحديدًا الواقعة بين شمال نهر الليطاني في منطقة القاسمية وصولًا إلى سهول رأس العين والقليلة والمعلية جنوب مدينة صور.
فمع ساعات الصباح الأولى بعد العاصفة، كان المزارعون وأصحاب المشاريع التي تغذي أسواق لبنان بمختلف صنوف المزروعات الموسمية من خضار وفاكهة ناهيك عن الحمضيات والموز وبعض الزراعات الاستوائية كالأفوكادو يتفقدون سهولهم ليجدوا أن ما طال انتظاره من ثمار بدأت بالنضوج قد افترشت الأرض مع ما يحميها من خيم وبيوت بلاستيكية عجزت عن الصمود أمام كتل رياح فاقت سرعتها المئة وعشرة كيلومترات في الساعة بعيد منتصف ليل الخميس وحتى فجر الجمعة، محطمة إضافة إلى ما مرّت عليه آمال من كانوا يمنّون النفس بأن تعوض ما فاتهم نتيجة للأزمة السياسية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد في آخر أشهر العام المنصرم.
عند سهل رأس العين جنوب مدينة صور والذي تتركز فيه أساليب الزراعة بالأنفاق مع ما تنتجه من خضراوات كالبندورة والباذنجان والخيار إضافة إلى بساتين الحمضيات التي تضخ إلى الأسواق المحلية في هذه الأيام ثمار الحامض وأنواعا من الليمون والموز المحمي، حلقة من مسلسل معاناة الواقع الزراعي الذي يتأثر به مختلف اللبنانيين وفق ما يشير لموقع العهد الإخباري عضو تجمع مزارعي السهل حمزة عيسى والذي يرى أن الرياح التي مرت بالمنطقة لم نشهدها منذ أكثر من أربعين عاماً على الأقل وقد خلفت أضراراً لا يمكن احصاؤها بساعات إذ إن الخيم المزروعة تطايرت وتمزقت واستوت ثمار الأشجار بالأرض وتساقطت النسبة الأكبر من زهور الحمضيات ما سيؤثر كثيرًا على المواسم القادمة، ناهيك عن الضرر الكبير الذي لحق بمشاتل التبغ التي تعرضت بدورها لنكبة كبرى خاصة وأن شتولها شديدة التأثر بالتبدل المناخي ولم تستطع الصمود أمام العاصفة الهوجاء.
إلى المنطقة الواقعة شمال مجرى نهر الليطاني في القاسمية، وتحديداً في بلدتي ارزي والخرايب والتي نشأت فيها خلال السنوات الأخيرة الزراعات المحمية والبيوت البلاستيكية والخيم على مساحة تتجاوز الألفي دونم. هنا لا يمكن لعابري المنطقة إلا أن يترحموا على أرزاق كانت ستؤمن عائدات مالية تسد ثغرة في موازين عجز وقع فيه المزارعون نتيجة للارتفاع المستجد على أسعار المواد الأولية لزراعاتهم. فيلفت المهندس الزراعي المشرف على هذه الزراعات حسن غزالة إلى أن ضررًا كبيرًا لحق بزراعات البندورة والخيار والفريز التي تزرع في مشاريعهم، إضافة إلى مواسم البطيخ والشمام التي تزرع شتولها من الآن في أنفاق أتلفتها الرياح، مشدداً على أن نتائج الكارثة هناك تحتاج لبعض الوقت ليجري احصاؤها والوقوف عند نتائجها، وهنا لا تتوقف الخسائر عند أعمدة الحديد وآلاف الأمتار من النايلون الذي تحمله بل عند المواسم التي كانت ستغذي لبنان لأشهر.
ويؤكد غزالة أن الخسائر الفادحة التي حلت تفوق قدرة المزارع على تحمّلها، والمطلوب اليوم من الوزارات المعنية في الدولة اللبنانية أن تبادر إلى إيفاد متخصصين ومهندسين للوقوف عند ما حصل تمهيدا للبدء بالتعويض على المتضررين.
وفي السياق نفسه عقدت لقاءات واتصالات على مستوى الهيئات والنقابات المعنية والتي دعت الدولة اللبنانية لإعادة تفعيل العمل بما يعرف بصندوق الكوارث لدعم المزارعين والذي جرى تأسيسه في عهد الوزير السابق حسين الحاج حسن عندما تولى وزارة الزراعة بين عامي 2012 و 2013 للتعويض على المزارعين بحال وقوع كارثة طبيعية أو ما شابه، والذي توقف دعمه في الوزارات اللاحقة والمتعاقبة لغاية اليوم على الرغم من أنه يشكل ضرورة ملحة لرفع المعاناة والتخفيف من حدتها.
وهنا يلفت أمين السر العام لاتحاد النقابات الزراعية في لبنان المهندس سليم مراد في حديث لموقع "العهد" الإخباري إلى أهمية اعادة العمل بهذا الصندوق الذي يعوّض المزارعين الخسائر التي تلحق بهم جراء العوامل الطبيعية وغيرها، من أموال يدفعونها هم بعد انتسابهم إليه وأخرى تصرف مباشرة من مجلس الوزراء كمساهمات خاصة للصندوق.
وإذ يناشد مراد وزارة الزراعة والهيئة العليا للإغاثة وكل من يعنيه أمر المزارع اليوم ضرورة التدخل السريع للمساعدة في التعويض عن الخسائر الكبرى، يقول إن المزارع الذي يقتطع اليوم من قوته وقوت عياله ليزرع هو أعجز من أن يتمكن من إعادة ترميم ما خسره خاصة وأننا نتحدث عن ضرر فادح في قطاعات زراعية أساسية على طول السهول الجنوبية من الساحل إلى الجبل.
ويضيف مراد: تضررت المواد الاولية والأساسية للزراعة كالخيم وغيرها، وتضرر المحصول الزراعي الذي ولد ميتاً بعد عجز الشتول والثمار عن مقاومة ظروف الرياح، كما تكسرت شتول الموز وافترشت الحمضيات أراضي البساتين وأتلفت حتى زهور اللوزيات التي كنا ننتظر أن تأتي بموسم واعد هذا العام.
ولم تنحصر أضرار العاصفة الهوائية الشديدة في قطاع الزراعة إذ تحطمت الكثير من اللوحات الإعلانية وألحقت أضراراً بالسيارات والمركبات التي كانت مركونة بالقرب منها، وسقطت أعمدة إنارة وتغذية كهربائية في العديد من المناطق الجنوبية ما أدى إلى انقطاع التيار عن قرى بأكملها، وسجلت خسائر في ميناءي صور والناقورة للصيد بعد توقف حركة الملاحة طوال الساعات الماضية. كل هذا وغيره من الكوارث الطبيعية التي تضرب مع الوطن موعداً كل مدة باتت بحاجة اليوم إلى التفكير في وضع خطط وسياسات حكومية لا تعمل وفق منبّه الصدمة بل تعطي القطاعات الإنتاجية أولوية وأهمية لدعم الاقتصاد الوطني الآخذ بالتراجع منذ سنوات.