معركة أولي البأس

خاص العهد

حكومة الانقاذ الوطني: الإرث ثقيل والتحديات عديدة
28/01/2020

حكومة الانقاذ الوطني: الإرث ثقيل والتحديات عديدة

فاطمة سلامة

ورثت الحكومة الجديدة عن سابقاتها منذ عام 1992 حتى اليوم إرثاً ثقيلاً من الأزمات. من يُدقّق في الواقع الصعب الذي يعيشه لبنان على مختلف الصعد، يعِ حجم التحديات التي يواجهها مجلس الوزراء المؤلّف حديثاً. مرّ على لبنان الكثير من الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة، لكنّ جهات سياسية وخبراء ومتابعين يؤكدون حراجة اللحظة الحالية ويجزمون بأن لا مثيل لها أقله في الماضي القريب. هذا الأمر يدفعهم الى القول إنّ الحكومة الجديدة أمام تحديات حقيقية، فإما أن تثبت ذاتها وتستحق بجدارة لقب "حكومة الشعب"، وإما أن تسقط ويذهب لبنان نحو الانحدار. كثر يشددون على أنها الفرصة الأخيرة. فرصة ربما جاءت متأخرة بعدما تعسّرت ولادة الحكومة غير مرة، لتأتي في الشكل على قدر تطلعات كثيرين. حكومة اختصاصيين، بمعنى وزراء مناسبين في الوزارات المناسبة. أما في المضمون، فبالتأكيد لا يمكن الحكم على حكومة بالكاد تملك من العمر أسبوعاً، ولم تنل الثقة بعد. الجميع ينتظر تلك الثقة ليبني حكمه على الحكومة بموجب عملها وهمتها. فما التحديات التي تنتظر الحكومة الجديدة؟. 

الكاتب والباحث الاقتصادي الأستاذ زياد ناصر الدين يؤكّد أننا منذ عام 1992 حتى اليوم نفتقد لرؤية اقتصادية مالية ونقدية، ما أوجد الكثير من الأزمات. ويعتبر ناصر الدين أنه ورغم بروز رؤية مالية جديدة في التعاطي مع الملفات خصوصاً لجهة اقرار موازنة عام 2020 بتوفير 900 مليار ليرة، واستعمال خطة تحتوي على تقشف كبير، الا أنّ هذا الأمر غير كاف لمواجهة التحديات الكبيرة التي يواجهها لبنان. وعليه لا بد للحكومة الجديدة من لحظ العديد من النقاط والتي يمكن اختصارها على مستويين: الاقتصادي والنقدي.

على المستوى الاقتصادي

أولاً: وضع رؤية اقتصادية    

في الوقت الذي تطبّق فيه المصارف سياسة "الكابيتال كونترول"، يعاني الناتج المحلي من تراجع كبير، خصوصاً في ظل تردي الأوضاع على المستويات كافة، بمعنى أنه لم يعد باستطاعتنا انتاج 60 مليار ليرة، كما كان مقدراً سنوياً. هذا الحال سيؤثر على تراجع الانتاج والنمو الذي قد يصبح سلبياً. تماماً كما سيؤثر على فرص العمل ويرفع نسبة البطالة. وعليه، يجب أن  تتوجه الحكومة بشكل أساسي  لوضع رؤية اقتصادية ذات بعد اجتماعي لا نقدي. خطة لا تقيم اعتبارات خاصة، بل تولد نظاما نقيضا كليا للنظام الموجود منذ التسعينيات.

ثانياً: العمل على استقلالية القضاء

العمل بهذا المبدأ مهم جداً لأنّه يحمي القطاعين العام والخاص، ويدفع بالقطاع العام الى القيام بواجباته كما يجب، وكذلك يحميه من استغلال القطاع الخاص. 

ثالثاً: حل أزمة الكهرباء

لا شك أنّ ملف الكهرباء استنزف المالية العامة للدولة، وكبّدها 38 مليار دولار على مدى 30 عاماً، بينما كان أمام الحكومات التي تعاقبت الكثير من البدائل في هذا الملف: 

-الموافقة على الحصول على مساعدات من أي دولة، وقد تلقى لبنان عروضاً جدية في هذا السياق. هذا الأمر سيوفر على الدولة بالحد الادنى 2100 مليار ليرة سنوياً.

-توفير كلفة إنشاء مشروع الكهرباء وإنجازه بشكل سريع، وهذا الأمر قابل للتحقق من خلال العروضات التي تلقيناها من منطقة الشرق، كما بإمكاننا استيراد الفيول من دولة أخرى وعقد اتفاقية معها لمدة 11 شهراً، الأمر الذي يجعلنا نحصل على مليار و800 مليون دولار.

- باستطاعة لبنان التوجه الى نظام الـBOT، اذا ما وافقت شركة صينية على الانخراط بهذا الموضوع، وهذا الخيار يريح الدولة كثيراً. 

رابعاً: إقرار قانون المناقصات العمومية

يجب أن يتم إقرار هذا القانون على وجه السرعة، بحيث يكون قانوناً شفافاً وأكثر عدالة يسمح لكل من تتوفر لديه الشروط المشاركة في المناقصات، وهذا القانون يساعد على تنشيط السوق بحيث لا يكون لصالح الفئات السياسية التي استفادت منه لمدة 30 عاماً، ما يبعدنا عن سياسة التلزيمات بالتراضي التي أثبتت فشلها، فكل تلزيم مباشر بالتراضي كان سيئاً وغير مقبول. 

