معركة أولي البأس

خاص العهد

ميزانية ٢٠١٩ مغيّبة في انتظار
11/01/2019

ميزانية ٢٠١٩ مغيّبة في انتظار "القرارات غير الشعبية"

تتعاقب الأحاديث حول ضرورة وقف الهدر الحاصل في القطاع العام وتتعالى أصوات المسؤولين بضرورة اتخاذ قرارات غير شعبية والهدف خفض العجز المؤكد في ميزانية الدولة.. إلا أن الميزانية لم تجهز بعد.

توضع ميزانية الدولة عادة قبل الدخول بالعام التي ستنفذ به وذلك لتنظيم الإنفاق في هذا العام. وبالتالي إن تحقيق الإتزان ما بين ايرادات الدولة والإنفاق وسبل تمويل العجز تتبناها الدولة قبل بدء السنة. بعد إنجازها يقرّ مجلس النواب الموازنة لتكون هذه أحد أهم مهامه الدورية. بعد غياب اثنا عشر عاما، نجحت الحكومة العام الماضي بإنجاز الموازنة ولكن عاد لبنان الى ما كان عليه، فغابت الموازنة هذا العام.

الحديث عن مؤتمر سيدر وضغوطات الجهات المانحة والدائنة حفزّت تجهيز الموازنة في العام الماضي. ولكن هذا العام، وفي ظل غياب الحكومة يتجه لبنان للإنفاق بحسب القاعدة الاثني عشرية رغم أن الإستحقاقات لم تتغير فأموال مؤتمر سيدر لم تدخل حيّز التنفيذ بعد.

وبالعودة إلى القانون، عرفت المادة 3 مــن قانون المحاسبة العمومية اللبناني الموازنة العامة  للدولة بأنها "صك تشريعي تُقدر فيه نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة وتُجاز بموجبه الجباية والإنفاق". وبالتالي إن الدولة بكيانيها الأساسيين، مجلس النواب ومجلس الوزراء، تأخذ شرعية الإنفاق والجباية من منطلق إقرار الموازنة قبل بدء العام. ولفهم قدرة تأثير إقرار الموازنة على الهدر، استطاعت موازنة 2018 تخفيض العجز بقيمة 145 مليون دولار.

شكل إقرار الموازنة في نيسان 2018 نظرة تفاؤلية للمستقبل المالي للبنان. فتأطير الإنفاق والإيراد بالأرقام يسهّل فهم النموذج الإقتصادي اللبناني ويجعل خيارات تمويل العجز مبنية على دراسة هذه الأرقام. فطرق تمويل العجز لها تأثير مباشر على المؤشرات الإقتصادية في البلد. فالسياسة التي تنتهج في تمويل العجز تؤثر على التضخم والميزان الجاري والفوائد.

وبالتعمّق بميزانية العام الماضي، يلحظ أن النفقات والتي بلغت قيمتها 23891 مليار ليرة تتوزع كالتالي، 42% منها للرواتب والأجور والمنافع وملحقاتها، 35% خدمة للدين العام، 9% نفقات استثمارية ، و14% نفقات جارية أخرى. أما أبرز النفقات فهي الدفاع 2694.4 ملير ليرة، التنظيم والأمن والعدل 1539.3 مليار ليرة، الطاقة 2188 مليار ليرة ، النقل 482.4 مليار ليرة، الصحة 720.6 مليار ليرة، 2067 مليار ليرة للتعليم.

ولابد من الإشارة الى أن سلفة خزينة طويلة الأجل لصالح مؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 2100 مليار ليرة لبنانية لم ترصد في الموازنة.

هذا الطرح لنفقات 2018 يشير إلى ضرورة طرح حلول لأزمة الكهرباء وخدمة الدين العام. فخدمة الدين العام تشكل المعرقل الأساسي لقيام لبنان من حفرة العجز الدائم. كما أن قطاع الكهرباء الذي من المفترض أن يكون قطاع إنتاجي بات مسببا دائما للعجز وحاجزا أمام المشاريع الاستثمارية. كما وأن نفقات النقل تظهر عمليا على أنها غير كافية، فالإستثمار في النقل يعني تسهيل الحركة الاإقتصادية وبالتالي نمو في الناتج المحلي.

يتجه المسؤولون رغم تنصلهم من تشكيل حكومة وإقرار الموازنة إلى تهيئة الأرضية لقرارات غير شعبية فهمها البعض على أنها ترتبط برفع الدعم عن الوقود فيما فهمها آخرون على أنها تتجسد بزيادة الضرائب الغير المباشرة. ولكن، وإن كان تحميل مسؤولية هذا العجز في الميزانية من الكثيرين لإقرار سلسلة الرتب والرواتب فالواقع مغاير.

إن غياب الموازنة وبالتالي غياب الأرقام التي تعنى بالمؤشرات وعلى طليعتها التضخم أدى إلى إهمال التآكل لأجور الموظفين وبالتالي غاب التصحيح السنوي لهذه الأجور. إن إقرار التصحيح بعد غياب طويل سيشكل صدمة للموازنة كما للإنفاق الفردي وبالتالي السوق. وبذلك، إن أهم ما يجب فهمه من هذه التجربة هو ضرورة تصحيح الأجور بالموازاة مع التضخم كل عام. وليحصل ذلك لا بد من إقرار موازنة.

أما الإيرادات فهي تنقسم إلى شقين: الضريبية والغير ضريبية. وتشكل الإيرادات من الضريبة على القيمة المضافة 21% من إجمالي الإيرادات المتوقع لعام 2018. وهو نسبة مرتفعة، تقلص الحركة التجارية وتزيد الهوة ما بين الطبقات الإجتماعية. وتقتصر الضريبة على الأرباح على 8% من اجمال الأيرادات. ولكن المفاجئ أن إيرادات الرسوم على العقارات والجمارك وايرادات الاتصالات لا تشكل سوى 17% من اجمالي الايرادات.

إن تصحيح ايرادات الدولة لابد منه كما ذلك الذي في الإنفاق، الضرائب الغير المباشرة تقلص الحركة التجارية كما تحدّ الارتفاع في كلفة الوقود الانتاج. وبالتالي الإتجاه نحو القرارات الغير شعبية أيا كانت ليست لمصلحة الاقتصاد.

غابت حتى الآن المحاسبة عن غياب الموازنة والهدر والفساد الذي رافق هذه الحقبة مما أدى إلى سهولة العودة إلى هذا النهج. عادة ما تسقط الحكومة عند فشلها في إقرار موازنة ولكن ماذا يكون الحلّ في دولة تغيب عنها حكومة والموازنة وحتى المحاسبة؟

 

إقرأ المزيد في: خاص العهد