معركة أولي البأس

خاص العهد

 رفع السرية المصرفية..خطوة مهمّة على درب مكافحة الفساد 
06/03/2020

 رفع السرية المصرفية..خطوة مهمّة على درب مكافحة الفساد 

فاطمة سلامة

في إحدى الدردشات مع جهات قضائية تسلمت لسنوات منصباً مهماً في القضاء، وُجّه اليها سؤال: على الدوام تقولون إنّ الحمايات السياسية تُعرقل عملكم، لماذا لا تتجمّعون أنتم القضاة والمحامون وتثورون على هذا الواقع، تنقلبون عليه، وتُقدّمون خدمة جليلة لهذا المجتمع المزنّر بالفساد؟!. لم تُفكّر الجهة القضائية قبل الإجابة، سُرعان ما قالت للأسف نعيش في بلد تُكبّل فيه السياسة عمل القضاء وتكتم على أنفاسه. لم تجد الجهة القضائية حرجاً في الإشارة الى آلية التعيينات، واعتماد مبدأ المحاصصة. أشارت الى مبدأ "الستة وستة مكرّر" المعتمد في الكثير من مفاصل الدولة. ذكّرت بالقوانين الممنوعة من التطبيق كقانون الاثراء غير المشروع، تحدّثت عن اتصالات أعلى الهرم الكفيلة بطي أي ملف قضائي مهما كان ثقله. ماذا أخبركم بعد، تضيف الجهات القضائية. هل تعلمون أنّ الأمر يصل حد دفع بعض القضاة الى الاستقالة في حال لم يستجيبوا لطلبات القيادة السياسية. أشارت الجهة الى الكثير من العوائق التي تحول دون المحاسبة، على رأسها السرية المصرفية. سياسيون يُصرّحون عن أموالهم لدى دخولهم وخروجهم من الخدمة العامة في مغلفات لا يعلم عنها أحد، وتبقى لعقود في الأدراج دون المس بها. بنظرها، فإنّ الشفافية والسرية المصرفية خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً. 

بقي كلام الجهة القضائية أعلاه عالقاً في الذهن، كلما جرى الحديث عن تدخل سياسي بعمل القضاء. فما تفوّهت به يُشكّل نموذجاً يُعمّم على الكثير من قضايا وملفات الفساد العالقة. أمس الجمعة، وفور إقرار مشروع قانون رفع السرية المصرفية حضرت صورة الجهة القضائية، وما إن استطلعنا رأيها في الخطوة المذكورة، قالت بكل ثقة إنّ إقرار مشروع قانون رفع السرية المصرفية يُشكّل خطوة نوعية في حال إقراره بالبرلمان. خطوة نأمل معها أن يتمكّن القضاء من الفصل بملفات الفساد، ونأمل معها أيضاً أن تُكف أيدي السياسيين عن القضاء قليلاً". 

المحاسبة القضائية ستختلف بعد اقراره في البرلمان
 
والجدير ذكره أنّ كتلة الوفاء للمقاومة لطالما شدّدت على ضرورة رفع السرية المصرفية لتسهيل مبدأ المحاسبة، ووضعتها على رأس الأولويات لمكافحة الفساد. فالسرية المصرفية كانت عائقاً أمام المحاسبة، وهو الأمر الذي تؤكّده مصادر وزارية تعتبر في عبور هذا المشروع طريقه من الحكومة الخطوة الأولى على درب محاسبة الجميع دون استثناء. وترى المصادر أنّ أهم ما يُميّز هذا المشروع شموليته ومفعوله الرجعي، فهو يلحظ رفع السرية المصرفية عن كل من يتولى مسؤولية عامة بالانتخاب أو بالتعيين منذ عام 1991 حتى اليوم، وعن كل من يتحمّل مسؤولية تنفيذية أو رقابية، والجمعيات السياسية وغير السياسية ووسائل الاعلام المختلفة، وكل من تتعاقد معه الدولة لتنفيذ التعهدات،  ما يُمهّد الطريق -إن صفت النوايا- وفق المصادر لمحاسبة الكثير من المتورطين بملفات الفساد، بعد أن بقيت المحاسبة القضائية "محرّمة" لسنوات جراء تلك "الخيمة الزرقاء" التي حرست المتورطين. وأوضحت المصادر أنّ الحكومة الجديدة مصرة اليوم وأكثر من أي زمن مضى على مكافحة الفساد، وهي في سبيل ذلك أقرّت هذا المشروع، على أمل أن يعبر طريقه بسلام للإقرار النهائي في مجلس النواب.  

