خاص العهد
تكتّل إسلامي حرّ يُهدّد السعودية
ياسمين مصطفى
كثُر الحديث مؤخرًا عن أفول نجم السعودية كمتزعمة للدول الإسلامية في المنطقة-كما قدمت نفسها لعقود-بفعل السياسات الداخلية والخارجية التي انتهجتها، بدءا من الفشل في محاولات إسقاط الحكومة السورية على مدى تسعة أعوام، مرورًا بالتخبّط الواضح في مستنقع العدوان على اليمن مقابل تنامي قوة "أنصار الله" الصاروخية، وصولًا الى مساعيها الحثيثة للتطبيع العلني مع الصهاينة. فهل تجني الرياض الحصاد المرّ لأفعالها، ويُسحب من تحتها بساط الهيمنة على دول العالم الإسلامي؟ وهل نشهد نهوض تكتل إسلامي ينبذ التطرف والإرهاب الذي ترعاه مملكة آل سعود؟
السعودية تفقد القدرة على التأثير في العالم الإسلامي
المتخصّص بالشأن الخليجي علي مراد يغوص في تِبيان دلالات التحركات السعودية والإماراتية تجاه باكستان إثر الزيارات المتكررة الى إسلام أباد عقب انعقاد قمة كوالالمبور ومقاطتعها من قبل الرياض وممارسة ضغوط لإفشالها ومنع رئيس وزراء باكستان من حضورها، فيقول في مقابلة مع "موقع العهد الإخباري" إن هذه التحركات توضع في سياق محاولة مواجهة أيّ تكتل محتمل لدول إسلامية يضم إندونيسيا، تركيا، باكستان، إيران، وقطر، وذلك على خلفية ما رأيناه في قمة كوالالمبور من بداية تشكل تجمّع دول إسلامية تحلّ بديلًا عن منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تهيمن عليها الرياض منذ تأسيسها.
هكذا تجمُّع-بحسب ما يرى مراد- يُهدّد بسحب البساط من تحت أقدام السعودية، ويُؤشر إلى فقدانها القدرة على التأثير في العالم الإسلامي، بسبب مشروع التغيير العميق الذي اعتمده ابن سلمان من تعويم مفهوم الليبرالية والتغيير الاجتماعي وتخفيض صلاحيات السلطة الدينية الوهابية، التي كانت تدير ملفات السياسة على امتداد العالم الاسلامي من إندونيسيا وحتى باكستان وماليزيا، إضافة إلى الموقف السعودي الرسمي من القضية الفلسطينية، الذي ساهم بإضعاف قدرة الرياض على استقطاب القوى الكبرى في العالم الإسلامي، مثل إندونيسيا أكبر دولة إسلامية من حيث تعداد السكان، وماليزيا؛ القوة الاقتصادية التي تعد من نمور آسيا، وصولاً إلى باكستان التي لديها اليوم فرص لتحقيق التنمية بفعل انفتاحها على الصين عبر مشروع "الحزام والطريق"، ما يهدد قدرة الرياض على اللعب والتأثير كبيدق أميركي في العالم الإسلامي، يحرك تيارات معينة وفق المصالح الأميركية في المنطقة.
زيارة وزير الخارجية السعودي وولي عهد أبو ظبي إلى إسلام آباد-بحسب مراد- هي محاولة لإرضاء الباكستانيين حتى لا تكون إسلام آباد عضوا فاعلا في التحرك الذي انطلقت بوادره في كوالالمبور، لأن باكستان هي القوة الاسلامية النووية الوحيدة، ومن الطبيعي أن تحاول الرياض تقويض أي بناء على قمة كوالالمبور، تماما كما عمدت كل من أبو ظبي والرياض للتشويش على المحادثات الأميركية مع حركة "طالبان" لأنها كانت عن طريق الوساطة القطرية، إذ أرادتا ان يكون الفضل لهما في أيّ اتفاق بين واشنطن و"طالبان".
رغم الضغوطات.. نفور باكستاني من النظام الوهابي السعودي
في باكستان، ثمّة مزاج شعبي يميل للابتعاد عن الهيمنة السعودية ووقف سياسة الانضواء تحت العباءة السعودية في السياسية الخارجية، هذا ما تؤكده جهة سياسية حزبية باكستانية في حديث في ربيع عام 2019 للباحث مراد، الذي يوضح وجهة نظر الباكستانيين، ويقول "يعتقدون في باكستان أن التبعية للأيديولوجيا الوهابية السعودية ضيّع فرصا للتنمية في الداخل الباكستاني، وكان أثرها مدمرا على مستوى تطور البلاد، كما يعتقدون بأن المدارس الوهابية المنتشرة ساهمت في تنامي تيار العنف والتطرف والتخلف، وعلى الرغم من اعترافهم بالحوصل على بضعة ملايين دولار من الرياض، يقرون في الوقت نفسه بأنهم خسروا فرصا لتحريك عجلة الاقتصاد الباكستاني بقيمة مئة مليار دولار، الصفقة التي رعتها واشنطن واستخباراتها لتعزيز مفهوم الجهاد الأفغاني عبر المخابرات الباكستانية كانت بنظرهم خاسرة".
أما اليوم، يضيف مراد، "فنظرة القيادات الباكستانية مغايرة، تؤيد تعزيز التيارات المعتدلة وتعزيز العلاقة الجيدة مع باقي المسلمين في المنطقة في محاولة للتمايز عن السياسة السعودية الرسمية الوهابية عبر نموذج باكستاني خاص".
وفي هذا السياق يشير مراد إلى تراجع نفوذ كيانات وهابية في باكستان بشكل كبير، فضلاً عن نبذ من يمثلها سياسيًا مثل المرشح لرئاسة الحكومة نواز شريف، تقول أطراف باكستانية مختلفة للباحث في حديث خاص إنه "لم نحصل من السعودية سوى على كلّ شرّ"!
نجاح عمران خان في الانتخابات وهزيمته مرشح السعودية نواز شريف، دفعه إلى استيعاب ردة الفعل السعودية، التي طالما وصفته بـ"ممثل قم في باكستان" نسبة لعلاقاته الطيّبة مع طهران، لذلك قام بإعادة إحياء العلاقات مع الرياض، لكنه هذه المرة من منطق النديّة، وليس التبعية، ولو عمد إلى "مسايرة" السعودية خوفًا من تحريضها التيارات المتطرفة في باكستان على الإخلال بالأمن، فخان يحاول بشكل واضح الخروج تدريجيا من الجلباب السعودي، بحسب مراد.
وفي قمة كوالالمبور، يقول مراد؛ اتخذ عمران خان قرارًا بالاستجابة للضغوط السعودية بعدم المشاركة شخصيا، لكنه أرسل نيابة عنه وزير الخارجية محمود قريشي، وذلك يعني أنه اتخذ قرارا كبيرا بأن يكون جزءًا فاعلًا في التجمع في المرحلة القادمة، وخاصة أنه كان من رواد مشجعي عقد القمة من سنة ونصف السنة، لجهة تشكيل تجمع لدول إسلامية لإعطاء رأي في الكثير من قضايا العالم الإسلامي مقابل الهجمة التي يتعرض لها المسلمون حول العالم.
قمة كوالالمبور ستؤسّس لعزل السعودية
بدوره، يعتبر عضو الهيئة القيادية في حركة "خلاص" في الجزيرة العربية الدكتور حمزة الحسن أن باكستان بدأت اليوم تنتهج سياسية هي أقرب إلى الحياد بين إيران والسعودية، ما يهدد على المدى البعيد بانتقال إسلام آباد إلى الضفة المقابلة للرياض وتشكيل تهديد لتأثيرها على العالم الإسلامي، خاصة في حال نجحت الدول الإسلامية بتأسيس كيان له جذور سياسية واقتصادية.
وفق الحسن، إسلام أباد تُعجِب السعودية لأن ليس لديها طموح سياسي، على عكس تركيا-القوة الإسلامية المتعاظمة والتي تمتلك إرثا سياسيا وطموحات بإحياء الدولة العثمانية من جديد، ولديها نظرة توسع ونفوذ على عكس باكستان، وإندونيسيا وماليزيا.
الحسن يتابع أن "المسلمين في الدول الإسلامية الكبرى وجدوا أن الرياض لا تفتقر إلى القدرة على قيادة العالم الاسلامي وحسب وإنما هي معوّق لأي تعاون إسلامي. ولأن لدى تركيا وإيران وباكستان وماليزيا وإندونيسيا حس وطني عالٍ، وطموح للخروج من المأزق، ونمو اقتصادي وصناعي وتكنولوجي فإننا نستطيع القول إن هناك ما يُبنى عليه لتشكيل تكتل إسلامي، خاصة أن كثيرًا من الدول الكبرى مثل الصين يريدون تكتلا إسلاميا يسهل التعامل معه في مشاريع مشتركة، ولما كان المانع لهكذا تكتل هو السعودية، فقد تم اليوم تجاوزها، لذلك نرى الرياض توجهت لباكستان التي تعد الحلقة الأضعف، ومارست عليها الضغط حتى خفّضت تمثيلها في كوالالمبور".
يؤكد الحسن أن الرياض غير قادرة على قيادة العالم الاسلامي لا في التنمية لأن لا تنمية حقيقية فيها، ولا في الحكم الرشيد باعتبارها نظاما ملكيا قمعيا، ولا تستطيع أن تقود الدول الإسلامية ضد التطبيع لأنها مخترقة، وقمة كوالالمبور ستؤسّس لعزل السعودية ليس فقط دينيا وإنما سياسيا واقتصاديا.
ويقول الحسن: "كما تُسيّر السعودية مصر، تستخدم باكستان، تهددها الرياض عبر التهديد بالمال أو بطرد عمالها البالغ عددهم مليونا ونصف المليون في الخليج، وهي بذلك تقوم برد فعل لأنها وجدت اليوم نفسها مهمّشة سياسيا على الصعيد الخليجي والعربي والإسلامي، ولذلك نراها اتجهت للضغط على إسلام آباد".
الحسن يؤكد أن "ما رأيناه في كوالالمبور يمثل بداية إرهاصات اليقظة الإسلامية، التي تتجسد للمرة الأولى بهذه الروح وحتى لو لم ينجح المؤتمر بشكل كامل، إلّا أن التأسيس عليه ممكن فالحسّ الإسلامي يتنامى في كل الأنظمة الإسلامية المعتدلة في المنطقة، والضرورة لتفعيل قواها مجتمعة خدمة للمصالح الإسلامية العامة باتت محل إجماع، ويستطيع المرء أن يراهن على الحد المتوفر لدى جميع الدول من الوعي الإسلامي لتحقيق تكتل قوي".