خاص العهد
رب ثلاثين تواجه الكورونا.. تجربة فريدة تمنع تمدد الوباء
سامر الحاج علي
قبل أن يحاصر الكورونا منازل اللبنانيين بعد أن بدأ يحدّ من نشاطهم الاجتماعي والاقتصادي المتراجع إلى أدنى مستوياته بالأصل، وعلى طريق تحمل المسؤولية تجاه الناس والتي بات من الواضح تماماً أنها تحتاج إلى مواجهة تخوضها جهات متكاتفة وجهود مضاعفة لا تقف عند وزارة أو إدارة ما، ولا تستبعد عمل البلديات واتحاداتها ومجالسها العاملة على امتداد الأراضي اللبنانية وضمن نطاقات جغرافية منفصلة قد يكون توزيعها كفيلاً بمحاصرة الفيروس العابر لحدود دولية.. في رب ثلاثين بقضاء مرجعيون، وقبل أن يبدأ اللبنانيون بالإجراءات الوقائية مع تحسسهم بالخطر الداهم، كان المجلس البلدي يشكل لجنة طوارئ مهمتها التعامل مع المرض المستجد - خاصة وأن عدداً من أبناء البلدة يتواجدون في دول انتشر الكورونا في مدنها - وتأمين وسائل السلامة وأجواء الأمن الصحي للمقيمين في البلدة، انطلق العمل، وكانت أمام الامتحان الاول الملخّص باستقبال خمس عائلات رب ثلاثينية قادمة من زيارة الجمهورية الإسلامية على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الإيرانية إلى مطار بيروت الدولي ونقلهم إلى البلدة في ظروف دقيقة وحساسة خاصة وأن الوباء كان قد انتشر بشكل كبير في العديد من مدن ايران.
توجهت اللجنة مع آليات تابعة للهيئة الصحية الإسلامية ومجهزة لنقل القادمين من دول موبوءة إلى المطار ومن هناك عادت بالقادمين إلى بيوتهم حيث بوشرت اجراءات الحجر الصحي داخل منازلهم على أطراف البلدة لتبدأ رحلة التجربة الفريدة ربما في لبنان، والتي يتحدث بفخر عنها رئيس لجنة الطوارئ والمتابعة لأحوال العائدين من دول موبوءة بالكورونا في بلدية رب ثلاثين احمد بركات، فيكشف عن أدق التفاصيل في مرحلة كانت على قدر عال من المسؤولية والتضحية خاصة وأن الحدث هنا متعلق مباشرة بحياة الناس واستقرار البلدة الجنوبية.
يشير بركات لموقع "العهد" الإخباري إلى أن اجراءات حجر العائدين في منازلهم بدأت منذ لحظة وصولهم إلى البلدة، فبعد إعطائهم الإرشادات والتوجيهات المطلوبة للحفاظ على أعلى معايير السلامة العامة والشخصية وتأمين كافة مستلزماتهم، أُدخلوا إلى منازلهم مُتجاوبين ومتعاونين إلى أبعد الحدود وهم إلى اليوم لا يستقبلون زواراً ولا يزورون أحدا من الأهالي، حتى اولئك الذين كانوا معهم في رحلتهم إلى الجمهورية الإسلامية.
اللجنة التي جرى تشكيلها بعد انتشار فيروس كورونا في العديد من الدول، وفي ظل حالة القلق التي عاشها المواطنون في مختلف القرى والمدن اللبنانية، ركزّت على ضرورة حصر أي إصابة ومنعها من الانتقال إلى أشخاص آخرين، ولحظت ضرورة تأمين ديمومة الحياة للعائدين المحجور عليهم بالدرجة الأولى ما يشجعهم على البقاء في منازلهم ولا يحوجهم إلى مغادرتها، ومن هنا كانت الخطوة الأساسية للعاملين فيها وهي تأمين كافة متطلبات الحياة للمعزولين على مدار الوقت وعلى نفقة المجلس البلدي، إذ يلفت بركات إلى أنهم يؤمنون المواد الغذائية التي يحتاجها العائدون إضافة إلى وجبات الفطور والمواد الرئيسية لتحضير الغداء والعشاء من لحوم وخضار وما الى ذلك بشكل يومي إضافة إلى مواد التنظيف والتعقيم والكمامات، ناهيك عن إشرافهم على تعقيم المنازل ومحيطها.
ويلفت بركات إلى أنه وحفاظاً على سلامة أفراد اللجنة ومنعاً لاحتكاكهم مع الأشخاص المحجورين في منازلهم يقومون بالاتصال بهم عبر الهاتف قبيل التوحه إليهم لتسليمهم المستلزمات اليومية فيحددون مكاناً إلى جانب كل منزل يضعونها فيه ويغادرون فور خروج أحد أفراد هذا المنزل لتستلمها، وبهذا يكون الهدف قد تحقق فوصلت المستلزمات إلى أصحابها ولم يقترب أو يحتك المحجور عليه مع عضو اللجنة.
الإجراءات التي تتخذها اللجنة تأتي بالتوازي مع الإجراءات التي تقوم بها وزارة الصحة العامة مع أبناء رب ثلاثين العائدين من ايران ومع بقية القادمين من دول انتشر فيها كورونا، إذ أجرت لهم الفحوصات الطبية المطلوبة فور وصولهم إلى مطار بيروت وكانت نتيجتها سلبية وهي النتيجة نفسها التي ظهرت في الفحوصات التي خضعوا لها في مطار طهران قبيل مغادرتهم إلى لبنان، كما وتتواصل بشكل يرمي مع المحجورين للاطلاع على وضعهم والتأكد من حالتهم الصحية، ولكن هذا لا يعفي أحداً من مهمة العمل لمساعدة الجهات الحكومية في عملها وهو ما تؤكده تجربة هذه البلدة وبلديتها. ومن هنا يرى بركات أنه من المهم أن الوضع العام يدعو البلديات واتحاداتها للعمل الجاد على مكافحة انتشار المرض لأنهم مسؤولون أمام الناس وأمام الله، ولأنهم على معرفة واتصال بالمواطنين في القرى والبلدات أكثر من أي جهة أخرى وهو ما يجنب البلاد توسع دائرة انتشار الفيروس وعدد المصابين به.
ولا ينتهي الحديث عن تجربة رب ثلاثين في التعامل مع كورونا عند هذا الحد، إذ قمنا بزيارة إلى محيط منزل أحد المحجور عليهم والذي تحدث لموقع العهد الإخباري من على مسافة أمتار معبراً عن امتنانه وتقديره لأهالي بلدته وللجنة والبلدية الذين لم يقصروا في التعاون معهم وقدموا ما هو أكثر مما كان مطلوباً، مشيراً إلى أن الحس الإنساني والديني والاخلاقي هو ما يدفعهم كعائدين من دول ومجتمعات مصابة بالفيروس إلى حجر أنفسهم كي لا يعرّضوا حياة الآخرين للخطر حتى لو تحمّلوا هم عناء المشقات والمصاعب في الحجر حرصاً على سلامة وصحة المجتمع الذي يشكلون جزءًا منه.
بالتعاون والتكافل وروح المسؤولية إذاً، يمكن للبنان الخروج من نفق التهديد الذي ادخلنا به الكورونا ليزيد من سوداوية الوضع الذي تمر به هذه البلاد نتيجة للأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تفجّرت خلال الأشهر الأخيرة والتي تبقى طيّ قدرتنا على التحمّل أمام تهديد سلامة الناس وصحة العباد..