خاص العهد
حماية الليطاني بين العقوبات المالية وإلزام ملوّثي مجرى النهر بتشجير ضفافه
ياسمين مصطفى
منذ أيام تبلورت خطوة في الاتجاه الصحيح في سبيل الحد من تلوث مجرى نهر الليطاني، تمثلت في إصدار القاضيين الجزائيين المنفردين في زحلة محمد شرف وفي بعلبك لميس الحاج دياب ستة أحكام قضائية بحق مصانع خاصة، بجرم تلويث مجرى النهر في البقاع، استنادًا إلى شكاوى مقدمة من المصلحة الوطنية لنهر الليطاني.
اللافت في الخطوة أنه إضافة إلى الغرامات المالية التي ألزم القضاء المرتكبين بدفعها، وتركيب محطات لتكرير المياه مع تعيين خبير للإشراف على الأمر، أُلزم المرتكبون بتأهيل الوسط البيئي الموازي لمعاملهم ومصانعهم أي محيط مجرى نهر الليطاني، عبر تشجير المكان بعدد محدد من غرسات أشجار الصنوبر يتراوح بين 100 و500 غرسة، كلٌّ تبعا لفداحة الجرم البيئي "المائي" الذي يقوم به.
مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية أوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن الخطوة تستند إلى "قانون المياه اللبناني الجديد"، والقاضي بإلزام مرتكب الجريمة البيئية بتأهيل الوسط المائي للنهر، معلنًا عن قيام المصلحة بتقديم شكاوى جزائية بحق 90 مؤسسة صناعية متورطة، صدر حتى اليوم أحكام بحق 16 منها، فضلاً عن التزام 60 مؤسسة بتركيب محطات تكرير للمياه قبل صدور أحكام بحقها، وما تبقى من مؤسسات في انتظار الأحكام المتعلقة بها.
وشدد علوية على ضرورة أن نزرع في الأذهان فكرة "الجريمة المائية"، التي تتمثل بالتعدي على مياه الأنهار وتلويثها، مؤكدًا المضي في الخطوة، حتى نصل إلى صفر تلوث في مجاري الأنهار.
ولفت علوية إلى أن الخطوة على الرغم من أهميتها إلا انها غير كافية، إذ إن "التحدي يكمن في المؤسسات غير المرخصة المساهمة في تلويث مجرى نهر الليطاني دون رادع"، محيلاً السبب إلى عدم فاعلية المحافظين في المنطقة، أو لمراعات بعضهم الحساسيات الطائفية والحزبية، وقال إن المصلحة طلبت من وزارة الصناعة إلزام هذه المؤسسات والمصانع بإصدار تراخيص تشرعن عملها، وإلا يتوجب إقفالها.
وحمّل علوية بعض القضاة في النيابة العامة المالية "مسؤولية التراخي مع المؤسسات الصناعية غير المرخصة، كما وزارتي البيئة والصناعة على حدٍ سواء".
وحول الإشراف على عملية غرس أشجاء الصنوبر، أكد علوية أنها مهمة القضاة الجزائيين المنفردين، مبديا استعداد المصلحة الكامل لرعاية تنفيذ الأحكام، عبر التبرع بتأمين المياه لتتمكن المؤسسات الصناعية الواقعة في الأملاك النهرية من التشجير، موضحا أن أشجار الصنوبر هي أشجار حرشية غير مثمرة، وبالتالي يمكن سقايتها من مياه النهر.
مشكلة أخرى تطرق لها علوية في حديثه لـ"العهد"، هي المؤسسات الصناعية الكبرى، المساهم الأكبر في تلويث مجرى الليطاني، على غرار شركة "ليبان لي" و"ميموزا" و"سيكومو"، مؤكدًا على ضرورة صدور أحكام بحقها.
ورأى علوية أن مشكلة تلويث المصانع لمجرى النهر ليست الوحيدة، إذ إن مشكلة الصرف الصحي تساهم بشكل كبير في التلوث المائي، لافتا إلى أن البلديات متورطة، ووضع المسؤولية لدى وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار.
رئيس اتحاد بلديات بعلبك-الهرمل: القطاع الصناعي الخاص في بعلبك-الهرمل بحاجة لعناية الدولة
وفي سياق متصل، رأى رئيس اتحاد بلديات بعلبك-الهرمل حسن حمد في حديث لـ"العهد" ان مسألة تلوث النهر معقدة ومتعددة الأسباب، مؤكدا أن المسؤول الأول عن ضبط التلوث هو الدولة، طارحا سؤالا جوهريا عن فداحة التلوث في مجرى نهر الليطاني، المستمر منذ ما يقارب العقد ونيّف، في ظل وجود جهات رقابية ووزارات وإدارات عامة تتقاضى رواتب لفرض رقابة على عمل المؤسسات الصناعية لجهة الحفاظ على البيئة المحيطة بها.
وبالإضافة إلى المسؤولية التي يتحملها أصحاب المصانع الخاصة بتلويث مجرى الليطاني، أشار حسن إلى مسؤولية الجهات الرقابية في الدولة، موضحا أن الإجراء الذي اتخذه القضاة الجزائيون المنفردون واقعي وهادف، لجهة دفع المرتكبين لتحسين الواقع البيئي عبر زراعة الأشجار.
وتمنى حسن أن يصار إلى قيام المعنيين في وزارة الزراعة بالعمل لزرع قصب السّكر، لكونه العامل الطبيعي الأول في تطهير الأنهار من الجراثيم وتنظيف المياه الآسنة والجوفية.
وعلى قاعدة أن "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، أكد حسن ضرورة أن تتحمل الدولة مسؤولية دعم القطاع الخاص في مجال الصناعة، في ظل انعدام فرص العمل خاصة في منطقة بعلبك الهرمل. وبرأي حسن يكون ذلك عبر إلزام أصحاب المصانع بحد أدنى من المعايير للمحافظة على البيئة، لا أن ننتظرهم "عند كل مفترق" للتشفي منهم ومنعهم من الاستثمار.
وفي تعليقه على حديث علوية بشأن المؤسسات الصناعية غير المرخصة والمتورطة بتلويث مجرى نهر الليطاني، قال حسن إن "السلوك البشري منوط بالثواب والعقاب، وإنه لا بد من واقعية وموضوعية في التعاطي عبر تحمُّل الدولة-الغائبة عن منطقة بعلبك الهرمل-مسؤولياتها من خلال تطبيق سياسات تحفيزية وتسهيلات مصاحبة للشروط البيئية الملزِمة لأصحاب المصانع، لمساعدتهم في الحفاظ على البيئة".