خاص العهد
بين جرأة القاضية عون وتجرؤ حبيش..ما خلفيات قضية "النافعة"؟
فاطمة سلامة
كثيراً ما نسمع عن الفساد المتجذّر في مصلحة تسجيل السيّارات والآليات في الدكوانة أو ما يُعرف بـ"النافعة". الفساد في تلك المصلحة على مد العين والنظر. "الدفع شغّال" من جيب المواطن كيفما اتجه. الاستغلال واضح و"السمسرة" فاضحة، إلا أنّ أحداً لم يكن يجرؤ وعلى مدى سنوات على الاعتراف بهذا الواقع. مراراً وتكراراً حاولت مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون استجواب مديرة النافعة هدى سلوم، إلا أنّها منعت من القيام بعملها، وفق ما قالت عون في تصريح سابق لموقع "العهد" الإخباري، حيث جرى اتهامها باستهداف طائفة معينة. أمس الأربعاء أقدمت عون على تلك الخطوة متسلّحة بوجود أدلة كافية وجدية وفق ما تقول مصادرها لموقعنا. وهي الخطوة التي كشفت عن وجه "شبيحة" بجلباب سياسيين. الصورة التي شاهدنا فيها نائب "المستقبل" هادي حبيش وهو يتهجّم على قاضية تحكم بالعدل أقرب الى "السيريالية". كيف استطاع نائب منتخب أن يخلع عباءته البرلمانية ويفقد أعصابه ويطلق العنان للسانه للتلفظ بعبارات مما هب ودب؟. الاجابة على هذا السؤال ـ برأي مصادرـ تقودنا الى استناجات بأنّ المسألة لا تتعلّق بالحجج التي ساقها حبيش لجهة عدم قانونية خطوة عون. المسألة أبعد من ذلك، فمن يراقب الانفعال غير المبرّر لحبيش يدرك أنّ المذكور وبدفاعه المستميت عن سلوم وسعيه للفلفة الملف يخشى من أن يأتيه الدور ويطاله "موس" القضاء لارتكابات هو أعرف العارفين بها. فما خلفيات قضية النافعة؟
نقيب المحامين: لتحصين القضاء
تصرف حبيش غير المألوف لاقى موجة استنكار من الجسم القضائي. نقيب المحامين ملحم خلف يُعلّق في حديث لموقع "العهد" على "فعلة" حبيش بالإشارة الى أنّ السلطة القضائية يجب أن تنال كل الاحترام وأن تكون بمنأى عن أي ضغط سياسي أو تطاول. علينا تحصينها وتثبيتها فهي الحجر الأساسي لهذا الوطن. ويؤكّد خلف أنّ مجلس نقابة المحامين سيجتمع يوم الجمعة وسيتناول ما جرى مع القاضية عون وهو على تنسيق تام مع مجلس القضاء الأعلى.
عقل: تصرف حبيش لا يمكن أن يصدر عن محامٍ
مقدّم الاخبار المحامي وديع عقل يتحدّث لموقع العهد الإخباري عن خلفيات القضية، فيوضح أنّ هذا الملف بدأ منذ ثلاث سنوات في التفتيش المركزي بناء على شكاوى كثيرة وصلتنا من مواطنين . حينها باشر التفتيش المركزي بالتحقيقات، إلا أنه وللأسف لم يصل الى نتيجة بسبب عدم معرفته جدياً كيفية التعامل مع الملف. إثر ذلك -يقول عقل- وبعدما يئسنا من عدم الحصول على نتيجة جدية، نقلنا الملف قضائياً بتاريخ 18 اذار/ مارس 2019 وتقدمت باخبار مع معلومات موثقة ومحددة تحتوي على ملفات تزوير ورشاوى، ومن هناك باشر جهاز "أمن الدولة" بالتحقيقات اللازمة وأوقف جوزيف حنوش أكبر السماسرة في العديد من المناطق وخصوصاً الدكوانة بالاضافة الى توقيف آخرين ثبت تورطهم في هذا الملف.
إثر تلك الخطوة، يوضح عقل، اقتضت التحقيقات علينا احضار موظفين آخرين. وزارة الداخلية في حينها لم تعطنا الأذونات للملاحقة بشكل طبيعي وبرز نوع من المحاولات لأخذ الملف الى مكان آخر. وهنا يشدد عقل ـ وهو المعروف بتخصصه بملفات مكافحة الفساد ـ على أنه لم يقبل بتسييس الملف أو "مذهبته"، بل بذل كل ما بوسعه لاستمرار التحقيقات وعدم تمييعها.
وفي معرض شرحه لخلفيات القضية، يوضح عقل أنه وفي وقت لاحق جرت شراكة في التحقيقات بين أمن الدولة وفرع المعلومات. الأخير أخذ جزءاً من التحقيقات والأول بقي يحقق بشكل موسع، حتى توصلنا الشهر الماضي الى معلومات واسعة في هذا الملف، ما مهّد الطريق أمام خطوة القاضية عون التي حدثت أمس الأربعاء، والتي أوقفت بموجبها 11 آخرين بالاضافة الى سلوم. ويوضح أنّ قضية النافعة واسعة جداً اذ لدينا 29 ملفا، فمن أصل مليون و800 الف سيارة، هناك مليون سيارة تدفع الرسومات، ما جعل المواطنين عرضة لشتى أنواع الابتزاز والرشاوى وغيرها.
وفيما تكال الاتهامات بحق القاضية عون لجهة عدم حصولها على اذن مسبق، يستغرب عقل هذا الجهل و يوضح للمرة الألف أنّ القاضية عون استندت الى قانون الاثراء غير المشروع الذي لا يحتاج أبداً الى اذن مسبق، والذي يحال بموجبه الملف مباشرة الى قاضي التحقيق في بيروت، كما أن هذا القانون يجيز المنع من السفر وحجز الاموال من تاريخ اكتشاف الجرم الذي لا يسقط بمرور الزمن. ويؤكّد عقل أن هناك لغطا كبيرا وتقصيرا لجهة الاحاطة بمواد قانون الاثراء غير المشروع. للاسف البعض لا يقرأ رغم أنه عبارة عن أربع صفحات.
يتوقّف عقل عند تصرف حبيش الذي لا يمكن أن يصدر عن محامٍ. برأيه، لم يتصوّر أحد أن تقدم قاضية على توقيف موظفة. نحن في لبنان لم نتعوّد على هذا الأمر. جرت العادة أن تحصل الادعاءات فقط ولا تتم التوقيفات. هذا الأمر فاجأ برأي عقل الجميع وقد عمل البعض كما كل مرة على تسييس الملف الا أنه لم يفلح. يصف عقل القاضية عون بالجريئة التي طبّقت قانون الاثراء غير المشروع، في خطوة تحصل للمرة الأولى.
وفيما يستغرب عقل ما قام به حبيش لجهة تحقير القضاء، يؤكّد أنه ونتيجة الادعاءات التي قدمت بحقه من المفترض وخلال 24 ساعة أن يصبح موقوفاً بعد أن سقطت حصانته. ويشدّد عقل على أنّ كل تلك الممارسات التي قام بها حبيش لن تثنينا عن مكافحة الفساد والقيام بعملنا كما يجب وستشهد الأيام المقبلة مزيدا من الادعاءات والتوقيفات.
يمين: قانونية مئة في المئة
ما يقوله عقل لجهة قانونية خطوة عون، يؤكّده الخبير الدستوري عادل يمين الذي يشير لموقعنا الى أنّ ما قامت به مدعي عام جبل لبنان قانوني مئة في المئة طالما أن الادعاء استند الى أحكام قانون الاثراء غير المشروع الذي نص على تجاوز الاذونات حين تتم الملاحقة على أساسه. بالنسبة ليمين لا يعود هناك من حاجة لبحث ما اذا امتلك المدعي اذناً من وزير الداخلية للملاحقة أو الاستماع او حتى الادعاء ، فالاذونات المنصوص عليها في القانون ـ وليس في الدستورـ تسقط أمام الملاحقات التي تستند الى قانون الاثراء غير المشروع، ولا حاجة وفق هذا القانون لرفع الحصانات.
الفسادمكافحة الفسادغادة عونالقضاءالاثراء غير المشروعهادي حبيش