معركة أولي البأس

خاص العهد

22/10/2019

"انتزاع" مساهمة المصارف في الانقاذ.. أهم ما في الورقة الاصلاحية

فاطمة سلامة

لم يكن سهلاً مطلقاً الاختبار الذي مرّت وتمر به الحكومة اللبنانية. منذ أشهر لا حديث يعلو على حديث "لقمة العيش". بلغ "الضيق" الاقتصادي حداً غير مسبوق ربما في تاريخ لبنان. تسارعت الأزمات المالية والمعيشية، حتى بات "رغيف الخبز" مهدداً. استحالت الوسائل الإعلامية الى منصات تطرح وتُحلّل وتناقش كل ما هو اقتصادي في البلد. أغلبية الآراء التي أتت على لسان محللين وخبراء كانت متشابهة الى حد ما. لنبتعد عن الضرائب التي تطال ذوي الدخل المحدود، والبدائل عنها كثيرة. فأمام الدولة عشرات الخيارات التي تؤمن موارد مهمة للخزينة. كَلّ لسان أصحاب الاختصاص من الحديث عن تلك المقترحات. إشراك المصارف في الإنقاذ كان على رأسها، إلا أن المس بكتلة أرباح المصارف كان من "المحرمات"، والحجج لذلك كثيرة. اليوم، اختلف المشهد، وما لم تستطع الحكومة إقراره في سنوات، استطاعت فعله في أيام قليلة. اقتنعت وأخيراً بكل تلك البدائل والتدابير، فقدّمت ورقة إصلاحية "مهمة" أدرجت على بنودها إشراك المصارف في الانقاذ. ورقة وُصفت بالنوعية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ لبنان. ولا نبالغ إذا قلنا إنّ مواطنين كثرًا من الذين تسمّروا أمام شاشات التلفزة للاستماع الى بنود تلك الورقة، ظنوا أنفسهم "يحلمون". بعضهم عبّر عن رأيه بالمزاح مشيراً الى أنّ لبنان استحال "سويسرا" أو "السويد".

ولا شك أنّ الورقة الاصلاحية وبما تضمنته من بنود مهمة، سيبقى موضع "شك" من قبل كثيرين، خصوصاً أن لبنان يعاني من أزمة ثقة حقيقية بين الدولة والسلطة، وهذا ما جعل كثيرين يرددون أنّ العبرة تبقى في التنفيذ. ولا شك أيضاً أنّ انتزاع مساهمة المصارف في الانقاذ كان من أهم البنود الـ24 التي أقرت في الخطة عبر فرض ضريبة دخل استثنائية على المصارف  لسنة واحدة في العام 2020 بما يؤمن مبلغ 600 مليار ليرة لبنانية، وعبر مساهمة مصرف لبنان بخفض خدمة الدين العام لسنة 2020 بنسبة 50 % (4,500 مليار). وذلك بعد أن جنت المصارف أرباحا خيالية جراء الامتيازات والهندسات المالية وقد قدرت أرباحها منذ عام 1992 حتى 2018 بـ17 مليار دولار، يُضاف اليها 5.5 مليار دولار خلال فترة قصيرة من عام 2018. فما أهمية الورقة الاصلاحية؟ وما أهمية انتزاع مساهمة المصارف في الانقاذ؟.

الخبير المالي والاقتصادي الدكتور شربل قرداحي -الذي شارك في المشاورات التي عقدها رئيس الحكومة سعد الحريري للنقاش في الورقة الاصلاحية- يتحدّث لموقع العهد الاخباري عن تلك الورقة، فيشير الى أننا أمام تطور مهم جداً، فللمرة الاولى استطعنا أن نخفّض العجز لما يقارب الصفر (0.63). صحيح أنّه تخفيض مؤقت لعام واحد لكنه يعطينا جرعة "أوكسيجين" كبيرة نستطيع من خلالها أن نتنفّس اقتصاديا وماليا. وفي هذه النقطة عودة كبيرة عن عدد مهم من الامتيازات التي كنا نطالب القوى الأخرى بالتراجع عنها ولكننا –للأسف الشديد- لم نفلح، فالقوى كانت مصرة على المحافظة على امتيازاتها سواء فيما يخص الفوائد أو لناحية الاستمرار بعرقلة خطة الكهرباء وبمواضيع متنوّعة. الآن هناك قسم كبير من هذه الحواجز أُزيح ونتمنى أن يذهب مجلس النواب باتجاه اقرار ما اتفقت عليه الحكومة أمس خصوصاً فيما يتعلق باقرار الموازنة بشكل سريع في الهيئة العامة.
 
قرداحي -المستشار الاقتصادي في تيار "لبنان القوي"-، يؤمن أنّ أهم تدبير في الموازنة هو مساهمة مصرف لبنان والقطاع المصرفي حيث تم التراجع عن جزء من الامتيازات التي تمكن هذا القطاع من تحصيلها خلال الثلاثين عاما الماضية، على أن تسترد الخزينة منه جزءا معقولاً من تلك الأموال. وهنا يشير قرداحي الى أن مساهمة مصرف لبنان والمصارف عبر ضريبة الدخل الاستثنائية، شكّلت الأساس
لنتمكّن من تخفيض العجز الى ما يقارب الصفر في موازنة العام 2020، وهي خطوة كانت تجابه برفض كبير في السابق، رغم أننا طرحناها عدة مرات.  أتمنى أن يكون لهذه الخطوة مثيلاتها في السنوات القادمة لكي نساعد الخزينة، يتابع قرداحي.

وفيما يبدي البعض تخوفه من خطوة "الخصخصة" وإشراك القطاع الخاص في أكثر من ملف خصوصاً الاتصالات، يُشدّد قرداحي على ضرورة الابتعاد عن الخوف اذا ما جرت هذه العملية وسط جو من الشفافية المطلقة بعيداً عن أي احتكارات جديدة. برأيه يجب أن ينصب الهدف نحو تأمين عائدات للخزينة مع محافظة الدولة على جزء من الملكية  20 أو 30 أو 40  بالمئة في القطاعات الأساسية شرط أن نتفادى أي احتكارات جديدة. وأهم من هذا كله –برأي قرداحي- أن تكمن القيمة العادلة لهذه الأصول في ما تتقاضاه الدولة وليس أن يكون هناك تقديرات مجحفة بمعنى إجراء التقديرات العادلة والمنطقية.

وحول وقف الانفاق الاستثماري غير المجدي، يقول قرداحي "ان الدولة عملت على إيقاف الاستثمار في صندوق مجلس الجنوب، ومجلس الانماء والاعمار، وصندوق المهجرين، وهذا اعتراف واضح من السلطة أن هذه الصناديق شهدت هدراً على مدى 30 عاما ً". ولا ينسى الخبير المالي والاقتصادي أن يدعو الى إقرار مشروع ضمان الشيحوخة (مشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية) النائم منذ  سنوات طويلة وطويلة في الأدراج.

يؤكّد قرداحي "دعونا منذ زمن بعيد كافة الافرقاء في الوطن والشركاء للتراجع عن الامتيازات التي تكونت خلال الثلاثين عاماً فلا يمكن الاستمرار بها، وقلنا لهم إن التراجع المتدرّج عن بعض الامتيازات يحمي كل الامتيازات، واليوم أجدد الدعوة للشركاء في الوطن للتراجع عما تبقى من امتيازات أيضا بشكل متدرج للحفاظ على الهيكل فلا يمكن الاستمرار بالطريقة التي أديرت بها البلاد منذ زمن".  برأيه، لا يمكن الاستمرار لأن تداعياتها كبيرة جداً على الناس، بل يجب تحقيق الاصلاح واستكماله  بكل مؤسسات الدولة من المرفأ الى المطار مروراً بالوزارات وليس انتهاء بالقطاعات على اختلافها .

ويختم قرداحي حديثه بالاشارة الى أن "ما جرى جيد لكن يجب استكماله في المرحلة المقبلة عبر معالجة الفساد بشكل أشمل، ويجب أن نتنبّه من أن لا يُجيَّر الانتعاش المالي والاقتصادي لمصلحة قوى الاحتكار التجاري والمالي وقوى السلطة المتحكمة في الكثير من مفاصل الوطن، بل يجب "فكفكة" الاحتكارات حتى الوصول الى اقتصاد مفتوح يساعد الناس على أن تعيش بحرية وكرامة".

مصرف لبنانالورقة الإصلاحية للمالية العامة في لبنان

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل