آراء وتحليلات
مخاطر "داعش".. تهويل أمريكي أم وقائع؟
محمد محمود مرتضى
رغم أن نشاط "داعش" الأمني لم يتوقف، الا أن حجم التهديدات التي يطلقها لا تتوافق مع حجم العمليات التي ينفذها، سواء في سوريا والعراق أو في أوروبا، ما يشير الى أن التنظيم أصبح قليل الحيلة منذ سقوط معاقله في سوريا والعراق وآخرها في الباغوز. ومع ذلك فان اصواتا غربية، وخصوصا أميركية، لا تزال تسوّق لجدية حجم التهديد الذي يمثله التنظيم.
لا شك أن أحدًا لا ينكر بقاء وجود تهديدات أمنية تمثلها عناصر "داعش" سواء تلك التي تغلغلت بين المدنيين، أو تلك التي لا تزال تتخفى في مناطق صحراوية كما يحصل في بعض المناطق في سوريا والعراق، الا أن تكبير حجم التهديد والمخاوف، خاصة أنه يصدر عن جهات أميركية، يثير الريبة ايضاً.
من دواعي الريبة هذه أنها غالبًا ما تترافق مع عودة الحديث عن انسحاب أميركي من سوريا، أو تعالي الأصوات التي تدعو لانسحابهم من العراق. وما يعزز هذا الارتياب أن معظم تحركات عناصر "داعش" تقع في مناطق "عمياء" لكنها محمية بقوات أمريكية ليست بعيدة عنها كما يحصل في محيط قاعدة "التنف" الامريكية الموجودة في سوريا.
في هذا السياق، يربط البعض (برادلي بومان المدير الأول لمركز القوة العسكرية والسياسية (CMPP) للمؤسسة للدفاع عن الديمقراطيات) بين الهزيمة المستدامة، ووجود إستراتيجيَّة شاملة تشمل معالجة الإيديولوجية الأساسية، وتشجيع "الحكومات الشاملة" في دمشق وبغداد للانخراط في هذا العمل. وهذا قول يجافي الحقيقة، اذ كيف يمكن العمل على معالجة الايديولوجية السياسية في ظل الدعم الكبير الذي تتلقاه السعودية من واشنطن، وهي المصدّر الأساس لهذه الايديولوجية.
هذه المقاربة لبعض الشخصيات ووسائل الاعلام الأمريكية تقترن مع عودة الحديث عن امكانية سحب واشنطن لقواتها العسكرية من سوريا. حيث ذكرت بعض وسائل الاعلام أن واشنطن تخطط، لسحب قواتها المعاونة للأكراد على الحدود السورية، وتعتبر أن ذلك قد يُشكل خطرًا بعودة داعش الى الساحة السورية ومن ثم العراقية.
واذ يؤكد جيمس جيفري، كبير المبعوثين الأمريكيين إلى سوريا، إن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا - الذي وعد به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستمر على قدم وساق. رغم أن قوات بديلة، لا سيما أوروبية، لم تعلن ‘ن استعدادها لتحل محل القوات الامريكية. بل إن دولًا مثل ألمانيا وفرنسا ترفضان إرسال قوات لتحل محل القوات الأمريكية المنسحبة، وهذا ما يعتبره محللون ينذر بأزمة.
ومهما يكن من أمر، فان ما يدأب عليه "داعش" منذ أشهر، من عمليات نقل لعناصره وتركيزه على مناطق أخرى في آسيا وافريقيا، يشي أن التنظيم ليس في وارد المخاطرة من جديد في زج وتجميع عناصره في سوريا والعراق بعد أن تحولت تلك المناطق الى "محرقة" تستنزف عناصر التنظيم، لا سيما وأن البغدادي استطاع، الى حد ما، تحويل تركيز التنظيم من المركز(سوريا والعراق) إلى الفروع، وفق ما أطلقنا عليه أكثر من مرة باستراتيجية الأذرع المتعددة.
وما يعزز امكانية تمسك البغدادي بهذه الاستراتيجية أنها أصبحت تنشر الفوضى على بقعة جغرافية كبيرة رغم عدم قوتها مقارنة بما كان يحصل في سوريا والعراق. ويؤكد ذلك بعض الاحصائيات في عام 2018 والتي ربطت "داعش" بثلاثة آلاف هجوم على الأقل في جميع أنحاء العالم.
فوفقًا للـ "بي بي سي"، أعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن أكثر من ثلاثماية هجوم في أفغانستان، وأكثر من مئة وثمانين في مصر، وحوالي ستة عشر هجومًا في الصومال، وأكثر من أربعين هجومًا في كل من نيجيريا واليمن، وسبعة وعشرين في الفلبين.
ومهما يكن من أمر، فسواء انسحبت القوات الأمريكية من سوريا أو لم تنسحب، إن الحفاظ على اليقظة الامنية أمر ضروري، ولا ينبغي التهاون أو التراخي في ذلك، لكن في نفس الوقت لا ينبغي التأثر بالتهويل الامريكي والمبالغة فيه، فإن قدرات "داعش" لم تعد كما كانت بعد خسارته للكثير من قياداته من جهة، ولعدد كبير من عناصره من جهة أخرى.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024