خاص العهد
وزير الزراعة لـ"العهد": السوق السوري هو المتنفّس الوحيد للاقتصاد اللبناني
فاطمة سلامة
يحاول بعض المتمسّكين بنظرية العداء مع سوريا الغاء أو ربما تجاهل تاريخ كامل من العلاقة بين بيروت ودمشق. من يقرأ التاريخ البعيد والقريب جيداً يُدرك أنّ مصلحة لبنان، وعلى مدى عقود، كانت في الوحدة الاقتصادية مع سوريا البلد الشقيق. في المقابل، يحاول بعض المؤمنين بنظرية الشراكة مع سوريا اقناع هذا الآخر، أنّ فتح قنوات التواصل يصب في مصلحة لبنان أولاً. التجربة التاريخية تؤكّد ذلك، والشواهد كثيرة على استفادة بلدنا من إقامة علاقات اقتصادية واسعة مع دمشق، منذ ما قبل الانتداب الفرنسي حتى سنوات قريبة خلت. لكن وللأسف فإنّ سياسة نصب المتاريس والاستعلاء أفسدت الكثير من تلك العلاقة التي نصّت عليها "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق" الموقّعة بتاريخ 22/5/1991، وذلك انسجاماً مع ما نصّ عليه اتفاق الطائف لجهة وجوب إقامة "علاقات مميزة" بين البلدين.
اليوم، يعيش لبنان ظروفاً اقتصادية استثنائية، طالت "لقمة العيش" ووصلت حد الأمن الغذائي الذي بات مهدداً جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق، وسط عجز لبنان عن استيراد البضائع نتيجة أزمة الدولار. هذه الأزمة تُحتّم على المعنيين في لبنان اليوم قبل الغد فتح قنوات التواصل مع سوريا. سياسة العداء لسوريا انقلبت عداء على لبنان الذي لا خلاص أمامه سوى الوجهة السورية، وفق ما يقول لموقع "العهد" الاخباري وزير الزراعة في حكومة تصريف الاعمال حسن اللقيس. برأيه، فإن المتنفّس الوحيد للاقتصاد اللبناني وبشكل مباشر في هذه الفترة الظالمة والصعبة هو السوق السوري. ما حصل بموضوع الموز خير دليل على ذلك، إذ وفي عزّ "الخنقة" طلبنا تصدير 70 الف طن الى سوريا فوافقت الحكومة السورية على تصدير 80 الف طن، ما شكّل متنفساً للمزارع اللبناني.
ومن منطلق العارف بأهمية التعاون الاقتصادي بين البلدين، يُشدّد اللقيس على أنّ فتح قنوات التواصل مع سوريا ستفيد لبنان أكثر مما ستفيد سوريا. الأخيرة لديها شبه اكتفاء ذاتي، أما نحن فنعاني من عجز مقلق خصوصاً في ظل وجود أزمة النازحين، والتي جعلتنا نضاعف استهلاكنا، اذ كنا نستورد 450 الف طن قمح أصبحنا نستورد 900 الف طن.
ويضيف اللقيس "بدراسة واقعية وبعيداً عن السياسة، -طبعاً لا أقول إن الموضوع السياسي لا يزعجنا-، نحن اليوم في أمسّ الحاجة لفتح قنوات التواصل مع سوريا، خصوصاً أننا نعاني من أزمة دولار، ولا نستطيع الاستيراد من الخارج، فيما السوق السوري مفتوح لنا بالليرة السورية، وخاصة أنّ سوريا لديها غنى في الانتاج الزراعي، وباستطاعتنا من خلال هذا السوق تأمين سلّتنا الاقتصادية في هذه الازمة". وفق قناعات وزير الزراعة، فإنّ الحري بالمسؤولين اللبنانيين أن يسارعوا الى الانفتاح غير المشروط والمطلق باتجاه سوريا.
لكنّ اللقيس المنزعج من قطع العلاقات الاقتصادية بين لبنان وسوريا، يوضح أنّه كوزير زراعة لا يوفّر توقيعاً على أي إجازة استيراد من سوريا لكافة أنواع البضائع للدخول الى لبنان، وبشكل يومي. هذا الأمر محسوم -بالنسبة اليه- سياسيا واقتصاديا وانسانيا، اذ من حقّ المواطن اللبناني أن نؤمن له السلعة بالسعر المقبول، ومن حقه علينا أن نؤمّن للسوق التوازن بين الانتاج الوطني والاستيراد عبر الاعتماد على السوق السوري بشكل مباشر. برأي اللقيس، لا بد من تأمين التوازن، فهناك الكثير من المواد نجد أنفسنا مضطرين لاستيرادها من سوريا -التي أمّنت لنا نوعاً من الاستقرار في الأسعار- خاصةً في ظل أزمة الدولار التي منعت لبنان من التوجه الى الأسواق الأخرى.
اللقيس الذي يسهّل عملية استيراد البضائع وفق الصلاحيات المتوافرة لديه، يطالب الحكومة بتوسيع هذه الخطوة، وفتح قنوات التواصل مع سوريا لاستيراد وتصدير البضائع بشكل أوسع، وليطال هذه الأمر كافة القطاعات. فما الذي يمنع لبنان الذي يجري مناقصات لاستيراد البنزين من استيراده من سوريا؟!. من وجهة نظره لا بد من توسيع مروحة الاستيراد والتصدير لمصلحة لبنان أولاً.
وفي الختام، يرى اللقيس أنّ لحكومة تصريف الاعمال وفي الأجواء العادية الطبيعية الحق بالعمل وفق المفهوم الضيّق وبالحد الأدنى، لكن وفي ظل الوضع الاقتصادي السيئ الذي نعيشه يجب أن نعمل بالطاقة القصوى، وأن نوسّع المشاريع ونطرح أفكاراً جديدة لمواجهة الأزمة التي نمر بها، ويجب أن نسارع الى تشكيل حكومة سريعة لمواجهة ومكافحة موجة الغضب المتأتية علينا من الخارج والسيطرة عليها.
بو مصلح: العلاقات مع سوريا ضرورية
يسترجع الخبير الاقتصادي غالب بو مصلح التعاون التاريخي بين سوريا ولبنان، عندما كان
هناك اقتصاد موحد وشبه متكامل بين البلدين. وفق قناعاته فإنّ كل محاولات القطيعة لم تنجح في السابق. فلبنان لديه فائض في الميزان التجاري مع سوريا والعراق فقط. أما بقية الدول فيعاني حيالها من عجز في الميزان التجاري، ومن هنا برزت المشكلة الكبيرة في ميزان المدفوعات، وبات لدينا نقص هائل في الحساب الجاري وصل الى 125 بالمئة، أي أننا نستهلك 125 بالمئة من الناتج.
يقول بو مصلح هذا الكلام ليشدد على أن العلاقات مع سوريا ضرورية، فلبنان يستورد تاريخياً من سوريا الكثير من المواد الغذائية. السياسات التدميرية التي اتبعها لبنان في القطاع الزراعي جعلتنا نستورد 80 بالمئة من حاجاتنا الزراعية، والتاريخ يشهد أن كل المناطق اللبنانية القريبة من الحدود السورية كانت تستورد موادها الغذائية من سوريا بأسعار متدنية جداً مقارنةً بالسوق اللبناني. ويأسف الخبير الاقتصادي للسياسات الاقتصادية المتبعة والتي جعلتنا نستورد موادنا الغذائية من أوروبا التي تدعم صادراتها الزراعية بنسبة 35 بالمئة. على سبيل المثال، فإنّ الحليب الذي نستورده من سويسرا مدعوم بنسبة 52 بالمئة، بينما في لبنان لا دعم على منتجاتنا ولا من يحزنون، على العكس من ذلك، يسود منطق الاحتكارات السوق اللبناني.
ويكرّر بو مصلح قناعته لجهة أنّ العلاقات مع سوريا مهمة جداً، فصناعاتنا اللبنانية تستطيع أن تستفيد كثيراً من تلك العلاقة. وفي هذا الصدد، ينتقد الشوفينية اللبنانية المعادية لسوريا والتي لا شك أنها ضد مصلحة لبنان الذي اعتمد في الكثير من القطاعات على العمالة السورية. الأخيرة كانت ركناً أساسياً في قطاعي الزراعة والبناء. بالنسبة لبو مصلح سوريا ليست عدواً، على العكس تماماً هناك تكامل بين الاقتصادين اللبناني والسوري، وبالتالي فإنّ تحسين هذه العلاقات سيعطي لبنان الكثير من المنافع، لا سيما أن سوريا بوابة عبور للبنان للتصدير الى دول المشرق العربي.
يختم بو مصلح حديثه بالتشديد على أنّ توتير العلاقة مع سوريا لأسباب استعلائية وعدائية ألحق ضررا هائلا بلبنان.