آراء وتحليلات
موازنة الحكومة اللبنانية 2019: المواطن في خدمة الأرقام!؟
محمد علي جعفر
عند إعداد الدول لمشروع الموازنة تسعى الهيئات المعنية للخروج بمشروع موازنة عامة يُحقق مجموعة من أهداف الدولة ويُساعدها على القيام بعددٍ من الوظائف. تُعتبر هذه الأهداف والوظائف، من المُسلَّمات التي يجب أن تُعبِّر عنها موازنة أي دولة. في لبنان تغيب هذه الأهداف والوظائف عن موازنة الدولة، وهو ما بات يحتاج الى توجه، خصوصًا عندما يُصبح مشروع الموازنة مشروعًا يُرسِّخ العقل الفاسد الموروث للنخبة الحاكمة. وهو ما يُفقد الموازنة دورها، حيث إن المطلوب أن تكون أرقامها في خدمة المواطن وليس العكس. فما هي الأهداف والوظائف التي يجب أن يُعبر عنها أي مشروع موازنة عامة؟ وعمَّا تُعبر موازنة لبنان 2019، وما هي بعض النقاط الأساسية التي كان يجب لحاظها؟
مشروع الموازنة العامة: أهم الأهداف والوظائف المطلوبة
مشروع الموازنة العامة، هو المشروع الذي يتضمن توفير وإعداد الموارد المالية العامة المطلوبة وتخصيصها لخدمة مشاريع الدولة الهادفة بالنتيجة لخدمة المواطن. ينبغي إعداد مشروع الموازنة بشكل يُساعد على تحقيق عدد من الأهداف الأساسية أهمها:
أولاً: تأمين الموارد المالية لتطبيق خطط التنمية الإجتماعية والإقتصادية الهادفة لتحقيق العدالة الإجتماعية.
ثانياً: تعزيز الحوكمة وتفعيل الرقابة على نشاط الدولة وتوفير معايير قياس الأداء الحكومي.
ثالثاً: تطوير ورفع مستوى خدمات الدولة تجاه المواطن عبر تفعيل عمل المؤسسات الحكومية وترشيد الإنفاق.
فيما يخص وظائف الموازنة العامة فهي تتركز في عدة وظائف أساسية:
أولاً: تخدم الموازنة الخطة الإستراتيجية للدولة. وهو ما يجعل الموازنة العامة مرتبطة بعملية التخطيط. يجب أن تؤمن الموازنة الموارد المالية اللازمة للمشاريع المختلفة للدولة.
ثانياً: الأخذ بالإعتبار ما تحتاجه إدارة الدولة من موارد لتنفيذ المشاريع فيما يرتبط بتخصيص الموارد البشرية الحكومية اللازمة والوحدات الحكومية المطلوبة.
ثالثاً: الحوكمة بما تعنيه من الرقابة على الإنفاق العام وتحديد الأسس التي يجب على أساسها إعداد تقارير الرقابة والتدقيق والمتابعة.
مشروع الموازنة العامة للحكومة اللبنانية وبعض النقاط الأساسية
الى جانب غياب الأهداف والوظائف الطبيعية لأي موازنة عامة عن موازنة الحكومة اللبنانية 2019، فإن عدداً من الملاحظات كفيل بإثبات أن هذه الموازنة ليست إلا تكراراً للموازنات السابقة، وكل الآمال التي رُوِّج لها كانت ضمن لعبة الإعلام والسياسة. من أهم هذه الملاحظات:
أولاً: غياب الرؤية التي تعالج عددا من المشكلات البنيوية التي تطال الواقع اللبناني، بدءاً من واقع الأزمة الإقتصادية لا سيما كيفية الإستفادة من موارد الدولة وتطوير القطاعات الإنتاجية.
ثانياً: غياب الأهداف التحديثية لأجهزة الدولة وغض النظر عن الحوكمة والرقابة على المال العام وبالتالي غياب ما يؤسس للإصلاح الإداري.
ثالثاً: غياب الأهداف الإنقاذية التي تطال بنية النظام والدولة، وهو ما يعكسه غياب التوافق السياسي على المصلحة العامة للدولة والمواطن.
رابعاً: غياب ما يُعالج الفساد والهدر في حين عبَّرت أرقام عن انفاق غير مُبرر عبر تمويل جمعيات وهمية وصرف اعتمادات لمشاريع غير خاضعة للرقابة.
إن موازنة الحكومة 2019 التي توصف بأنها تقشفية تصحيحية. هي في الحقيقة تقشفية على حساب المواطن، وتصحيحية للأرقام من أجل إرضاء بعض المؤسسات الريعية الدولية. فالإجراءات التقشفية للدولة نابعة من شعورها بالمسؤولية تجاه المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي وليس المواطن اللبناني. وهو ما يُثبته استهداف أرقام الموازنة لذوي الدخل المحدود وما تبقى من الطبقة الوسطى بالضرائب غير العادلة وبعض الرسوم غير المُبررة. هي موازنة لا ترقى إلى مستوى طموحات المواطن اللبناني، ولا الى الآمال التي عبَّرت عنها لعبة الإعلام والسياسة. بالإضافة الى ما تقدم، الموازنة غير قادرة على معالجة ما يتعرض له لبنان من تحديات محلية وإقليمية ودولية.
موازنة الحكومة اللبنانية 2019، ليست سوى ترجمة للعقل الموروث للطبقة الحاكمة عبر أرقام جديدة. وصدق من قال إنها موازنة يكون فيها المواطن في خدمة الأرقام بدل أن تكون الأرقام في خدمة المواطن!
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024