خاص العهد
تونس رهينة صندوق النقد الدولي
تونس - روعة قاسم
يتخوف التونسيون كثيراً، خلال شهر يناير/ كانون الثاني، من توسع رقعة الإحتجاجات الإجتماعية التي اجتاحت مناطق عديدة من البلاد في الفترة الأخيرة مطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية الصعبة التي تسببت فيها السياسات الحكومية الخاطئة. فكل شيء يوحي بأن الأوضاع تسير نحومزيد من التأزم مع إصرار الإتحاد العام التونسي للشغل على المضي قدما في الإضراب العام المقرر أواسط هذا الشهر ومع انتفاضة قطاعات عديدة احتجاجا على قانون المالية الجديد الذي أثار الكثير من اللغط.
ولعل الهدوء الإستثنائي واللافت الذي تشهده الخضراء هذه الأيام بمناسبة احتفالات نهاية السنة هو ذلك الذي يسبق العاصفة باعتبار أن مواعيد التحركات المنظمة معروفة ومحددة سلفا من قبل أكثر من جهة نقابية، ناهيك عن التحركات العفوية التي لم تنقطع في بعض الجهات الداخلية. فإن كان المحامون، الذين خرجوا لتوّهم من إضراب عام واعتصامات احتجاجا على قانون المالية، قد حققوا مطالبهم من خلال القضاء الذي انتصر لمطالبهم، فإن أساتذة التعليم الثانوي ما زالت تحدوهم الرغبة للاحتكام إلى الشارع تحقيقا لمطالبهم المعيشية.
إصرار على المطالب
في هذا الإطار تعتبر أستاذة التعليم الثانوي إيمان النمري في حديثها لموقع "العهد" الإخباري، أن الأساتذة ونقابتهم لن يتراجعوا قيد أنملة عن مطالبهم المشروعة التي تتمثل في تحسين الأوضاع المادية والتي في باطنها دفاع عن المدرسة العمومية التي تستهدف من قبل الحكومات المتعاقبة بعد "الثورة" وقبلها. فهناك رغبة حقيقية، بحسب محدثتنا، في ضرب التعليم العمومي من خلال تفقير العاملين فيه وذلك استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي الذي باتت رئيسته كريستين لاغارد هي الحاكة بأمرها في البلاد ولا يمكن أن يرفض لها طلب من قبل القائمين على شؤون البلاد.
تضيف إيمان النمري قائلة: "لدى نقابتنا قدرة على الحشد تفوق قدرة الأحزاب السياسية وقد تجلى ذلك خلال التجمع الأخير الذي كان مسرحه شارع الحبيب بورقيبة بقلب العاصمة والذي لم يحرك الحكومة للاستجابة لمطالبنا العادلة. لذلك لا مفر من التصعيد مع حكومة لا تقيم وزنا للمربين وتتعامل معهم بفوقية وتغلب عليهم إملاءات صندوق النقد الدولي الذي يعلم القاصي والداني رأسماليته المتوحشة التي لا تقيم وزنا للمسائل الإجتماعية".
رفض الوصاية
ويرى المحامي والباحث في المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق محمد درغام في حديثه لموقع "العهد" الإخباري أن تونس اليوم باتت رهينة لدى صندوق النقد الدولي بعد أن تراجع تصنيفها الإئتماني السيادي بعد "الثورة" وباتت دولة لا تحظى بثقة المؤسسات المالية الدولية وهي التي كانت تحتل أولى المراتب. ولكي يتم إقراض تونس، بحسب محدثنا، وجب أن تكون هناك دولة أخرى ضامنة عند عدم السداد وتعرض الولايات المتحدة خدماتها في هذا الإطار، أو ترهن قرارها لصندوق النقد الدولي الذي يمنح لكن بشروط، منها رفع يد الدولة عن أغلب القطاعات وخصخصتها بالكامل وإيقاف الدعم للمواد الأساسية ما يتسبب في ارتفاع الأسعار والتضييق على معيشة المواطن.
يضيف المحامي والباحث التونسي قائلا: "إن رفع السر المهني عن عمل المحامي لصالح إدارة الجباية والذي احتج من أجله المحامون قبل أن يلغي القضاء الفصل المتعلق به في قانون المالية، كان أحد مطالب صندوق النقد الدولي الذي بات يتدخل في كل كبيرة وصغيرة، ويذكر التونسيين بالكومسيون المالي الذي نصبته فرنسا وصيا على الإقتصاد التونسي قبيل استعمار البلاد بحجة استرجاع ديونها. وعلى الشارع التونسي بمختلف مكوناته أن يرفض هذه الوصاية لهذا الصندوق المخرب للإقتصاد الوطني ولوصاية من يقف وراءه لأن دولتنا كانت وستبقى دولة اجتماعية تراعي الطبقات الكادحة والفقيرة خلافا لما تريده كريستين لاغارد وزبانيتها".