خاص العهد
لبنان يعيش ظروفاً "استثنائية" وحكومة تصريف الأعمال في "كوما"
فاطمة سلامة
يكتفي أحد الوزراء في حكومة تصريف الأعمال لدى سؤاله عن المهام التي يقوم بها في ظل حكومة مستقيلة بالقول: "نقوم بالمهام التي منحنا إياها الدستور، أي الأعمال الإدارية العادية". يختصر هذا الرد "العقلية" التي تتصّرف بها الحكومة الحالية مع مفهوم "تصريف الأعمال". هذا المفهوم الذي حدّدته المادة "64" من الدستور، لا شك أنّه يصلُح في ظل ظروف طبيعية "عادية"، لكنّه بالتأكيد لا يصلُح مع ما نشهده اليوم من أحداث على الساحة المحلية. فهل يُعقل أن تبقى السلطة التنفيذية والتي حمّلها الدستور مسؤولية تنفيذ السياسات والقواعد التي يضعها المجلس التشريعي، هل يُعقل أن تبقى غائبة عن السمع، وخارج "التغطية" وسط كل هذه الأزمات التي تعصف بنا؟
صحيح أنّ الاجتهاد الإداري "سلب" حكومة تصريف الأعمال حق القيام بالأعمال الإدارية التصرفية، إلا أنّه لم يسلبها حق القيام بتدابير "الضرورة" التي تفرضها الظروف "الاستثنائية"، وهو الأمر الذي نعيشه اليوم. وهل هناك ظروف "استثنائية" أكثر من التي تحاصرنا؟ العملة الوطنية في "الحضيض"، الأوضاع المالية والنقدية في أسوأ حالاتها، الأمن الغذائي بات مهدّداً، والغلاء "فاحش". "المستشفيات" تشكو نقص الكثير من المستلزمات الطبية، و"الصيدليات" تعاني نقصاً في الأدوية، الأوضاع الأمنية على حافة "الانفجار"، الطرقات باتت غير آمنة، جراء تعديات "قطاع الطرق". طبعاً، كل ما سبق ليس سوى عناوين، تتضمنها الكثير من التفاصيل التي بات بموجبها لبنان "مهدداً". فماذا تنتظر الحكومة حتى "تنعقد" لضبط هذا الوضع "الخطير"؟
شربل: تصريف الأعمال لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يحصل
يتصرّف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، وكأنّ لبنان نائم على "حرير"، هذه العبارة يقولها مرجع سياسي لدى سؤاله عن التدابير الواجب أن تتخذها الحكومة وسط كل هذه الأزمات. برأيه، لا بد من أن تبادر الحكومة وإن كانت "مستقيلة" للقيام بشيء ما، أي شيء يحد من التداعيات "الخطيرة" التي نعيشها. وهو الأمر الذي يُكرّره وزير الداخلية الأسبق مروان شربل لافتاً الى أنّ لبنان يعيش ظروفاً استثنائية على كافة الصعد من اقتصادية وأمنية وغيرها، وهي ظروف تحتّم على الحكومة أن تجتمع لاتخاذ القرارات التي تخلّص البلد من هذه المشاكل. وفق قناعاته، لا يعني تصريف الأعمال أن يجلس الوزير في منزله أو يمر "ساعتين" في النهار على مكتبه للتوقيع على أوراق "روتينية" لا معنى لها. صحيح أنّ المشترع أوصى بتصريف الأعمال ضمن المعنى الضيّق، لكنّه لم ينتبه أنّ بعض الحكومات تأخذ وقتاً كبيراً لتشكيلها يتراوح بين التسعة أشهر والسنة.
ويسأل شربل: إذا كنا سنجلس كل هذه الفترة بلا اجتماعات حكومية، أين حاجات ومصالح الناس؟ برأيه، فإنّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية صعبة، الفتن تتنقّل من مكان الى آخر، والألطاف الإلهية حالت دون تحقيق هدف الفتنة الذي يريدونه حتى الساعة. يُشدّد شربل على أنّ هناك "سوابق" اجتمعت فيها الحكومات "المستقيلة" لمعالجة موضوع معين. إحدى تلك "السوابق" كانت في حكومة الرئيس الأسبق نجيب ميقاتي عام 2013. حينها كانت الحكومة مستقيلة واجتمعت لتعيين هيئة "الاشراف على الانتخابات" قبل أن يمدد مجلس النواب لنفسه، وغيرها الكثير من الحالات المماثلة التي تخطت فيها الحكومات مسألة تصريف الأعمال لاتخاذ قرارات مهمة. يؤكّد وزير الداخلية الأسبق أنّ تصريف الأعمال لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يحصل. الوزراء لا يزالون موظفين محسوبين على مؤسسات الدولة، والمرسوم الخاص بهم لم يُسحب نهائياً.
يُشدّد شربل على أننا اليوم أمام عنوانين كبيرين، علينا أن نختار واحداً منهما: نحن أمام انهيار مؤقت، فإما أن نحوّله الى دائم أو نحوّل التهديد الى فرصة عبر الاسراع بتشكيل حكومة، وهذا يُشكّل بداية للخلاص من الواقع المأزوم. لا يُخفي شربل أننا اذا لم نؤلف حكومة، سنتّجه نحو المزيد من الأزمات. الوقت ضيق وكل يوم يذهب يضيع من عمر المعالجة الحقيقية للوضع الاقتصادي. هدر الوقت سيُعقّد الأمور أكثر وسيوصلنا الى الانهيار الدائم. على الحكومة الاجتماع للاسراع في اتخاذ القرارات والاجراءات المناسبة.
يمين: نعيش ظروفاً استثنائية
الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين يستهل حديثه بالاشارة الى أنّه "وبحسب أحكام الدستور اللبناني فإنّ الحكومة متى استقالت أو اعتبرت مستقيلة أو شكلت ولم تنل الثقة بعد، تتولى تصريف الأعمال بالمعنى الضيق"، إلا أنّ مفهوم هذا التصريف لم يحدده الدستور صراحة بل تكفّل في تفسيره الاجتهاد الاداري أي مجلس شورى الدولة، كما تكفّلت الممارسة الحكومية في تبيان المعنى "الضيق".
وقبل أن يتحدّث يمين عن واجبات حكومة تصريف الأعمال وسط الظروف الدقيقة التي نعيشها، يوضح "أن مفهوم تصريف الأعمال يعني أن تتولى الحكومة ووزراؤها تصريف الشؤون اليومية وتوقيع البريد اليومي وإنجاز المعاملات الروتينية التي تعدها الادارة، ويكون دور الوزير محصوراً بالتوقيع عليها من أجل سريانها، وكذلك إجراء التدابير التي تخضع لمهل مسقطة للحق سواء دستورية أو قانونية حتى لا يضيع حق الدولة"، وبالتالي لا يكون من حق الوزراء والحكومة عندما تكون الحكومة في حالة تصريف الاعمال القيام بأي عمل تصرفي يرتب أعباء وتداعيات وأثقالًا والتزامات جديدة على الحكومة المقبلة.
لكنّ الاجتهاد -وفق يمين- أعطى الحكومة حق إجراء التدابير التي تدخل في مفهوم العجلة والضرورة حتى ولو كانت أصلا تخرج عن معنى تصريف الأعمال، إذ يمكن للحكومة أن تجتمع عندما تكون في حالة تصريف أعمال عند الضرورة، ولا شيء يمنع من انعقادها، وهناك سوابق على حصول اجتماعات لمجلس الوزراء. الضرورة -برأي يمين- تستمد وجودها من الظروف الاستثنائية التي نعيشها والتي توجب على حكومة تصريف الاعمال التصدي لها لأنها تمس بالأمن الحياتي والمعيشي للمواطنين، وكذلك تمس بالنظام العام.
يختم يمين مقاربته بالتأكيد أنّ " من واجب حكومة تصريف الأعمال الانعقاد، واتخاذ الاجراءات اللازمة لأنّ هذه المسائل المتعلّقة بالاقتصاد، الصحة، الأمن، النقد، والمال تتسم بطابع الضرورة الملحة والعجلة، وتدخل في واجبات حكومة تصريف الأعمال".