معركة أولي البأس

خاص العهد

الحريري والاستقالة من المسؤولية الوطنية
20/01/2020

الحريري والاستقالة من المسؤولية الوطنية

فاطمة سلامة

ماذا يريد رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري حتى يتولى مسؤولياته في هذا الظرف العصيب؟. سؤال ربما أكثر من ملحّ وأكثر من بديهي يردده كل من يلاحظ البرودة التي يتعاطى بها الحريري مع كل ما يجري في لبنان. من غير المفهوم في كل الأدبيات السياسية والانسانية والاجتماعية وغيرها تكتيفة اليدين تلك التي يطبّقها الحريري في تعاطيه مع الأحداث. طبعاً ليس المرتجى من تحرك رئيس حكومة تصريف الأعمال أن "يشيل الزير من البير" كما يقول المثل، لكن أضعف الايمان أن يُشعر المواطنين أن هناك رئيساً يلتزم بمسؤولياته حتى تلك اللحظة التي يحزم فيها أمتعته من السراي الحكومي. حتى الساعة، يتصرّف الحريري وكأنّ حكومة تصريف الأعمال ليست حكومة، بمعنى ليس المطلوب منها فعل شيء. بينما المنطق والدستور والقانون يطالب تلك الحكومة بتصريف الأعمال وتحمل المسؤوليات، فكيف اذا كانت الظروف استثنائية؟ ما حدث بالأمس عبر رفض الحريري الحضور الى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الذي كان ينوي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عقده اليوم الاثنين، خير دليل على ذلك، رغم أنها ليست المرة الاولى التي يتمنّع فيها الحريري عن الحضور. وقبلها، دُعي  للمشاركة في اجتماع بعبدا المالي فكلف مستشاره الاقتصادي نديم المنلا تمثيله، في تخلٍّ واضح عن تحمل المسؤولية. 

والجدير ذكره أنّ رئيس الحكومة هو موظّف عام يتقاضى أموالاً من الدولة لتقديم الخدمة العامة. هذا في المنطق والقانون والدستور، بغض النظر عن التطبيق السائد على الأرض. فصحيح أن الحريري ومعه الوزراء باتوا في كنف حكومة مستقيلة، لكنهم لا يزالون موظفين يتقاضون رواتبهم من الدولة، وعليه لا بد من القيام بمسؤولياتهم حيال الشعب حتى صدور مراسيم تشكيل حكومة جديدة. رئيس حكومة تصريف الأعمال يتقاضى شهرياً 11 مليونًا و825 الف ل.ل. هذا المبلغ مسحوب من أموال الشعب وتعبه، وعليه هناك مسؤولية يجب أن يتحملها الحريري، لا يجوز معها الوقوف موقف المتفرّج إزاء ما يحصل. ما تشهده الساحة اللبنانية وخصوصاً بيروت خلال الأيام الماضية يتطلّب أعلى درجات الاستنفار والحذر والسير بين النقاط، لتجنيب لبنان المزيد من المآسي والمزيد من الدماء التي تهدر على درب الفوضى. ومن هنا جاء توجه رئيس الجمهورية لعقد اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع الذي اصطدم بتمنع الحريري عن الحضور، وهو سلوك مارسه رئيس حكومة تصريف الأعمال منذ بداية الأزمة وكلما قررت بعبدا  الدعوة لالتئام المجلس الأعلى للدفاع. الحريري يمثّل نائب رئيس المجلس الأعلى للدفاع، ما أدى الى الاستعاضة عن المجلس باجتماع أمني يحضره وزيرا الدفاع الياس بو صعب، والداخلية ريا الحسن وقادة الأجهزة الأمنية. ففي أي سياق يمكن وضع رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال تلبية الدعوة للحضور؟. 

شربل..خطوة غير مبرّرة

وزير الداخلية السابق مروان شربل يؤكد في حديث لموقع "العهد الإخباري" أنّ رفض الحريري الحضور غير مبرّر. وبحسب شربل، في الأساس تأخرت خطوة الانعقاد، اذ كان من المفترض أن يلتئم المجلس الأعلى للدفاع منذ بداية الأزمة. صحيح أنّ الحكومة مستقيلة برئيسها ووزرائها، لكن ذلك لا يسقط من البال أنهم يتقاضون رواتبهم من مال الشعب. هذه الحكومة تبقى مسؤولة الى حين تأليف حكومة اخرى. برأي شربل، فإنّ التشنجات السياسية والخلاف حول حقيبة وزارية هنا وهناك هي التي أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم. المنظومة السياسية التي اتبعناها منذ 30 سنة الى الآن أوصلتنا الى ما نحن عليه من أزمات، والى دين وصل حد المئة مليار دولار. 

