خاص العهد
موقع "العهد" يلتقي الأهالي الخارجين من مخيم الركبان: تَرَكْنا الجحيم وراءنا
محمد عيد
اقتربت السيرة المخزية لمخيم الركبان من نهايتها، فالأيام القليلة القادمة ستشهد خروج المزيد من المدنيين باتجاه بلداتهم وقراهم الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية التي استقبلت مواطنيها في المخيم بما يليق بصبرهم.
موقع "العهد" الاخباري التقى بأهالي مدينة تدمر التي هجّروا منها إلى مخيم الركبان على الحدود السورية - الأردنية وعادوا مرة ثانية بعدما نجحت الجهود الحكومية السورية في تأمين عودتهم بسلام وبشكل نهائي.
خروج نهائي للأهالي
آخر الأخبار الواردة من مخيم الركبان تقول إن هذا المخيم - السيئ الصيت على الصعيد الانساني - على وشك أن يفكك بعدما أذن المجتمع الدولي بتفكيكه وتحت إلحاح الحكومة السورية وحلفائها على ذلك. مصدر رسمي في محافظة حمص السورية أكد لموقع "العهد" الإخباري أن وتيرة خروج المدنيين السوريين من المخيم الواقع في أرض صحراوية قاحلة في أقصى شمال شرق الأردن بالقرب من الحدود مع سوريا والعراق ستزداد باتجاه المناطق التي تعيش بأمان تحت سيطرة الحكومة السورية.
المصدر أوضح أن الدفعات القادمة ستكون الأخيرة في ظل رغبة نحو ثمانية آلاف شخص بمغادرة المخيم بشكل نهائي فيما يرفض حوالي 12 ألف شخص آخر مغادرته لأسباب تتعلق برغبتهم بالبقاء في منطقة الـ 55كم، كما أبقت بعض عوائل المجموعات المسلحة على ارتباطاتها بمن حمل السلاح من أبنائها فاختارت الانتقال نحو شمال البلاد رغم إبقاء الحكومة السورية باب التسوية مفتوحًا أمام الجميع.
في هذا الاطار، أكد المصدر الرسمي السوري لموقع "العهد" الإخباري أنه "بمجرد خروج آخر دفعة من المدنيين فإنه سيتم تفكيك المخيم بشكل نهائي فيما سيتم نقل الباقين إلى منطقة أخرى قد تكون أقرب إلى نقطة التنف الحدودية المحتلة من قبل القوات الأمريكية".
في ضيافة العائدين إلى بيوتهم مجددًا
إلى تدمر كانت وجهتنا، فالكثير من أهالي المدينة ممن هجرتهم "داعش" وأخواتها إلى مخيم الركبان عادوا بأمان الحكومة السورية هذه المرة إلى بيوتهم في المدينة التي اقتحمها التنظيم التكفيري مرتين باستثناء مجموعة صغيرة من الأهالي بقيت في مراكز الإيواء المؤقتة في مدينة حمص. وقد أفادنا مصدر مطلع في محافظة حمص بأن حوالي 20 ألف مدني غادروا مخيم الركبان حتى الآن، وبدا واضحا أن اهتمام الجهات الحكومية بملف مخيم الركبان كان له الأثر الأكبر في تسريع عملية خروج هؤلاء من السجن الصحراوي الكبير الذي زُجوا فيه.
وصلنا إلى تدمر. كانت عيون العائدين من مخيم الركبان تجول في الزوايا وبين البيوت التي غص محيطها بالتجمعات فيما كانت سيرة ما كانوا يعانونه في مخيم الركبان وما انتهوا إليه الآن القاسم المشترك الأكبر لأحاديثهم.
يروي أبو خالد لموقع "العهد" الإخباري كيف كان يعيش مع عائلته في "ذلك السجن الصحراوي المنسي والذي ضم إليه واحدة من أكبر المآسي الإنسانية". يتحدث الرجل الستيني عن المناخ القائظ صيفًا والبارد شتاء والعجاج الذي لا يفارق الصحراء فلا تستقر رماله إلا في العيون الحزينة للرجال والنساء والشيوخ والأطفال .
"كنا متروكين لقدرنا " يقول أحمد الذي أكد أن الغلاء الفاحش كان سمة كل شيء هناك، فالمنطقة التي يسيطر عليها "جيش العشائر"، الذي أنشأه الأردنيون من أبناء العشائر السورية، أحيطت بطوق أمني قدّم هواجس الأردن الأمنية على كل الاعتبارات الإنسانية التي شملت حياة المهجرين في المخيم، الأمر الذي ترك هؤلاء أحياء على شفير الموت. ولعل الموت اليومي للأطفال وخصوصًا الرضع منهم نتيجة المرض والجوع والبرد كان السمة الأساسية للمخيم. تذرع الأردنيون بالخوف من هجمات محتملة لـ"داعش" في المنطقة فمنعوا حتى المنظمات الإنسانية من دخول المخيم وجل ما قاموا به كان انشاء نقطة طبية متواضعة بجانب المخيم "لا يصل إليها إلا كل طويل عمر" بحسب ما تقول السيدة حفصة ( احدى الخارجات من المخيم) لموقع "العهد" الإخباري.
نشكر الحكومة السورية
رغم أنها قامت بواجبها تجاه مواطنيها، لكن الشكر الكبير للحكومة السورية من قبل الأهالي العائدين من مخيم الركبان كان علامة فرح استثنائية تختصر الهوة بين "ما كنا عليه وما أصبحنا فيه الآن" يقول أحمد لموقع "العهد" الإخباري، مؤكدا أن الأهالي حاولوا مرارًا الوصول إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية لكن جيش العشائر حال دون ذلك و"عندما فتح الطريق باتجاه حمص وأدخلنا الجيش السوري إلى بيوتنا التي عاد إليها الأمان مجددًا أصبح للحياة طعم آخر وشعرنا بقيمتنا كمواطنين تحرص حكومتهم على كرامتهم".
سقطت تدمر مرتين بيد "داعش" قبل أن يطهرها الجيش السوري مجددًا. من بين العائدين من مخيم الركبان من عايش هذا السقوط المزدوج الذي أفضى إلى مكوثه سنين في سجن الركبان الصحراوي المنسي، لكنه اليوم ومع دخول المساعدات الحكومية بكثرة إلى العوائل العائدة من جحيم الصحراء يشعر بأن مساحة الأمان باتت أكبر من أي وقت مضى وأن مخيم الركبان تحول إلى مجرد ذكرى مريرة ليس أكثر.