معركة أولي البأس

خاص العهد

26/09/2019

"العهد" في محردة بريف حماة الشمالي: أجراس الكنائس تحتفي بالحرية


محمد عيد

لم تتوقف أجراس الكنائس في مدينة محردة الواقعة بريف حماة الشمالي يومًا، حتى في أشد حالات الحصار التي فرضها الإرهابيون على المدينة المسماة بمدينة الشمس. لكن الجديد أن أجراس كنائس المدينة الطاعنة في التاريخ قرعت هذه المرة، ليس لتأبين شهيد ارتقى بقذائف الإرهابيين ولا لإقامة قداس على روح عائلة تفجرت شظايا قذيفة في أجساد أبنائها، بل قرعت لتعلن محردة مدينة آمنة بفضل رجال الجيش العربي السوري ولأول مرة وبشكل كامل منذ اندلعت شرارة الأزمة في سوريا قبل أعوام ثمانية.

في حضرة الأمان

كانت حبات العنب المحرداوي الأصفر والشهي تلوح وراء زجاج نافذة سيارتنا وهي تشق طريقها نحو مدينة محردة في ريف حماة الشمالي. ومحردة تعني مطلع الشمس التي اختزنت حبات العنب أشعتها فلمعت أمام عيون بعض العابرين الذين أوقفوا سياراتهم ليكونوا ضيوفًا على الكروم دون أصحابها، على قاعدة أن الكرم أكرم من صاجبه، مع علمهم بطبيعة أهل المدينة الذين لا يضيرهم أن يتبارك كرمهم بزيارة عابر طريق. وصلنا إلى المدينة بعدما خلعت عنها درع الاستنفار الذي لازمها لسنوات طويلة عانت فيها من لعنة الجغرافيا التي جعلتها تجاور بلدات خرجت طويلًا عن سيطرة الجيش السوري، ووجد مسلحوها في محردة فرصة للي ذراعه عبر استهداف أهلها بأكثر من عشرة آلاف قذيفة صاروخية ارتقى على أثرها عشرات الشهداء ومئات الجرحى. وكانت الضريبة الأكبر من الشهداء قد دفعت تزامنًا مع العملية العسكرية التي خاضها الجيش السوري في ريف حماة الشمالي والتي كان من جملة أهدافها تخليص بلدات محردة والصقيلبية وغيرهما من تأثير منصات الصواريخ المجاورة التي كانت ترمي حممها بلا رحمة على المدينة الآمنة ومحطتها الحرارية الهامة التي كانت تخدم المنطقة بأكملها.

"العهد" في محردة بريف حماة الشمالي: أجراس الكنائس تحتفي بالحرية

فشل الإرهابيون في تعكير العلاقة بين الجيش وأهالي محردة الذين لم تمنعهم العلاقة الودية التي جمعتهم تاريخيًا بجيرانهم من إدراك أن هناك فصائل متعصبة صادرت حرية هؤلاء الجيران ووضعت قسما منهم في خانة الأعداء، ولذلك بقي الالتفاف حول الجيش السوري العنوان الأبرز لأهالي محردة الذين شكلوا جدارًا استناديًا حمى ظهره وشد من أزره.

تاريخ من المعاناة

لم يعد هناك مكان للقلق والخوف في محردة. لعل هذه كانت أكثر جملة طرقت أسماعنا ونحن نتجول بين شوارع البلدة. لسنوات خلت أوشكت المدينة على السقوط أكثر من مرة وخصوصًا عندما استولى الإرهابيون على جارتها حلفايا. يومها عززت لجان الدفاع المدني من تنسيقها مع قوات الجيش التي رابطت في محيط المدينة للدفاع عنها. تروي أليسا لموقع "العهد" الإخباري كيف كانت نساء محردة يُقمن مطاعم في بيوتهن ويحملن الطعام الساخن إلى رجال الجيش وشباب البلدة المقاتلين إلى جانبه.

