خاص العهد
هل فكرة تشكيل حكومة "تكنوقراط" تتطابق مع روحية الدستور اللبناني؟
فاطمة سلامة
في أحد خطاباته، أكّد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله أنّ حكومة "التكنوقراط" لا تستطيع الصمود لأسبوعين. كلام سماحته مبني على واقع هو "أعرف العارفين" به. كل المؤشرات والمعطيات تشي بأنّ خيار هذا النوع من الحكومات ليس واقعياً ولا يُشبه التركيبة اللبنانية. نحن هنا نتحدّث عن "تكنوقراط" بحت أي اختيار وزراء اختصاصيين مستقلين لا يتبعون حزبياً لأحد. أحد المتابعين لملف تشكيل الحكومة يبتسم لدى سؤاله عن تلك المطالبات الرامية لابعاد السياسة عن مجلس الوزراء. يسأل: ما هي وظيفة مجلس الوزراء؟ أليس هو من يضع السياسة العامة للبلاد؟ برأيه، فإنّ كل المطالبات التي تتحدّث عن ذلك لا تخرج عن سياقين: إما أن يكون البعض جاهلاً حقيقة ما يُطالب به، ويردد شعارات لأجل الشعارات، وإما أن يُخبئ وراء هذا الشعار غايات غير بريئة معروفة الأهداف والنوايا. فهل فكرة تشكيل حكومة "تكنوقراط" تتطابق مع روحية الدستور اللبناني؟.
الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين يُشدّد على أنّ كافة الحكومات التي تعاقبت في لبنان كانت لها خلفيات سياسية، إذ لم يكن لدينا مطلقاً ما يُسمى بـ"التكنوقراط" المجرّد. وبحسب يمين شهد لبنان بعض الحكومات التي اشترطت على أعضائها عدم الترشح للانتخابات النيابية، ووضعت المعيار لاختيارهم أن يكونوا أصحاب خبرات في الحقائب التي يتولونها، لكنّهم بطبيعة الحال لم يكونوا مستقلين، بمعنى أن تسميتهم جاءت من الكتل النيابية ورئيس الجمهورية، بغض النظر سواء كانوا حزبيين أو لا. كما شهد لبنان بعض الحكومات التي سُميت بحكومات "الوفاق الوطني" التي تمثّلت فيها كافة الكتل النيابية. وفي المقابل، شُكّلت بعض الحكومات التي ضمّت في صفوفها اتجاهًا واحدًا أو اتجاهين أي قسمًا من الكتل النيابية، كحكومة نجيب ميقاتي الثانية عقب استقالة 11 وزيراً عام 2011.
وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يوضح يمين أنّ الاشكالية الكبرى لدى طرح مصطلح "التكنوقراط" الخالص، تكمن في الاجابة عن سؤال أساسي: من سيسمي هؤلاء الوزراء المستقلين؟ يعمل يمين على تبسيط الفكرة التي يريد ايصالها: لدينا تكنوقراط في كل الاحزاب، فوزير الصحة الحالي جميل جبق هو وزير "تكنوقراط" على اعتبار أنّه طبيب وخبير في الحقيبة التي يتولاها، وهو أيضاً من غير الحزبيين، ولكن بطبيعة الحال هناك جهة سياسية عملت على تسميته. هنا الحد الفاصل بين حكومة "التكنوقراط" المستقلة "غير الواقعية" التي يطالب بها البعض، و"التكنوقراط" المطّعمة بنكهة سياسية أي التكنو-سياسية، والتي تختار فيها الكتل النيابية وزراء كفوئين واختصاصيين في الحقائب التي يتولونها.
ويلفت يمين الى أنّ الحديث عن حكومة "تكنوقراطيين" مستقلين يتناقض مع روحية اتفاق الطائف والتعديلات الدستورية التي تلته، فالمادة 95 من الدستور اللبناني تنص على أن تمثل الطوائف بصورة عادلة خلال تأليف الوزارات. هذا الأمر معطوف على مقدمة الدستور التي تقول إنّ "النظام اللبناني جمهوري ديمقراطي برلماني". وفق يمين، بات من الواجب على الحكومة بعد الطائف أن تنال ثقة البرلمان قبل أن تباشر أعمالها "التصرفية" وأن تكتفي بتصريف الأعمال طالما لم تنل الثقة بعد. وهذا يقودنا -وفق يمين- الى القول "إنّ الوزير يمثل الأكثرية الطائفية السيادية في طائفته"، يعني عندما نقول إن المادة 95 توجب تمثيل الطوائف يعني أن الكتل النيابية التي تعبّر عن اتجاهات طائفية في لبنان هي من ترشح وتختار الوزراء بالاتفاق مع رئيسي الجمهورية والمكلّف تشكيل الحكومة.
ويشير يمين الى أنّ اتفاق الطائف "نقل" السلطة التنفيذية من يد رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء كمؤسسة تضم ممثلي جميع الطوائف حتى ولو لم يكونوا منتخبين من النواب، ولكنهم من المفترض أن يكونوا مرشحين من قبل الكتل النيابية التي تعبر عن أبعاد طائفية في لبنان. وبالتالي، عندما يعيّن وزراء "تكنوقراط" لا ترضى عنهم الكتل النيابية، لا يكون هناك تمثيل عادل للطوائف لأنها لم تقل كلمتها عبر النواب. فالنائب من جهة يمثل الأمة جمعاء، ومن جهة يعبّر عن أبعاد طائفية. ويسأل يمين: عندما نقول تكنوقراط مستقلة، هي مستقلة عمن؟ أليس من المفروض أن يكون لها مرجعية راعية لها؟ ويوضح أن المادة 53 من الدستور اللبناني تنص على أن يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً الى استشارات نيابية ملزمة.
مهام مجلس الوزراء سياسية
ما مهام مجلس الوزراء؟ يؤكد يمين أنّ كل الوظائف السياسية تقوم بها الحكومة، خصوصاً أنّ السلطة التنفيذية بعد اتفاق الطائف أصبحت بيد مجلس الوزراء، فالمادة "65" تقول إنّ الحكومة تمتلك مجموعة صلاحيات أبرزها رسم السياسات العامة، والوزير قبل الطائف كان معاوناً لرئيس الجمهورية، ولم يكن مجلس الوزراء كما اليوم مؤسسة تتولى السلطة. أما الأمر فقد اختلف الآن، فالتعديلات الدستورية المنبثقة من الطائف بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21-9-1990 تنص على مجموعة اختصاصات لمجلس الوزراء، أولها: وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات. لذلك، -يقول يمين- لا نستطيع أن نفصل مهمة مجلس الوزراء عن السياسة لأن هذا الأمر غير واقعي. الحل برأيه يكمن "في الذهاب الى اختصاصيين ووجوه مطمئنة بنزاهتها وكفاءتها وخبراتها، تسميهم الكتل النيابية، مع إمكانية تطعيمها بممثلين للحراك" وفق ما يقول يمين.
من التكليف الى التأليف
يُعرّج يمين على المراحل التي تمر بها عملية تشكيل الحكومة، فيوضح أنّه" وبحسب المادة 53 من الدستور وتحديدا الفقرة "2" يسمي رئيس الجمهورية الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، استنادا الى الاستشارات النيابية الملزمة".
وبحسب العرف يصدر رئيس الجمهورية كتاب تكليف، ووفق الفقرة 2 من المادة 64، يباشر الرئيس المكلف لاحقاً بالاستشارات النيابية مع النواب في سياق عملية التأليف، فيما تنص المادة 53 على أن يصدر مرسوم تأليف الحكومة بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلّف، اللذين يوقعانه معاً.
يشدّد يمين على أنّ عملية التأليف هي عملية شراكة بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلّف، تأخذ بعين الاعتبار اتجاهات الكتل النيابية. ووفق الفقرة "2" من المادة 64 "على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزراي خلال 30 يوماً من تاريخ صدور مرسوم التأليف، ولا تمارس عملها الا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال حتى تنال الثقة من المجلس النيابي".