خاص العهد
أين تتجه مشاورات التكليف والتأليف؟
فاطمة سلامة
عند كل استحقاق يشهده لبنان، وفي مناسبة وغير مناسبة، تحشر الولايات المتحدة الأميركية أنفها للتدخل في الشؤون الداخلية. لا توفّر المذكورة جهداً إلا وتقوم به للعبث في استقرار هذا البلد. الأمثلة على ذلك حدّث ولا حرج، وسفارة "عوكر" شاهدة على تاريخ "وقح" من التدخلات، تماماً كما حدث مؤخراً، إذ دفعت واشنطن لبنان باتجاه الفوضى، وعملت على ركوب موجة الحراك الشعبي، وتحويل البعض فيه الى متظاهرين يُنفّذون أجندات خارجية. لم تقف الولايات المتحدة الأميركية عند هذا الحد، بل ضغطت باتجاه "استقالة" رئيس الحكومة سعد الحريري، وفق ما تؤكّد مصادر رفيعة لموقع "العهد" الإخباري. وفق حسابات المصادر، فإنّ المؤشرات والمعطيات تُفيد بأنّ كلمة سر أميركية أوعزت في ربع الساعة الأخير، ودفعت باتجاه إسقاط الحكومة، بعدما بدأ "اليأس" الأميركي من لعبة الشارع. برأي المصادر، جاءت الاستقالة بعدما "صمد" الحريري لأكثر من عشرة أيام، وتناقصت أعداد المتظاهرين، وبدأت الأزمة تسير باتجاه "الخواتيم" والحل، ليقدّم الحريري فجأة وفي "ساعة سمّاعة" استقالته، ويقطع الطريق أمام أي "أخذ وردّ" للعودة عن قراره.
وتلفت المصادر الى أنّ كافة التدخلات الأميركية كانت تصب في مصلحة هدف واحد: محاصرة حزب الله، رغم الانقسام في وجهتي النظر الأميركية. الأولى التي ترى أنّ استقرار البلد وتقوية المؤسسات يحاصران حزب الله ويعزلانه، والثانية التي تجزم أنّ دفع لبنان باتجاه الفراغ والانهيار والفوضى يحمل المسؤولية لحزب الله ويُقلّب الرأي العام ضده، ما يؤدي الى عزله ويجعله "مطواعاً" بيد حلفاء أميركا. وفي هذا السياق، تقول المصادر، جاء الدفع نحو الاستقالة، ليبدأ لبنان رحلة جديدة من التكليف الى التأليف. فكيف يمكن اختصار المشهد "الحكومي" اليوم؟.
تؤكّد المصادر -وكما بات معلوماً- أنّ المشاورات لا تزال مستمرة وعلى أكثر من صعيد ريثما يتم تحديد موعد قريب للاستشارات النيابية. وتوضح أنّ النقاش يتوزّع على ثلاث نقاط رئيسية: اسم الرئيس، شكل الحكومة وطبيعتها، عددها. وهنا تلفت المصادر الى أنّ لا شيء محسوما حتى اللحظة. المشاورات -بطبيعة الحال- ليست سهلة، خصوصاً أنّ المصلحة تقتضي الاسراع في تحديد موعد الاستشارات الذي من المفترض أن يكون الاسبوع المقبل، اللهم إلا إذا طال وقت المشاورات. وفيما يتعلّق باسم الرئيس تلفت المصادر الى أنّ تكليف الحريري يحتاج الى إمضاء رئيس تيار "لبنان القوي" جبران باسيل الذي يمتلك بطبيعة الحال أكبر تكتل وزاري. فهل يرضى جبران باسيل أن يكون خارج "التشكيلة" الحكومية؟ تسأل المصادر التي تلفت الى أنّ "الفيتو" على باسيل قد ينسحب "فيتو" مقابل على تسمية الحريري. تعود المصادر لتكرّر أنّ لا شيء محسوما، وما يكون عقدة قوية ظهر اليوم، قد لا يكون كذلك مساء.
ورغم أنّ المصادر لا تُخفي أنّ حظوظ الحريري راجحة، إلا أنها في المقابل تؤكّد أنّ "خيارات قصر بعبدا مفتوحة على كل الاحتمالات"، خصوصاً أن المسألة تتوقّف عند بعض النقاط، وعليه فإنّ المشاورات ستظل قائمة ريثما يتم الاتفاق على مسودة اتفاق بين الأطراف للبدء بالاستشارات. مصادر قصر بعبدا توضح لموقعنا أنّ موعد الاستشارات لم يحسم بعد، متحدّثة بصراحة أنّ المشاورات هذه المرة ليست بسهولة المرات الماضية خصوصاً أن هناك خلافاً على شكل وصيغة الحكومة.
لا يوجد حكومة غير سياسية
مصادر مقرّبة من عين التينة تبدي رغبتها في حديث لموقع "العهد" بضرورة البدء بالاستشارات غداً أو بعد غد، كخطوة في سبيل الانقاذ واستدراك الوضع. بالنسبة اليها، فإنّ الحوار الذي يحصل على الساحة اللبنانية هدفه تذليل العقبات أمام مشاورات التكليف، أقله لناحية الاتفاق على العناوين الأساسية. وتعتبر المصادر أنّ في بلد كلبنان لا يمكن الحديث عن حكومة مصغّرة، لكن باستطاعتنا تشكيل حكومة غير "فضفاضة". ولدى سؤالها عن الأصوات المطالبة بتشكيل حكومة "تكنوقراط"، تستغرب المصادر كل ما قيل ويقال في هذه النقطة. برأيها، لا يوجد حكومة غير سياسية حتى "التكنوقراط". مقاربة الموضوع بهذه الطريقة فيه شيء من "المغالطة"، فلا مجلس وزراء بلا وظيفة سياسية. الحكومة هي من تضع سياسة الدولة وهي المسؤولة عن تنفيذها. على سبيل التبسيط، فلنفترض أن هناك اعتداء "اسرائيليا"، كيف سيتصرّف لبنان؟ ماذا نقول؟ لدينا وزراء "تكنوقراط" لا دخل لهم في السياسة؟ أزمة اللاجئين مثلاً أليست بأزمة سياسية؟. حتى أنّ هيئة الاشراف على الانتخابات النيابية من يختارها أليست الحكومة؟.
تعطي المصادر الكثير من الأمثلة لتخلص الى القول إنّ الحديث عن حكومة "التكنوقراط" بلا سياسة ليس واقعياً خصوصاً في لبنان، فوضع سياسة البلاد الخارجية يشكّل إحدى وظائف الحكومة، وبالتالي فلا غنى عن الحكومة السياسية.
إذاً، لا شيء محسوماً حتى الساعة فيما يخص المشاورات التي قد تكون كل يوم في شأن، إلا أنّ ما بات محسوماً هو تكثيف المشاورات والاتصالات للاسراع في التكليف، بانتظار تذليل العقبات النهائية.