ويوضح شربل أنّ الاجتماع الأمني لا شك أنّه سيسد فراغ عدم انعقاد المجلس الاعلى للدفاع لأنه يضم المحتوى ذاته، وبامكان الأجهزة الأمنية اتخاذ قرارات بداخله، ولكن جميعها سيخضع لرقابة رئيس الجمهورية الذي هو بطبيعة الحال الرئيس الأعلى للبلاد. يعود ويكرّر المتحدّث أن خطوة الحريري غير مبرّرة وهو بالتأكيد يعلم ذلك. وفق قناعات شربل، فإن كل الخلافات السياسية يجب أن تهون أمام رؤية البلد موجوعاً وينهار. اليوم باستطاعتي أن أخبركم ماذا حدث أمس في بيروت، ولكن غداً قد يتعذّر علي ذلك، يختم شربل. 

خواجة: خطوة غير مبررة على الاطلاق

عضو لجنة "الدفاع الوطني والداخلية والبلديات" النيابية النائب محمد خواجة يُشدّد على أنّ رفض الحريري الحضور هو خطوة غير مبررة على الاطلاق. الدستور يقول إنه لا يزال رئيس حكومة تصريف أعمال، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي نعيشها لا بل الظروف القاهرة، والتي لم نعش مثيلاً لها منذ التأسيس حتى الآن. وفق قناعات خواجة، فإنّ ما نشهده في الشارع لجهة الأوضاع الأمنية ليس مشهدا منفصلا. انه نتيجة أزمة سياسية مستفحلة أنتجتها عوامل عدة من اقتصادية الى مالية واجتماعية. يعرب خواجة عن استغرابه لعدم عقد المجلس الأعلى  للدفاع منذ أشهر. صحيح في الثلاثة أيام الماضية طغا المشهد العنفي أكثر من أي قت مضى، لكن كان يجب أن يُعقد المجلس الاعلى للدفاع قبل أشهر. وكان لا بد أن تجتمع الحكومة مرارا خلال هذا الوقت وتتخذ قرارات على مستوى المرحلة. ليس بالضرورة لجهة  ضبط الشارع. الأخير هو مرآة لمشاكل أخرى في الاقتصاد والمال وغيرها. للأسف، لم أر الحريري دعا مرة واحدة مجلس الوزراء للانعقاد للبحث في الوضع المالي، ووضع الأزمة على سكة البحث لاجتراح الحلول. ذات الكلام ينطبق على الاقتصاد واقفال عشرات المؤسسات يومياً ما يعني انضمام مئات الموظفين الى جيش العاطلين عن العمل. 

برأي خواجة، اليوم لا يوجد فراغ في السلطة. حكومة تصريف الأعمال يجب أن تكون مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد والعباد الى أن تصدر مراسيم حكومة أخرى ويتولى وزراء آخرون الحكم. وفق قناعات المتحدّث، هناك استقالة من المسؤولية الوطنية، وليست استقالة حكومة، ولا يمكن وضع تصرف الحريري سوى في إطار التخلي عن المسؤولية بشكل كامل. فالوضع لم يعد يحتمل ترف التصرفات، خصوصاً بعدما عمّ القلق اللبنانيين على ودائعهم، وبات النقد مهدداً، ولم نجد للأسف حداً أدنى من الاهتمام من خلال تأسيس خلية أزمة من رئيس الحكومة شخصيا، والوزراء المعنيين وحاكم مصرف لبنان بالاضافة الى مجموعة استشاريين مشهود لهم للتفكير بصوت عال، واتخاذ القرارات المناسبة. لماذا ترك أمر اتخاذ القرارت لحاكم مصرف لبنان منفرداً، وهو الذي أثبت انه منحاز للمصارف عبر الكثير من التدابير؟ يكفي أن نذكر منها وضع قيود على التحويلات من الخارج. ما الحكمة من قطع الطريق على هذا الاوكسيجين المتأتي من الخارج، وفي الوقت نفسه اذلال الناس على ابواب المصارف؟ هذا ان دل على شيء -برأي خواجة- فإنه يدل على أن مصرف لبنان عمل طيلة السنوات الماضية لصالح أصحاب المصارف والرساميل الكبيرة. يُعرّج خواجة على الأمور المالية والنقدية ايماناً منه بأنّ الأوضاع الأمنية لا تخرج عن سياق الأوضاع المالية والاقتصادية والنقدية والاجتماعية. الكل حلقة مترابطة على الجميع تحمل المسؤولية حيالها.

إقرأ المزيد في: خاص العهد