خامساً: ملف الجمارك

هناك جهد كبير جداً يتعلّق بهذا الملف، فصحيح تحسنت الايرادات الجمركية من 700 مليار ليرة الى 1100 مليار ليرة، لكن حقيقة نستطيع أن نؤمّن أكثر من هذه الأرقام اذا ما أحسنّا التعامل مع هذا الملف. ففي ظل الاستيراد سنويا بقيمة 20 مليار دولار والتصدير بقيمة مليارين ونصف المليار دولار، يجب أن يدخل وفق الحسابات الى الدولة من هذا القطاع مليارا دولار سنوياً. 

سادساً: ملف الأملاك البحرية

يجب أن يعاد تخمين الأملاك البحرية بالطريقة الصحيحة. اذ أثبتت  التقديرات أن باستطاعة الحكومة ومن خلال تسوية هذا الملف جني 2.5 مليار دولار لمرة واحدة، و350 مليون دولار سنوياً، وهذا رقم مهم ومفيد جداً.

سادسا: ملف الاتصالات

هذا ليس ملفا هامشياً. انه ملف مهم جداً، وما فعلته الدولة لناحية استرداد هذا القطاع يشكل خطوة ترفع لها القبعة. كما أنّ ما نصت عليه الموازنة لجهة تحويل وارداته الى خزينة الدولة هو خطوة اصلاحية مهمة. والجدير ذكره أن مختلف دراسات خبراء الاتصالات تقول إن هذا الملف يعطي الخزينة اللبنانية مليار ونصف المليار دولار سنوياً. ما يحتّم ضرورة إصلاحه ووضع خطة للاستفادة من إيراداته بطريقة لا يتخللها الهدر والفساد. 

ويرى ناصرالدين، أن مختلف النقاط التي ذكرناها تحتّم ضرورة التغيير في شكل الموازنة، بمعنى أن لا يكون لدينا موازنة عادية، وأخرى ملحقة. الموازنة يجب أن تكون واحدة وهذا الأمر يجب أن نسارع الى إنجازه.  

على المستوى النقدي

أما في الشق النقدي، فأمام الحكومة عدة تحديات -برأي ناصرالدين- ترتبط بالمعالجة النقدية، أبرزها: 

أولا: السعي لتثبيت سعر الصرف. اذا لم يتم تحديد سعر الصرف، فنحن أمام مشكلة كبيرة، اذ إن تحديد سعر الصرف مهم جداً لعلاج الواقع المالي والاقتصادي. من خلال سعرين للصرف لا نستطيع أن نقيم معالجة مستقبلية. كما لا يجوز القيام بـ"هير كات" مقنّع. ممنوع تطبيق هذا الأمر خاصة أنه يؤذي القطاع المصرفي والمودعين ويدمّر الثقة في البلد، كما يجعلنا كبلدان العالم غير النامية مادياً، في الوقت الذي كان لدينا قدرات مصرفية مهمة لم يتم استغلالها بالطريقة الصحيحة. وفي هذا السياق، يجب تطبيق المادة 19 من قانون النقد والتسليف، والتي تنص على صلاحيات مصرف لبنان لجهة التعاطي مع الصرافين فيما يتعلق بتثبيت سعر الصرف. 

ثانياً: الغاء "الكابيتال كونترول" فهذا القرار غير قانوني 

ثالثاً: فتح الاعتمادات للاستيراد. لبنان ينتهج اقتصاداً "مدولراً"، اذ نستورد بـ20 مليار دولار سنويا، وإقفال الاعتمادات فجأة بدون انتاج داخلي يدمّر الأسواق ويرفع البطالة.

رابعاً: تخفيض الفوائد، فليس من العدالة أن يصار الى تخفيض الفوائد على الودائع وتركها مرتفعة على التسلفيات. 

خامساً: إعادة النظر بفوائد الدين، فلبنان استدان بقيمة 88 مليار دولار منذ عام 1992 حتى اليوم، ودفع فوائد بقيمة 89 مليار دولار للفترة ذاتها. ما يعني أنه تم دفع الفوائد بنسبة 100 بالمئة، ما يستوجب اعادة النظر بهذه السياسة التي أرهقت السوق اللبناني. 

سادساً: العمل على تخفيض الضرائب على الطبقات الفقيرة، والابتعاد عن وصفات صندوق النقد الدولي لأنها ذات أهداف سياسية ترتبط بملف النفط والغاز، ولاحقاً ستكون عبارة عن زيادة على الضرائب. الأخيرة أرهقت الطبقات الاجتماعية خاصة في ظل السياسات القائمة على الضرائب والاستدانة والتي لعبت دورا سلبياً على الاسواق.

سابعاً: رفع الضمان على الودائع لأكثر من 75 مليون ليرة. هناك 87 بالمئة من المودعين يمتلكون 12 بالمئة من الودائع، وقلة قليلة تمتلك 88 بالمئة. على الحكومة حماية صغار المودعين عبر رفع الضمان على الودائع لتصل الى 450 مليون ليرة.  

وفي الختام، يدعو ناصر الدين الى ضرورة التمييز بين نوعين من الأزمة: النوع الأول، أزمة اقتصادية اجتماعية ترتبط بالفساد. والثاني، أزمة اقتصادية سياسية ترتبط بملف النفط والغاز. كما يشدد على ضرورة أن لا ننسى أن اقتصادنا سياسي وبالتالي يُستعمل الدولار في جزء كبير منه بالازمة الاجتماعية المرتبطة بالفساد، وجزء آخر في الأزمة السياسية. هذا الدولار السياسي يتم استغلاله في السوق ما يؤثّر على الواقع الاجتماعي للأسف، خصوصاً بعدما تآكلت القدرة الشرائية أقله بين الـ40 والـ50 بالمئة، ما يحتّم على الناس أن تلعب دوراً مهماً لجهة مقاطعة البضائع غالية الثمن، كما يحتّم على وزارة الاقتصاد التحرك، وعلى الحكومة وضع رؤية وتوجه وحد للسياسة النقدية برمتها.
 

 

حسان دياب

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل