آراء وتحليلات
الاقتصاد اللبناني حكر على المصارف
يوسف الريّس
تمحور الاقتصاد اللبناني منذ تسعينيات القرن الماضي حول القطاع المصرفي بحيث بات الركيزة الوحيدة لهذا الاقتصاد الصغير. فقد عمدت الحكومات المتعاقبة على حفظ مصالح المصارف وبات دعمها هدفها الوحيد وإن على حساب القطاعات الأخرى حتى أصبح القطاع المصرفي مسيطرًا على النظام المالي. وتستمر السلطة الحالية في المضي قدمًا في سياسة تعويم المصارف في موازنة 2019 بحيث لا تمس مصالح هذا القطاع رغم الخطة التقشفية التي طالت جميع القطاعات واتجهت نحو المس بالطبقات المتوسطة والفقيرة مبتعدة عن المصارف.
تشكل أرباح المصارف المتنامية مؤشرًا على حقيقة مقولة أن "الدولة في خدمة رؤوس الأموال". فقد حقق بنك "عودة" مثلًا أرباحًا في الربع الأول من العام الحالي تساوي 121.68 مليون دولار أي بزيادة بنسبة 6.67% مقارنة بالعام الماضي. أمّا "بنك لبنان والمهجر" فقد حقق 117.15 مليون دولار كأرباح صافية في الربع الأول من هذا العام أي بزيادة 0.28% مقارنة بالعام الفائت.
هذه الأرباح في ظل الواقع الاقتصادي المترهل هي نتيجة عزل هذا القطاع عن الأزمات اللبنانية، وبتكاليف باهظة تمثلت بهندسات مالية متعاقبة على حساب الدولة، وباستثناءات ضريبية أنهكت الموازنة.
يشير تقرير مشترك لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتقييم القطاع المالي في لبنان عام 2015 إلى أن 66 مصرفًا في لبنان يسيطرون على 97% من أصول النظام المالي المقدرة بنسبة 397% من الناتج المحلي الإجمالي. كما يؤكد هذا التقرير عدم صحة الحجم الضخم للقطاع المصرفي اللبناني نسبة لحجم الاقتصاد اللبناني وهيكليته.
رغم هذا التقييم، لا يزال المصرف المركزي وإلى جانبه السلطة المالية المتمثلة بالحكومة يلتزم سياسة التنفيع لصالح المصارف.
أبرز ما تقدمه الدولة اللبنانية للقطاع المصرفي:
- الفوائد المرتفعة لجذب العملات الأجنبية بهدف تثبيت العملة وبالتالي أرباح مضاعفة نتيجة للسياسة النقدية اللبنانية.
- الهندسات المالية والتي ستكلف الدولة ما يتعدى الـ15 مليار دولار خلال 10 سنوات.
- الضرائب المنخفضة على أرباح المصارف تحت ذريعة الحفاظ على الاستثمارات في القطاع المصرفي للإبقاء على توازنه.
- دعم قطاع العقارات عبر قروض الإسكان المدعومة من المصرف المركزي لتجعل معظم استثمارات المصارف في هذا القطاع لتشكل القروض لقطاع العقارات 41% من إجمالي القروض.
- يشكل الدين العام مصدر أرباح للقطاع المصرفي في ظل الاستدانة الدائمة والمتنامية للدولة من المصارف.
في المقابل إن المصارف تعتمد سياسة استنزاف الدولة والمقترضين بحيث لا تقوم بتسهيل القروض الإستثمارية بل تقتصر أعمالها على جني الأرباح من القروض الإستهلاكية متجاهلة بذلك أن اقتصاد الدولة مترابط والإبقاء على هذه السياسية في ظل تراجع الاستثمار الخارجي وفرص العمل سيودي بالمقترضين الى عدم السداد وبالتالي لا تعود فرضية وضع اليد على الضمانات كافية بحيث ستفقد هذه السلع قيمتها.
إن السياسة النقدية التي تروّج إلى أن ثبات الليرة هو ضمانة الاقتصاد ستغرق مع غرق الأسواق اللبنانية في الكساد بسبب الفوائد المرتفعة التي تجمّد حركتي الإستثمار والإستهلاك.
كذلك الأمر إن السياسة المالية المراعية للقطاع المصرفي على حساب القطاعات الأخرى في ظل تنامي الدين العام والعجز المستمر في الميزانية والابتعاد عن خطط تدعم الاقتصاد الحقيقي للبلد ستولد إنفجار لفقاعة الاقتصاد اللبناني المتمثلة بالليرة.
إن اقتصاد الدولة يتم اختزاله بالسياستين النقدية والمالية ومدى تفاعلهما مع السوق. التراخي في السياستين (النقدية والمالية) ووضع القطاع المصرفي على سلم أولويات الدولة اللبنانية غير آبهين بالواقع المتأزم والمؤشرات الاقتصادية، يؤدي الى تردي الوضع وارتفاع أسعار صرف الليرة لدى الصرافين لتصل إلى 1530 ليرة لبنانية في مقابل الدولار الواحد في الإسبوع الماضي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024