خاص العهد
السابعة صباحًا.. حين تجلت أولى لحظات العشق
محمد حسين
دقت ساعة السابعة صباحاً، ها هو وقت الإمام الحسين (ع)، والدة تجهز طفلها، تلبسه قميصه القاتم، ثم تنزل به إلى شوارع الضاحية الجنوبية. شوارعٌ تنتظر هذا اليوم لتلقى آلاف المحبين، أطفال وكهول، نساء ورجال.. ومنهم من ساندته عكازاته طول المسير، وآخرون حفاة لا يتعنّون بقساوة شمس الظهيرة.
ساعتان ويبدأ النّاعي تلاوة مصرع سيد الشهداء (ع). بصوت الشيخ علي سليم تُروى مصائب كربلاء واحدة تلو الأخرى، وصوت البكاء يصدح في سماء "الضاحية". بعدها يبدأ المسير، فترتفع الرايات السوداء، وتعلو صور الشهداء فوق رؤوس المعزّين، ثم يتجلى العشق عند قائد يشدّ عصبة عنصر كشفي، وأب يضم ولده إلى حضنه مرافقًا اياه الى المأتم، وكلٌ بملامح حزينة ترتسم على الوجوه والعيون الدامعة.
لحظات، وتعلو أصوات الرواديد عند كل مفترق، لترفع الأيادي اللاطمة، ويُعلِن الناس جِهارًا ما جاؤوا لقوله: "جينا نعاهد". هي معاهدة على الوفاء، والتمسك بالمقاومة. وبعد ساعة، يصل الجمع المعزّي إلى محط تجديد هذا العهد عند دوار "الكفاءات".
وصلوا، وكل واحد منهم يوزع نظراته بين الحضور تارة، ونحو المنصة تارة أخرى، ثم يجهز قبضته. وعندما يحين اللقاء، ترتفع القبضات مع الأصوات عاليًا: "لبيك يا نصرالله".
فلسطين أيضًا على عادتها، كانت حاضرة اليوم. فعلى يمين المنصة يُنصَب مجسم للقدس، وصورة لآية الله العظمى سماحة الإمام السيد علي الخامنئي(قدس) والسيد حسن نصرالله، وعبارة كتب عليها "سنصلي في القدس". الى حسين(ع) زماننا توجهت القلوب منادية: "أنبقى بعدك"، مجسدة أقوال أصحاب الإمام الحسين (ع).
انتهى المسير، وبدأت مرحلة العودة، تمامًا كما كانت البداية، بنظافة تليق بالحسينيين. عند أعمدة المسيرة، كانت "الأكياس" مجهزة لتوضع فيها النفايات، وكذلك تلك المجهزة لحفظ "أغطية" العبوات البلاستيكية لتقديمها لاحقًا إلى جمعية تعنى بالصم والبكم، فتتجلى رسالة الحسين (ع) بهذه المبادرات الإنسانية.
حسينيون هم، جاؤوا كما كلّ عام، لتجديد الولاء، وتأكيد العهد، بأنهم ثابتون في جهة مخيم أنصار الحسين (ع)، لن يخذلوه ولو قُطِّعوا ثم حُرِقوا ثم نُشروا في الهواء..