خاص العهد
معادلة بوتين في الحكم .. تعزيز الإنجازات ورسم خارطة توازن جديدة
أحمد حاج علي - موسكو
بدا التغيير الوزاري في روسيا وإعلان رئيس الوزراء دميتري ميدفيديف استقالة الحكومة مجتمعة مفاجئاً للوهلة الأولى، إلاّ أنّ إسراع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتكليف ميخايل مشوتسين لرئاسة حكومة جديدة والتعديلات الدستورية التي قدّمها خلال خطابه أمام المجمع الفيدرالي الذي يضم كافة أركان الدولة، أشار إلى خطة مدروسة بدقة لترتيب هيكلية الإدارة والسياسة الداخلية والخارجية في المرحلة المقبلة لا سيما وأنّ المتبقي لبوتين من ولايته الحالية هو ثلاث سنوات لا يمكنه بحسب الدستور الترشّح بعدها لولاية مقبلة مباشرةً.
وبخصوص الرئيس المكلف ميخايل ميشوستين، فهو كان يحتل منصب مدير مصلحة الضرائب وهو شخصية إدارية تكنوقراط مقرب جداً من نائب رئيس الوزراء السابق وممثل البنك الدولي الحالي اليكسي كودرين، ويتولّى حالياً منصب رئيس ديوان المحاسبة.
يعتبر ميشوستين من الصف الليبيرالي في فريق بوتين الإداري، وصديق بوتين القديم منذ أيام عمله في بيتربورغ ومن بين الأشخاص الذين يخاطبون الرئيس بصيغة "أنت وليس أنتم". ويشار في هذا الصدد الى أن خيار ميشوستين هو خيار مرحلي بحسب المراقبين، فهو لا يملك مشروعاً سياسياً ولا يشكل خطراً على سباق المنافسة المقبلة على الرئاسة وبقاؤه رئيسًا للحكومة من المتوقع أن يدوم لفترة ترتيب الهندسة الإدارية الجديدة، وقد تستمر هذه الفترة لسنتين، علماً أن هذه التجربة قد ماثلتها تجارب مشابهة فقد تولّى -على سبيل مثال- زوبكوف وفرادكوف مهام رئاسة الحكومة لفترة قصيرة، ثم تم استبدالهما بعد تحقيق التوازن المطلوب.
وعليه، فإن ميشوستين سيقوم بدوره خلال هذه المرحلة التي ستشهد التغييرات التي نصّ عليها بوتين ليُعاد ترتيب الأوراق والملفات الحكومية من جديد.
من ناحيةٍ ثانية، استحدث بوتين منصبًا جديدًا لميدفيديف كنائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي وليس نائب سكرتير مجلس الأمن القومي لشؤون الدفاع والأمن، فسكرتير مجلس الأمن القومي الروسي هو نيكولاي باتروشيف الذي يُعتبر في الصف الأمني في إدارة بوتين، أما رئيس مجلس الأمن القومي فهو بوتين نفسه وبات ميدفيديف نائباً له في هذا المجلس، فيما يعتبر البعض أن هذا المنصب يعطيه رتبة أعلى من باتروشيف، لكن بشكل أو بآخر أزاح بوتين ميدفيديف عن الإدارة المباشرة لأمور الدولة وأبقاه في مكان يمكن تفعيله وبقوة حين تستدعي الحاجة.
من المعروف أيضاً أن ميدفيديف كذلك يعتبر في الصفّ الليبيرالي في فريق بوتين، ومن المعروف وجود منافسة بين الجناح الليبيرالي في السياسة الروسية والجناح الأمني على تولي إدارة المرحلة القادمة، وهذا يندرج في إطار التوازن بين موازين القوى في التركيبة السياسية التي سيبقى بوتين فيها الرجل الأقوى.
ومن مؤشرات تعزيز السيادة الوطنية القومية الروسية ما ورد في خطاب بوتين حول تغيير دستوري يتم بموجبه تغليب الدستور والقانون الروسي على القوانين الدولية.
بناء على ما تقدّم، يتوضّح أن بوتين ينوي فتح مجالات أوسع من التعاون مع البنك الدولي ومؤسسات النقد الدولية والاقتصاد العالمي في ظلّ عقوبات تفرضها الولايات المتحدة على روسيا بما معناه أنه يعمل على مزيد من الانفتاح وسياسة استيعاب العقوبات، ومن ناحية ثانية يجعل القانون الروسي فوق اعتبارات القوانين الدولية ليحمي السيادة الروسية من مخاطر هذا الانفتاح.
لم ينتظر بوتين قرب نهاية ولايته ليقوم بإجراءات نقل السلطة بل بدأ قبل ثلاث سنوات بخطوات عملية هدفها تعزيز الإنجازات التي تمت خلال مرحلة حكمه السابقة، راسماً خارطة توازن جديدة محكمة بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ومن المُتوقع في المستقبل القريب ومنذ اليوم فصاعداً أن يكون لهذه الخطوات تأثيرها الإيجابي المباشر على روسيا وبما يصبّ في مصلحة إمساك بوتين بزمام الأمور عند أي متغيّر مستقبلي في الانتخابات الرئاسية، وأبرز هذه الخطوات _كما أسلفنا_ تعزيز صلاحيات الدوما وضمان تركيبة حكومية تنفّذ عملاً تقنياً تأسيسياً، والتغييرات في مجلس الأمن القومي، والاقتراحات الدستورية المتعلقة بتعديل الدستور التي ستحدث تغيرات كبيرة في موازين القوى الروسية - كما وصف ميدفيديف المستقيل-، وتسمح بحسب مراقبين مطلعين لتفاعل أكبر بين مكونات الدولة.