خاص العهد
القرارات المالية بيد مالكي المصارف.. والليرة مؤشر وهمي للإستقرار
تسارعت الأحاديث والتصريحات عن قرب انهيار ركيزة الاقتصاد اللبناني، الليرة. صمدت الليرة بوجة تحديات الخارج بدءا من الاغتيالات والحرب، الازمة الاقتصادية العالمية، وصولا لأزمة النزوح السوري ولكنها تقف حائرة كيف تصمد في ظل أزمات الداخل المالية والاقتصادية.
بعيد انتهاء الحرب الاهلية دخل لبنان مرحلة حكم جديدة، كان الهدف المتداول حينها إعادة الإعمار ورسم الوجه المالي والاقتصادي للبلد. انهارت الليرة لتصل الى أدنى مستوى في تاريخها 2755 مقابل الدولار الواحد في آب/ أغسطس 1992. انتهجت الحكومة سياستها المالية والنقدية حينها محددة الهدف، ثبات الليرة. وبقي هذا الهدف يرافق الأزمات وصولا الى عام 2018 لتبدأ هذه المنظومة بالتهاوي.
خلال هذه الفترة كان التطمين الرسمي في البلد دائم بأن الاقتصاد اللبناني بخير فالليرة بخير.. من هنا كانت البدايات، الليرة لم تثبت وحدها فقد عملت كل الادوات المالية والاقتصادية من أجل تثبيتها، وبالتالي هي لا تعكس واقع البلد الحقيقي، وما كانت هذه المقولة غير وسيلة لطمس الحقائق.
عمليا، يعمد المصرف المركزي الى التدخل ببيع الليرة عند ارتفاع قيمتها وشرائها وعند انخفاض قيمتها بشكل يومي. ومن أجل انجاز هذه العمليات لابد من وجود احتياطي عملات اجنبية تسمح بذلك. ونظراً لأن لبنان بلد الاستيراد، فلا عملات أجنبية تدخله عن طريق التبادل التجاري نسبياً، وبالتالي يقوم المصرف المركزي بتأمين الاحتياط اللازم عبر وسائل مختلفة منها جذب الرأسمال الخارجي عبر فوائد مرتفعة. وقد وصل متوسط معدل الفوائد على الودائع بالدولار الاميركي الى 4.36% في أيلول/ سبتمبر 2018 بارتفاع بنسبة 0.71% عن معدل العام الماضي كما وصل متوسط معدل الفوائد على الودائع بالليرة الى 7.39% في ايلول 2018 بارتفاع بنسبة 1.86% عن معدل العام الماضي. هذا الارتفاع بالفوائد يصحبه انخفاض في الاستثمار وبالتالي في الناتج المحلي وهو ما يعاني منه لبنان، علما أن أحد ايجابيات ارتفاع الفوائد هو انخفاض التضخم، الأمر الغائب عن الاقتصاد اللبناني. وبالتالي يعاني لبنان من سلبيات هذه السياسة ولا يستفيد من ايجابياتها.
بالعودة إلى مرحلة اعادة الاعمار، وقفت رحلة الدين العام أمام محطة العجز الدائم في الموازنة والاستدانة المتواصلة لتمويل هذا العجز الناجم عن الهدر والفساد اضافة إلى مشكلة كهرباء لبنان التي تكلف أضعاف المبلغ اللازم لبناء المعامل التي تلبي الحاجة جعلت لبنان ثالث أعلى بلد بنسبة الدين العام الى الناتج المحلي.
وبالنظر الى هيكلية الدين العام، فالنسبة الأعلى هي دين داخلي من المصارف اللبنانية بنسبة 53%. كما وارتفعت حصة الدين من العملة المحلية من إجمالي الدين العام من 49.51٪ في نهاية العام 2007 إلى 61.51٪ في نهاية 2015 و 61.43٪ بنهاية العام نيسان/ أبريل 2016 ، في حين أن الديون الأجنبية تضاءلت من 50.49 ٪ في 2007 الى 38.49٪ في نهاية عام 2015 ، قبل أن يرتد قليلاً إلى 38.57٪ في نهاية نيسان/ أبريل 2016. ولابد من الاشارة الى أن الديون بالدولار الأمريكي تمثل الجزء الأكبر أي 92.35٪ من الديون بالعملة الأجنبية.
سياسة الاسكان التي شكلت وسيلة لدعم العقارات من خلال قروض مدعومة توقفت فجأة وباتت فقاعة أسعار الشقق تحت خطر الانفجار بأي لحظة. وجمع كل هذه المعطيات يشير الى حقيقة واحدة، السياسة المالية والنقدية في خدمة أصحاب المصارف.
فالفائدة المرتفعة هي مؤشر لارتفاع أرباح المصارف: انخفاض الاستثمار يعني انخفاض الانتاج في القطاعات المختلفة وبالتالي حيازة المصارف على النسبة الأعلى من الناتج المحلي، الأمر الذي يحمي أي سياسة قد تقلص أرباحهم.
وما الدين العام الذي لم يخدم لبنان على أي صعيد بداية من البنى التحتية وصولاً الى انتاجية القطاعات، سوى وسيلة لزيادة ارباح المصارف.
وعليه، فإن مالكي المصارف هم أصحاب القرارات المالية والاقتصادية في الحكومة ما جعل المصالح الشخصية تتعارض مع المصلحة الوطنية. وثبات الليرة ليس سوى دليل على المصلحة التي سادت. فالليرة لم تكن سوى مؤشر وهمي لاستقرار الاقتصاد الذي انتهشته المصالح الفردية وجعلت منه اقتصادا هشا.
الليرة وإن سقطت فهي نتيجة سياسة منتهجة تغيب عنها الاهداف الوطنية بداية من تنمية القطاعات المختلفة وتحفيز الاستثمار وصولا الى استقرار سياسي أقله تشكيل حكومة.