خاص العهد
الاستثمار في الفوضى يُفقد لبنان يومياً عشرات ملايين الدولارات
فاطمة سلامة
لم يعد خافياً على أحد ومنذ انطلاقة الحراك الشعبي في لبنان أنّنا أمام حراكين؛ أول انطلق بصدق بدافع الفقر والعوز، وثانٍ بات اليوم الأغلب الأعم حرّكته أياد داخلية وخارجية، أياد حاولت الاستثمار وركوب موجة "الشارع" لتحقيق ما عجزت عنه في السياسة. من يتابع مسار الأحداث، ويرصد ما يجري على الشاشات الإعلامية منذ السابع عشر من تشرين الأول/نوفمبر المنصرم حتى اليوم لا يتكبّد عناء ليكتشف حجم المُخطّط الذي يُرسم للبنان. كثر باتوا على قناعة أنّ الولايات المتحدة الأميركية تذهب خلال استثمارها في الفوضى الى الحد الأقصى، للنيل من المقاومة. وهو حلم لم تستطع تحقيقه على مدى عقود، ولن تستطيع. ولا شك أنّ الطريقة التي أديرت بها بعض المجموعات تحت شعار "الثورة ضد الفساد" فيها الكثير من المغالطة. وفي هذا الصدد، تُطرح الكثير من الأسئلة المشروعة: هل يُحارب الفساد بالفراغ السياسي؟ ما المصلحة من اسقاط الحكومة وقطع الطريق على المجلس النيابي لثنيه عن إقرار القوانين؟ ما الفائدة من قطع الطرقات لفترات طويلة وشل البلد وعرقلة مصالح العباد؟
تُجمع الكثير من الآراء على أنّ وضع لبنان الاقتصادي قبل انطلاق الحراك لم يكن في أحسن حالاته. غالباً ما كان يجري وصفه "بالمتأزم" الذي يقف على حافة الانهيار. لكنّ تداعيات الاستثمار في الحراك على الاقتصاد كانت "كارثية"، اذا ما نظرنا الى النتائج التي بدأت تظهر معالمها في الحالة الاقتصادية اللبنانية. فما الذي خسره لبنان جراء الفوضى؟.
خسائر يومية بين الـ80 الى 120 مليون دولار
الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين يلفت الى أنّه يُسجّل للحراك انتزاعه مشروع ورقة إصلاحية من الحكومة، لكن يُسجّل عليه أنّه أوصل الوضع الاقتصادي الى الحالة "المزرية" التي نشهدها اليوم. وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري يلفت ناصر الدين الى أنّ ناتج لبنان السنوي كان يُقدّر بـ60 مليار دولار، وإذا أردنا احتساب الخسائر التي يتعرض لها الاقتصاد حالياً، يتبين لنا أنه وبعد 33 يوما لدينا خسائر يومية تتراوح بين الـ80 الى 120 مليون دولار.
ويشير المتحدّث الى أنّ الخسائر التي يتكبّدها الاقتصاد اللبناني تؤثر على المالية العامة للدولة وعلى الدورة الاقتصادية للبلد. فلبنان يعاني من شبه شلل نتيجة التراجع المخيف لكافة المؤشرات المالية والاقتصادية. يوجز ناصر الدين التداعيات والانعكاسات السلبية المتأتية جراء قطع الطرقات والتحركات اللامسؤولة في بعض الأحيان، يوجزها بالآتي:
-إيجاد سعري صرف للدولار في السوق ما انعكس على الكثير من القطاعات، خصوصاً تلك القائمة على الاستيراد من الخارج، وأدى الى شح في الكثير من البضائع، خاصةً أننا في بلد يتنفّس استيراداً وتبلغ قيمة الواردات السنوية اليه 20 مليار دولار .
-تهديد الأمن الغذائي، وارتفاع الأسعار بنسبة تتراوح بين 20 الى 40 بالمئة، فضلاً عن مخاوف من فقدان المخزون الاستراتيجي في الأسابيع القادمة جراء انخفاضه بشكل كبير.
-بعض موظفي القطاع العام تقاضوا نصف راتب مع ما حمل هذا الأمر من تأثيرات على الحركة الاقتصادية بأكملها، إذ لدينا مليون و200 الف موظف في هذا القطاع يساهمون في تنشيط الدورة الاقتصادية، وبالتالي فإنّ اقتطاع رواتبهم سينعكس على القدرة الشرائية لديهم والحركة الشرائية العامة في البلد.
-التزامات الدولة باتت مهدّدة أمام مؤسساتها ومرافقها الحيوية خصوصاً المستشفيات.
-إيقاف التسهيلات التي تقدمها المصارف أثّر على حركة التجارة التي انخفضت، وتضاءلت نسبة الاستيراد ما أدى الى غلاء الأسعار وتسلل التضخم الى الأسواق.
-تأثر الشركات التي تستورد مستلزمات طبية، وهذا الأمر خطير لأنّه يتعلّق بأمر أساسي وحيوي لا يمكن العبث به.
-"الكابيتال كونترول" ووضع السقوف أمام المودعين لعبت دوراً سلبياً على دورة الحياة الاقتصادية
-تعطيل المجلس النيابي ومنعه من إقرار قوانين تساعد في مكافحة الفساد وتسترجع الأموال المنهوبة للدولة .
يؤكّد ناصر الدين أنّ مؤشرات اقتصادية سلبية عديدة باتت تظهر تباعاً. برأيه، لا يوجد اقتصاد في العالم يعاني من كل هذه السلبيات ويظل واقفاً على رجليه. ووفق قناعات ناصر الدين إذا أردنا أن نربط ما يحصل على الساحة الاقتصادية بالاقتصاد السياسي نستنتج أن هناك من يحاول الاستثمار في الفوضى وتوجيه الحراك باتجاهات لا ينتج عنها سوى دولة "فاشلة". هناك مخطط لوضع لبنان تحت البند السابع اقتصادياً، خاصة أننا على أبواب استكشاف النفط والغاز، وبداية التنقيب. وبدل أن نضع كل امكاناتنا ونتكاتف للاستثمار في هذا الملف، ترانا نتأخر في التنقيب بعد أن كان من المفترض أن يبدأ في 15 تشرين الثاني الحالي، لكن هذه الخطوة تأخرت لأسباب داخلية وخارجية.
وانطلاقاً من الرابط القوي بين السياسة والاقتصاد، يُركّز ناصر الدين على ضرورة عدم التأخر في تشكيل الحكومة. التأخر يجرنا الى المزيد من الخسائر، وكل يوم تأخير نخسر مقابله شهراً من المعالجة. فيما يتعلّق بالنفط والغاز، نحن أمام فرصة، فاذا تم التنقيب وخلال 55 يوماً أُعلنت النتائج الايجابية بامتلاكنا مصادر طاقة، فإنّ تصنيف لبنان سيصعد تلقائياً من "C" الى "B"، ما سيساعد اقتصادنا على النهوض. لكنّ ناصر الدين يستطرد حديثه بالقول" يبدو واضحاً أن هناك من لا يريد رؤية لبنان واقفاً على رجليه، وأنا بت على قناعة بأن جزءاً من الفوضى يتم استثمارها كي لا يستفيد لبنان من ملف النفط والغاز".
يُشدّد ناصر الدين على أنّ الولايات المتحدة الأميركية تحاول الاستثمار في الفوضى بالداخل اللبناني لتضييق خياراتنا ووضعنا تحت سيطرة البنك الدولي عبر استغلال وجع الناس ومنع لبنان من اتخاذ خيارات تنقذ اقتصاده للوصول الى مفهوم الدولة "الفاشلة" بكل تفاصيلها. والواضح أنه عندما جرى إقرار مشروع لورقة اقتصادية لتبدأ خطوة الألف ميل ببناء اقتصاد في لبنان، كان هناك من يعترض عليها في استثمار واضح للأزمة.