فهد: يُسهّل المحاسبة

رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي جان فهد يُعلّق في حديث لموقع "العهد" الإخباري على القرار، فيوضح أنّه يساهم بنسبة مهمة في مكافحة الفساد. فالقانون الحاضر والذي منح الاختيار لصاحب الحسابات المصرفية بالكشف عنها من عدمه شكّل عائقاً أمام المحاسبة، وبات بموجبه صاحب الحسابات هو مالك القرار. أما اليوم، ومع إقرار هذا المشروع فمن الطبيعي أن يجري تسهيل عمل القضاء والمحاسبة، اذ لم نعد بحاجة الى انتظار مالك الحسابات. 

يمين: يُعزّز الشفافية 

الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين يؤكّد أنّ قانون رفع السرية المصرفية يُشكّل أحد أعمدة المنظومة الحقوقية التي تتكوّن في إطار عملية مكافحة الفساد، الى جانب قانون حماية كاشفي الفساد، وقانون تعزيز الحق في الوصول الى المعلومات اللذين أقرا، بالإضافة الى قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المزمع إقراره، فضلاً عن تعزيز قانون الإثراء غير المشروع. ويوضح يمين أنّه "ومن خلال هذه المنظومة يصبح منسوب الشفافية أكبر وتصبح عملية المساءلة أوسع وحظوظها أكبر، لأنّه بحسب الأحكام الحاضرة فإنّ الوزراء ومن يتولون الخدمة العامة يصرّحون عن حساباتهم أو مقدار ثرواتهم لدى دخولهم الخدمة ولدى خروجهم منها، مع بقاء هذه التصريحات مقفلة في مغلفات، الا اذا تم الادعاء بدعوى إثراء غير مشروع، وهذه الدعوى دونها عقبات خصوصا فيما يخص الوزراء. 

ووفق يمين، فإنّ هذا القانون وبعد أن يعبر طريقة ويُقر في مجلس النواب تصبح عملية الكشف عن حسابات الوزراء أو متولي الخدمة العامة سواء من قبل القضاء او الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أيسر وأسهل، وهو ما سيعزز المساءلة ومكافحة الفساد. ويؤكّد يمين أنّ المفعول الرجعي للقانون سيقدّم مساحة زمنية أوسع لتطبيقه وعلى الأخص من خلال العودة الى العهود الثلاثة الماضية التي شهدت اختلاسات مالية واسعة وفساد وهدر. ويشدّد يمين على أنّ المفعول الرجعي سيوسع إمكانية المساءلة والملاحقة ويؤمن للقضاء والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نصوصاً أكبر وأدوات أفضل في المساءلة. 

ويشير الخبير الدستوري الى أنّ هذا القانون وبعد إقراره في البرلمان سيخرج جزئيا لبنان من قيد السرية المصرفية المطلقة ويضع حدودا واسعة أمامها، وهو ما سيؤدي حتماً وحكماً الى شفافية أعلى في مكافحة الفساد وتببيض الاموال والجرائم المالية والفساد بإمكانات أكبر. 

وختم يمين حديثه بالقول " يبدو أنّ موازين القوى سواء على مستوى الحكومة، المجلس النيابي ، الحراك الصادق، او القوى الاصلاحية في البلاد ستدفع نحو خطوات إصلاحية كما تلك التي شهدناها أمس الخميس".
 

السرية المصرفيةالقضاء

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة