خاص العهد
كلفة النزوح السوري باهظة..وهذا ما يقوله الغريب
فاطمة سلامة
في الجلسة الحكومية الأخيرة التي انعقدت لمناقشة البيان الوزراي، طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مستهلها إضافة توضيحات حول بند النازحين. يُشكّل هذا الملف تحدياً مهماً بالنسبة للرئيس عون وينبغي للحكومة الجديدة التعامل معه بمسؤولية وجدية. لا ينفك الرئيس في مختلف خطاباته ولقاءاته يطالب بضرورة معالجة هذا الأمر. فالقسم الأكبر من النازحين أتى إلى لبنان نتيجة أسباب أمنية، وقد زالت هذه الأسباب. وعليه، لا يجوز تحميل لبنان ما لا طاقة به عليه. يكفي هذا البلد ما يكفيه من أزمات اقتصادية، واجتماعية وغيرها. فالنزوح السوري كلّف لبنان أكثر من ثلاثين مليار دولار حتى الآن. وهو رقم كبير جداً اذا ما جرت مقارنته بظروف لبنان المالية. بظروف بلد يبلغ الدين العام فيه حوالى 87 مليار دولار. ومن هنا، شكّلت هذه القضية أولوية في البيان الوزاري، حيث جرت مقاربتها بشكل مُحكم يمهّد لأن يسلك هذا الملف طريقه نحو الطي، وفق ما تؤكّد مصادر لموقع "العهد" الإخباري. وفيما نصّ البيان الوزراي على أنّ توكل مهام وزارة الدولة لشؤون النازحين لوزارة الشؤون الاجتماعية، أي للوزير رمزي مشرفية، جاءت الفقرة المتعلّقة بالنازحين السوريين شاملة لتجمع بين الفقرة التي وردت في الحكومة السابقة، والفقرة التي نصّت عليها الورقة الاصلاحية.
بالأرقام..الكلفة باهظة
في آذار المقبل، تُتم أزمة النزوح السوري عامها التاسع. أعوام كثيرة كلّفت لبنان تداعيات واسعة. طبعاً، لا ينكر أحد أنّ احتضان لبنان للنازحين السوريين واجب إنساني وأخلاقي بحكم الكثير من الاعتبارات. إلا أنّ الأسباب التي أوجبت إبقاء النازحين في لبنان انتفت، والمسألة تحوّلت من إنسانية الى سياسية بحتة. الوزير السابق صالح الغريب الذي تولى حقيبة شؤون النازحين في الحكومة السابقة، لم يتمكّن من طي ملف النزوح السوري كما خطّط له. عمل الوزير جاهداً لتأمين العودة للنازحين، الا أنّ جهوده اصطدمت بتصميم بعض الجهات على إبقاء هذا الملف بلا حل. أول زيارة قام بها الغريب الى سوريا، قامت عقبها الدنيا ولم تقعد، وطالت الوزير انتقادات لها أول وليس لها آخر. فبعض الجهات لا يهمها تداعيات النزوح السوري على لبنان، طالما أن ولاءهم الخارجي يطغى على الولاء للوطن. ليُكلّف النزوح السوري مالية الدولة أثماناً باهظة، لا تقل عن 25 مليار دولار، وفق ما يؤكّد الغريب لموقع "العهد" الإخباري. وفق حساباته -وهو الذي تابع هذا الملف من ألفه الى يائه- فإنّ عدد النازحين الذي لا يقل عن مليون و700 الف نازح أحدث عجزا ًسنوياً في الميزان التجاري قُدّر بـ4 مليارات دولار. تكلفة النازحين كانت باهظة، فتقرير البنك الدولي يوضح أن كلفة النزوح بلغت، منذ عام 2011 حتى عام 2015، 17 مليار دولار، ولكن للأسف لا يُحسن البعض حسبان هذه العواقب، يضيف الغريب.
غياب الإرادة السياسية عرقل مهامي
ويُرجع وزير الدولة لشؤون النازحين السابق السبب الأول لعدم طي هذا الملف الى غياب الارادة السياسية -لدى فريق واضح وأساسي في الحكومة- لإقرار ورقة النازحين. تلك الورقة العملية تقوم -بحسب ما يكشف الغريب لموقعنا - على ثلاثة محاور أساسية: أول يُعنى بالكيفية التي يجب أن نتعاطى بها مع هذا الملف في الداخل اللبناني، وثان يتّصل بسوريا، وثالث بالمجتمع الدولي. وتتضمّن الورقة -التي بطبيعة الحال هي عبارة عن عدة أوراق- العديد من النقاط المهمة لجهة الآليات اللوجستية، والشق السياسي، وأعداد النازحين وغيرها من الجزئيات. وهنا يأمل الغريب في أن تتمكّن الحكومة العتيدة بعد نيلها الثقة من حل هذه الأزمة. ويُعرب عن اعتقاده بأن الجو السياسي سيكون أفضل لاقرار ورقة النازحين التي بطبيعة الحال سيتولى متابعتها وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية، واذا ما كان يملك أي تعديلات سيضيفها تمهيداً لإقرارها. بالنسبة للغريب، جُل ما نحتاجه هو القرار السياسي، وعندما يتوفّر الغطاء الحكومي لهذه الورقة يسير ملف النزوح نحو الحل. ولدى سؤاله عن الغايات التي دفعت البعض لعرقلة الحل، يُقسّم الغريب هؤلاء وفقاً لأربعة أسباب: منهم من لديه أحقاد وحسابات شخصية مع الدولة السورية، ويرفض أي تواصل معها، ومنهم من لديه التزامات خارجية، ومنهم من لديه الاثنان معاً، ومنهم من لديه مكاسب مالية. وبالتالي أصبح البلد -وفق الغريب- بأكمله أسيراً لمصالحهم.
ويوضح الغريب أنّه في الجلسة الأخيرة لحكومتنا ولدى إقرار الورقة الاصلاحية ضغطنا كثيراً لوضع بند ينص على أن تلتزم الحكومة في إقرار ورقة بند إعادة النازحين. وهذا ما حصل، نصّت الورقة على أن تكلّف الحكومة وزير الدولة لشؤون النازحين بتقديم ورقة سياسة لعودة النازحين، وتلتزم بإقرارها خلال مدة شهر من تاريخ رفعها. وقتذاك، استقالت الحكومة. ليعاد التأكيد على هذا الأمر في البيان الوزاري الجديد، حيث نصّت الفقرة على الآتي "تلتزم الحكومة تطبيق الفقرة 13 من قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 21/10/2019 الذي نص على الطلب من وزير الدولة لشؤون النازحين رفع ورقة سياسة ملف عودة النازحين لإقرارها خلال مهلة شهر من تاريخ رفعها....".
لا حل سوى بالتواصل مع الدولة السورية
ولا يرى الغريب حلاً لأزمة النزوح السوري الا بالتواصل مع الدولة السورية. يقول "أول أمر فعلته لدى تولي الوزارة ذهبت الى سوريا". ورداً على سؤال حول موقف المجتمع الدولي من ملف النازحين، يقول الغريب "الحل يجب أن يبدأ من حكومتنا، لأنّ المجتمع الدولي لن يتبنى قضية عودة النازحين قبل الحل السياسي في سوريا، فعندما نقارب الموضوع بمنطق الدولة ويصبح لدينا سياسة موحّدة ومقرّة في مجلس الوزراء، يتعامل المجتمع الدولي معنا بمنطق مختلف عما نراه اليوم. الاختلاف بين بعضنا البعض يدفع بالمجتمع الدولي الى استغلال نقطة ضعفنا، وهو الذي يهمه بقاء النزوح السوري في لبنان".
وفي الختام، يشير الغريب الى أنّ أمام الحكومة استحقاقات مالية واقتصادية وغير شعبوية كبيرة جداً، وتحتاج الى اجراءات مالية سريعة لكسب ثقة الناس. ملف النازحين واحد من الملفات التي يجب حلها عبر إقرار الورقة في أسرع وقت ممكن حفاظاً على ما تبقى من لبنان.