آراء وتحليلات
اقتصاد الارهاب
محمد محمود مرتضى
في بعض بلدان غرب إفريقيا، كبوركينا فاسو مثلا، تستغل الجماعات الإرهابية الاتصالات والمرافق والدوائر المالية الرسمية وغير الرسمية لتحقيق نوع من بالازدهار في مناطقها المدمرة. وقد يحلو للبعض أن يطلق على هذا النشاط اسم "اقتصاد الإرهاب". في وقت تقف فيه تلك الدول عاجزة عن التصدِّي لتلك المجموعات التي تواصل تطوير أعمالها الارهابية.
يشكل تمويل الإرهاب مصدر قلق كبير لبوركينا فاسو ودول الساحل، ما يطرح تساؤلات عن كيفية إيقاف دوامة العنف؟
شهدت بوركينا فاسو (283) هجومًا إرهابيًّا أودت بحياة أكثر من 500) ضحية، و(300) جريح، خلال فترة ما بين الرابع من نيسان/ أبريل من العام 2015 والسادس عشر من حزيران/ يونيو 2019م، وذلك بحسب الإحصائيات التي نشرتها وزارة الدفاع الوطني وشؤون المحاربين القدامى في بوركينا فاسو، في تقريرها الأخير.
يثير الإرهاب الرعب والقلق، لكنه في الوقت نفسه يُشكِّل فرصة لكسب الأموال.
وعلى أي حال، يعرّف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تمويل الإرهاب بأنه "مساعدة مالية، بأيّ شكل من الأشكال، للإرهاب أو لأولئك الذين يشجّعون أو يفكّرون أو يشاركون فيه". وهذا يشمل تمويل الأعمال الإرهابية والإرهابيين والمنظمات الإرهابية. وفي هذا السياق، قامت بوركينا فاسو بسن تشريع حول مكافحة تمويل الإرهاب.
فوفقًا للمادة (4) من القانون، فإن تمويل الإرهاب هو عبارة عن "كل مخالفة مرتكَبَة بأيّ طريقة كانت، بشكل مباشر أو غير مباشر، وعن قصد في توفير أو جمع أو إدارة أو محاولة توفير أو جمع أو إدارة الأموال والممتلكات أو الخدمات المالية أو غيرها، بقصد رؤيتها مستخدَمة أو بسابق معرفة بأنها ستُستخدم، كليًّا أو جزئيًّا، في ارتكاب أيّ عمل يَستهدف قتل أو إصابة شخص مدني أو أي شخص آخر لا يشارك مباشرة في الأعمال العدائية في حالة نزاع مسلح؛ حيث يهدف الفعل، بطبيعته أو سياقه، إلى ترويع السكان أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام أو الامتناع عن القيام بأي عمل".
وقد أوضحت النصوص أنَّ كل محاولة لتمويل الإرهاب يُعاقب عليها نفس العقوبات.
ووفقًا للبنك المركزي لدول غرب إفريقيا، فإن غسيل الأموال هو عبارة عن "تحويل أو نقل الممتلكات من قبل أيّ شخص يعلم أو كان يجب أن يعلم أن هذه الممتلكات ناتجة عن جريمة أو جناية أو من تورط في جريمة أو جناية، من أجل إخفاء أو تمويه الأصل غير القانوني لمثل هذه الممتلكات، أو لمساعدة أيّ شخص متورط في هذا النشاط على الإفلات من العواقب القانونية لأفعاله".
ومهما يكن من أمر، فإن غرب إفريقيا مُعرَّض للإرهاب وتمويل الإرهاب لسببين أساسيين:
1ـ معاناة المنطقة من انعدام الاستقرار السياسي، اضافة للعنف العرقي والمجتمعي، والفساد المزمن، والفقر، وارتفاع معدلات البطالة، لا سيما بين الشباب. وتقوم الحركات الارهابية باستغلال هذه الظروف الصعبة لاستقطاب عناصر جديدة من الشباب بشكل خاص.
2 ـ افتقار البلاد إلى القدرة على التحكُّم في حدودها. وهذا من نقاط الضعف التي يمكن أن تَستغله الجماعات الإرهابية لإنشاء قواعد تدريب، ونقل أسلحة وتوزيعها في جميع أنحاء المنطقة دون الإقليمية.. ففي بوركينا فاسو، كما الحال في عدد من البلدان الإفريقية، الحدود سهلة الاختراق فضلا عن وجود أراض خارجة على القانون أو مساحات غير محكومة بالقرب من الحدود.
على أنه يمكن رصد أربع آليات رئيسية لتمويل الإرهاب:
1ـ التجارة والأنشطة المربحة.
2ـ من خلال المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية والرسوم.
3ـ عن طريق تهريب الأسلحة والممتلكات والعملة الصعبة بواسطة ناقلي الأموال.
4ـ تمويل الإرهاب من خلال الاتجار بالمخدرات.
تقوم الحركات الارهابية بجمع الأموال من خلال مشاريع تجارية "مشروعة"، و"منظمات غير ربحية"، كما أنها تقوم باستغلال الموارد الطبيعية، والتبرعات الجماعية، وعائدات الأنشطة "الإجرامية": كالاختطاف من أجل الفدية، والاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، والاتجار بالبشر، وبالأسلحة الصغيرة والخفيفة.
تتم عمليات نقل وتحويل الأموال عبر شركات وهمي أو مهربين أو وسائل الدفع الجديدة مثل البطاقات المدفوعة مسبقًا، أو مدفوعات الهاتف المحمول، أو الأصول الافتراضية.
وفي نيجيريا، مثلا، تستخدم "بوكو حرام" النساء بشكل متكرِّر لإيصال الأسلحة والذخيرة والمال إلى الأعضاء؛ لأن رجال الأمن لا يُفتِّشون عادة.
وبمعزل عن الموارد المالية، فإن بعض المواطنين يقومون بإطعام واستضافة وتقديم معلومات للإرهابيين الذين يستخدمونها في عملياتهم. ففي إطار عملية "Doofu" على سبيل المثال، أُلقِي القبض على عدد من التجار، بما في ذلك "بائع الأرز" المعروف من قبل سكان "بيسيلا"، والذين كانوا يزودون الجماعات الإرهابية بالاحتياجات في "كايا" و"بسيلا".
من هنا تبدو الحاجة المُلِحَّة إلى زيادة تعزيز الأُطُر القانونية والتشغيلية الداخلية، من خلال تجريم تمويل الإرهاب تجريمًا تامًّا، وتطبيق عقوبات جنائية فعَّالة ومتناسبة ورادعة. كما أنه هناك حاجة أيضًا إلى تعزيز إمكانية تتبُّع الأموال للمنظمات والجمعيات الخيرية غير الربحية، مع ضمان عدم عرقلة أنشطة المجتمع المدني أو تثبيطها.
ولا بد من التذكير بوجود تدابير تتعلق بالعمل مع القطاع الخاص، وخاصة الصناعة الرقمية، ويهدف ذلك الى تعزيز التعاون بين منصات الإنترنت الرئيسية والشبكات الاجتماعية الرئيسية، مع وحدات الاستخبارات المالية والشرطة وأجهزة العدالة، والاستخبارات والتحقيق، لمكافحة تمويل الإرهاب ومحتويات الفكر الإرهابي على شبكة الإنترنت.
إن مكافحة الارهاب تقتضي التعاون الوثيق مع الذين يملكون الخبرات في هذا المجال، أي الخبرات في مكافحته بشكل جدي. ومن هنا فإن الامريكي، من هذه الناحية تحديداً، غير جدير بالثقة ابداً.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024