معركة أولي البأس

خاص العهد

 استرداد الأموال المنهوبة ليس مستحيلاً.. وكنعان لـ
12/02/2020

 استرداد الأموال المنهوبة ليس مستحيلاً.. وكنعان لـ"العهد": أين أصبح التحقيق في الأموال المحوّلة الى الخارج؟

فاطمة سلامة

لو قُدّر للبنان استرجاع أمواله المنهوبة، لما شهدنا كل هذه الأزمات التي يتخبّط فيها اليوم. عبارة لطالما سمعناها مؤخراً، بعدما برز مصطلح "الأموال المنهوبة" الى التداول بقوة. وهو المصطلح الذي يكاد لا يفارق لسان أي مسؤول أو خبير لدى الحديث عن مكافحة الفساد. فاسترجاع المال العام يعد الخطوة الأولى لاسترداد ثقة الناس وهيبة الدولة. وفي هذا الصدد، يُحكى عن عشرات المليارات من الدولارات منهوبة ومصروفة بلا وجه حق. كما يُحكى عن سياسيين استغلوا مناصبهم لنهب المال العام وترتيب الصفقات بما يُناسب مصالحهم. ويُحكى أيضاً عن قضاء مُكبّل لم يستطع فعل شيء أمام الاملاءات السياسية واتصالات أعلى الهرم الكفيلة بطي أي ملف فساد. 

حكومة "مواجهة التحديات" تعهّدت في بيانها الوزاري بإجراء الإصلاحات القضائية. تماماً كما تعهّدت بإطلاق ورشة قانونية لتحديث القوانين واسترداد الأموال المنهوبة من خلال إقرار مشروع قانون يكافئ من يُساعد في الكشف عن الجرائم التي تستهدف المال العام. فماذا بعد نيل الحكومة الثقة، وهل باستطاعتها استرداد الأموال المنهوبة؟.

كنعان: لوجود إرادة سياسية جدية 

أمين سر تكتل "لبنان القوي" رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان يُشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أهمية وجود إرادة سياسية جدية لاسترداد تلك الأموال. فعندما لا يكون هناك إرادة باستطاعة أي كان التهرب والتلطي خلف التشريع. ويؤكّد كنعان أنّ القانون رقم 44 الصادر بتاريخ 24/11/2015 والمتعلّق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب والذي أقررناه منذ أكثر من أربع سنوات يشكّل الأساس لاسترداد الأموال المنهوبة، طبعاً بالاضافة الى سلّة قوانين أخرى كالاثراء غير المشروع، ما يسمح بملاحقة المتورطين. وبالتالي هذا القانون موجود ومقر واذا طبقناه اليوم يؤدي الهدف المنشود. ولكن يُشير كنعان الى نقطة مهمة جداً يجب البناء عليها والانطلاق منها لمتابعة قضية الأموال المنهوبة. علينا ـ برأي كنعان ـ على الأقل تحديد ما هي الأموال المنهوبة، بمعنى مواصفات ناهب تلك الأموال كي لا يبقى هذا المصطلح مجرّد شعار، كما هو حاصل اليوم. 

ويؤكّد كنعان أنّ لناهب المال العام مواصفات محدّدة علينا إدراجها بشكل صريح. على سبيل التبسيط كأن نقول إنّه الشخص الذي يتولى موقعا عاما ومسؤولية عامة وعمد الى مخالفة القوانين وتحويل أموال غير شرعية، أو عمد الى نهب المال العام والتهرب الضريبي. وهنا يُشدّد كنعان على أنّه وبعد تحديد المواصفات، فإنّ الكرة تصبح في ملعب هيئة التحقيق الخاصة التي أنشئت بموجب المادة السادسة من قانون 44/2015، وفي ملعب النيابات العامة. الجهتان تملكان كافة الصلاحية للبحث والتحري والتحقيق في هذا الملف. 

بالإضافة الى ما سبق، يلفت كنعان الى شق تشريعي آخر، ويوضح أنّه كرئيس لجنة المال والموازنة حُوّل اليه من اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة رزمة قوانين، كقانون استرداد الأموال المنهوبة، وقانون رفع الحصانات. ويوضح رئيس لجنة المال والموازنة لموقعنا أنّ اللجنة تعمل على هذه القوانين للانتهاء منها قبل نهاية الشهر الحالي. ويستغرب المتحدّث كيف يُعلق البعض شماعة عدم التمكن من استرداد الأموال المنهوبة على القوانين. وفق قناعاته، لدينا الكثير من القوانين التي لم تُحترم، فهناك أكثر من 45 قانونًا لم تطبق حتى الآن. للأسف، هناك ثقافة عدم احترام القوانين. يُكرّر، لدينا الكثير من القوانين، لكنّ المشكلة الأساسية تكمن في عدم توفر إرادة جدية وفعلية وحقيقية لتطبيق القوانين واحترامها، والا لماذا لم يُطبّق قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب؟. فليجيبونا عن مصير الأموال التي حُوّلت الى الخارج، ما الذي يندرج منها تحت سقف القانون وما الذي لا يندرج. علينا أن نسأل عن النتائج التي توصلوا اليها في التحقيقات خصوصا تلك التي تجريها هيئة التحقيق الخاصة بملف الأموال المحولة. وفق معلوماتي لا جديد حتى الآن والا لكانت التقارير بين أيدينا.

يُشدّد كنعان على أنّ هناك كلاماً كبيراً يُحكى في سياق الأموال المنهوبة، ولكن الأساس والمطلوب هو تحديد المتهمين بهذه الأموال وتسميتهم. يقول "منذ 10 سنوات، رفعت تقارير واضحة فيما يخص المالية العامة، وعمدت الى تسمية المتهمين، ووضعت التقارير في تصرف النيابات العامة". ويلفت كنعان الى إعادة تكوين الحسابات المالية منذ عام 1993 بناء على الرقابة التي أجريتها، وقد أحيلت هذه الحسابات الى ديوان المحاسبة أي الى القضاء، فأين أصبحت؟ يسأل كنعان الذي يُشدّد على ضرورة أن يتكامل العمل التشريعي والرقابي مع قضاء مستقل وفاعل للوصول الى نتيجة إيجابية في ملف الأموال المنهوبة. 

ويُشدّد رئيس لجنة المال والموازنة على أنّه بالتأكيد هناك أموال منهوبة في لبنان، فلبنان كله منهوب في ماليته، ولكن علينا أن نقوم بواجباتنا ومسؤولياتنا. ولا يرى كنعان حلاً لاسترداد تلك الأموال سوى بالإجابة على الأسئلة الثلاثة: من؟ كيف؟ وأين؟. ويختم كنعان حديثه بالتأكيد "وضعت تقاريري جميعها بتصرف القضاء ليتحرك، ونحن بالانتظار". 

يمين: هذه هي العدة القانونية 

الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين يوضح لدى سؤاله عن العدة القانونية لاسترداد الأموال المنهوبة، أن هناك بعض القوانين النافذة تساعد في عملية استرداد ما يسمى بالأموال المنهوبة سواء أكانت هذه القوانين تتعلق بقانون العقوبات، قانون مكافحة تبييض الأموال، قانون الاثراء غير المشروع، قانون حماية كاشفي الفساد، وقانون تعزيز الحق في الوصول الى المعلومات. ولكن من الأفضل ـ برأي يمين ـ ومن أجل تعزيز المنظومة الحقوقية الى جانب هذه النصوص القائمة، يجب أن يتم وضع سلة تشريعية متكاملة تساعد في عملية مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، وأبرز هذه القوانين التي يفترض أن تلحظها مثل هذه السلة: قانون استرداد الاموال المنهوبة، قانون رفع السرية المصرفية عن الحسابات المتعلقة بجميع من يتولى خدمة عامة: موظفين، نواب، وزراء او رؤساء. كذلك قانون الحسابات المكشوفة والشراء العمومي، قانون الشفافية، فضلاً عن المراسيم التطبيقية لقانون تعزيز الحق بالوصول الى المعلومات، ناهيك عن قانون تعزيز استقلالية السلطة القضائية. 

ويُشدّد يمين على أن لا شيء مستحيل، ففي حال وجدت النوايا، بإمكاننا استرداد الأموال المنهوبة خصوصا اذا تم رفع الحصانات عن الموظفين، وأيضاً اذا ألغي الالتباس القائم فيما يتعلق بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بما يتعلّق بالجرائم التي قد يرتكبها الوزراء خلال أدائهم الوزراي وترك الاختصاص للقضاء العدلي العادي لأن الالتباس القائم يحصّن الوزير. وهذه نقطة مهمة ـ برأي يمين ـ الذي يؤكّد أنه اذا جهّزنا كل هذه العدة التشريعية ووجدت بجانبها الإرادة السياسية وقضاة شجعان ـ ولدينا منهم الكثير في السلك القضائي ـ مع توازنات سياسية أجدها متوافرة سواء على مستوى رأس السلطة أي رئيس الجمهورية ميشال عون أو الكتل الاصلاحية الموجودة في المجلس النيابي، وكذلك على مستوى الحكومة رئيسا وأعضاء. ووفق المتحدّث، بهذه الصيغة نكون قد بدأنا العمل بالخطوات على خطين متوازيين، أول للوقاية من الفساد، لأن المسألة لا تقتصر على الاسترجاع في الماضي وانما مكافحة الفساد في الحاضر والمستقبل، وثانٍ للسعي حثيثاً لإعادة الأموال المنهوبة في الماضي. 

ويعيد يمين التأكيد على ضرورة التفكير جدياً في تعديل الدستور لإلغاء اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بما يتعلق بالجرائم العادية التي قد يرتكبها الوزراء خلال أدائهم الوزراي، لأن الالتباس القائم بهذا الخصوص يعيق مهمة مساءلة الوزراء، فالاتهام والاحالة على المجلس الأعلى لا يمكن أن تتم في الدستور الا بموجب اتهام يصدر عن البرلمان بأغلبية الثلثين من عدد أعضاء المجلس النيابي، وهذه الأغلبية كبيرة ويستحيل توافرها.

إقرأ المزيد في: خاص العهد