لكن الخرق الأبرز الذي حصل في محردة كان قيام إرهابي صيف العام 2006 بتفجير سيارة مفخخة في الحي الغربي من المدينة الأمر الذي أدى إلى استشهاد خمسة من أبنائها وإصابة عدد آخر بجروح بالإضافة الى ارتقاء عائلات بأكملها جراء القذائف التي كانت تسقط على بيوت الأهالي في محردة.

الوجه الصناعي للمدينة يعود مجددًا

رغم التربة الخصبة التي تقوم عليها بلدة محردة وانصراف قسم كبير من أهلها لزراعة الكرمة وأشجار الزيتون، إلا أن محردة بلدة ذات وجه صناعي معروف حيث تشتهر بصناعة المنتجات الغذائية والزراعية والمشروبات الغازية وبعض الصناعات الأخرى.

"العهد" في محردة بريف حماة الشمالي: أجراس الكنائس تحتفي بالحرية

 يروي طوني صاحب ورشة تصليح سيارات لموقع "العهد" الإخباري كيف تأثرت ورشته وغيرها من المعامل في محردة بصواريخ الإرهابيين وخصوصًا في المرحلة التي كان الجيش السوري يخوض فيها أشرس المعارك في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي. حينها كان الإرهابيون يعجزون عن مواجهة الجيش فيصبون جام غضبهم على أهالي محردة والصقيلبية، الأمر الذي أدى إلى توقف شبه كلي لحركة الصناعة ولأي نشاط آخر. وعندما تمكن الجيش السوري من الدخول في ريف إدلب الجنوبي والسيطرة على البلدات هناك، تراجعت حدة هجمات الإرهابيين بالصواريخ على المدينة بشكل ملحوظ نتيجة قدرة الجيش على تحييد منصات الصواريخ التابعة للإرهابيين وتدميرها. ومع دخول الجيش لبلدة خان شيخون وتحريرها بالكامل، تنفس أهل محردة الصعداء وعادت المدينة إلى طبيعتها التي كانت عليها قبل الأزمة مركزًا صناعيًا هامًا تجوب منتجاته مناطق عديدة من سوريا، فالأمان قد أرخى بظلاله مجددًا ورؤوس الأموال المرصودة لمشاريع صناعية لن تجد أفضل من مدينة محردة ليستقر بها المطاف.

عودوا فالديار آمنة

تفتخر محردة بوجود نسبة تعليم عالية في صفوف أبنائها وشهادات جامعية وعقول وشعراء وكتاب فضلًا عن أن مفخرة سوريا الرياضية بطلة العالم والأولمبياد لألعاب القوى غادة شعاع تنحدر من هذه المدينة التي شهدت نزيفًا كبيرًا لأبنائها المميزين الذين استقر بهم المطاف خارج سوريا على خلفية الأحداث وإن بقيت قلوبهم معلقة بما يجري داخل مدينتهم ووطنهم.

مختار محردة الذي رحب بنا أيما ترحيب وجد في أجواء الأمان التي طبعت المدينة بشكل نهائي فرصة لمناشدة هؤلاء من أجل العودة إلى محردة وخدمة وطنهم فيها ومنها. دمعت عينا الرجل وهو يعدد هذه الأسماء الوازنة لرجالات محردة وسيداتها المتواجدين في المغترب فيما أخبر آخرون موقع "العهد" الإخباري أن شيئا من هذا الأمر سيتحقق مع إبداء العديد من هؤلاء استعدادهم للعودة.

قبيل غروب الشمس اخترنا أن نعود نحن كذلك، كانت عناقيد العنب في طريق العودة تختفي تحت الظلام المترامي على الكروم المجاورة لكن أهل محردة كانوا قد كفوا ووفوا عندما أصروا على أن يكون العنب المحرداوي الشهير جزءا من ضيافتهم لنا فبقي طعمه اللذيذ حاضرا في أفواهنا الى رحلة الإياب.

 

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل