آراء وتحليلات
ماذا يحضّر الجيش العربي السوري في ريف حماه الشمالي؟
شارل ابي نادر
تفيد أغلب المعطيات الميدانية من ريف حماه الشمالي، أن جبهة "النصرة" الارهابية، وبعد أن زجت بأعداد كبيرة من الإرهابيين الشيشانيين من قوات النخبة، مدعومين بعشرات الانغماسيين والانتحاريين، تمكنت من تشكيل قوة ضاغطة دفعت بوحدات الجيش العربي السوري لاعادة انتشارها من محيط بلدة الحماميات الواقعة على طريق إستراتيجية بين بلدتي محردة والسقيلبية بريف حماة الشمالي الغربي.
صحيح أن إعادة الانتشار في تلك المنطقة الاستراتيجية لها حساسيتها من الناحية الميدانية والعسكرية، خاصة أنها تُعتبر بوابة رئيسة وحيوية لمناورة الجيش العربي السوري الدفاعية أو الهجومية في ريفي حماه الشمالي وادلب الجنوبي الغربي، وحيث كانت خلال كافة معارك المواجهة، نقطة قوية ورئيسة في تمركز وحدات الجيش المذكور، فما هي الأسباب الحقيقية والخفية التي كانت وراء إعادة الانتشار هذه؟
من الناحية الاستراتيجية
تشكل منطقة كفرزيتا - اللطامنة - مورك المثلث الأهم والأكثر استراتيجية للارهابيين في الشمال السوري، كما وتُعتبر نقطة ارتكاز وحماية لجميع مواقعهم في ادلب، وبوابة أي عملية عسكرية واسعة لتحرير ادلب، وحيث تبين أن تحرير هذه المنطقة واستعادتها من قبل الجيش العربي السوري يُعتبر خطًا احمر دولي يصعب تجاوزه في الوقت الحالي، إذ يعوَّل الاميركيون كثيرًا على عدم خسارته، لأن في ذلك يخسر المحور الدولي المعادي لسوريا معركته فيها تقريبًا، فلا شك أن أي حراك هجومي واسع للجيش العربي السوري، سوف يقابل بمواجهة دولية شرسة يقودها الأميركيون بقوة وبفعالية، الأمر الذي يبعد حاليًا أية امكانية لهجوم واسع من قبل وحدات الجيش العربي السوري في ريفي حماه الشمالي وادلب الجنوبي.
من الناحية الميدانية
تشكل بلدة الحماميات نقطة متقدمة ومتداخلة في ريف حماه الشمالي، وتعتبر النقطة الثالثة جنوب غرب المثلث الأكثر اشتعالًا بين الارهابيين ووحدات الجيش العربي السوري وحلفائه في ريف حماه الشمالي، وحيث تشكل كفرزيتا من الجهة الشرقية النقطة الاولى من المثلث المذكور والهبيط من الشمال النقطة الثانية، لا شك ـن التمركز الثابت والآمن في الحماميات يحتاج ميدانيًا الى السيطرة على نقطتي كفرزيتا والهبيط، وكل تمركز منعزل في الحماميات يعتبر من الناحية العسكرية نقطة ضعف خطرة، اضافة الى كونها معرضة بشكل دائم للضغط المُسّبِّب للخسائر والاصابات.
أهمية وحساسية بلدة الحماميات من الناحيتين العسكرية والميدانية للارهابيين في ريفي حماه الشمالي وادلب الجنوبي، دفعتهم لوضع جهود ضخمة من العديد والعتاد لصالح مهاجمتها والسيطرة عليها. وبحسب مراسل وكالة "سبوتنيك" الروسية نقلاً عن مصدر ميداني سوري، فقد تم الزج بـ " أعداد كبيرة من المجموعات المسلحة تقدر بأكثر من ١٠٠٠ مسلح معظمهم من الجنسية الشيشانية ممن يتبعون لقوات النخبة في "هيئة تحرير الشام" المسماة بالعصائب الحمراء، إضافة إلى مئات الإرهابيين الآسيويين من تنظيم "الحزب الإسلامي التركستاني"، جميع هؤلاء تم زجهم خلال الساعات الأخيرة في الهجوم المدعوم بالانغماسيين والانتحاريين".
في متابعة لحركة وعمل وطبيعة التنظيمات الارهابية في الشمال السوري، يتبين أن العناصر الشيشانية وعناصر الحزب الاسلامي التركستاني، يعتبرون من الأشرس بين هؤلاء الارهابيين، وكانوا يشكلون في أغلب معارك المواجهة في سوريا ضد الجيش العربي السوري، دفاعًا أو هجومًا، رـس الحربة في وحدات الاختراق، نظرًا لوجود العدد الأكبر بين صفوفهم من الانتحاريين والانغماسيين.
انطلاقًا من نقطتين أساسيتين، الأولى والمتعلقة بخطورة وحساسية التمركز الخطر في الحماميات دون ربطه بتمركز مماثل في نقطتي كفرزيتا والهبيط، والثانية المتعلقة بالعدد الضخم من الارهابيين الاشرس والاخطر الذين تم الزج بهم في المعركة، جاءت مناورة الجيش العربي السوري في إعادة الانتشار حاليا من الحماميات، والتي تقوم ـهدافها على إفساح المجال لتدفق العدد الاكبر من الارهابيين الى محيط منطقة الحماميات بعد تنفيذ اعادة انتشار تكتية، ثم خلق الفرصة الميدانية لتجميع هؤلاء في بقعة سهلية مكشوفة بحيث تصبح من الناحية العسكرية اشبه ببقعة روع او بقعة موت، يمكن السيطرة عليها بالنار من عدة نقاط، وتنفيذ عملية رمي فعال بالطيران وبالمدفعية وبالصواريخ، بهدف اسقاط أكبر عدد منهم، تمامًا كما حصل، وفي مناورة مماثلة في جنوب مدينة حلب في شهر آب (اغسطس ) عام 2016، في منطقة الراموسة وتلال الكليات العسكرية (التسليح والمدفعية).
من هنا، وحيث لدى الدولة السورية قيادة وجيشًا، قرار واضح وثابت لا رجوع عنه، يقضي بالعمل عبر كافة الوسائل العسكرية او السياسية لتحرير كامل الجغرافيا السورية وخاصة شمالها، فمن غير المستبعد أن تؤسس اعادة الانتشار الأخيرة لوحدات الجيش السوري في محيط بلدة الحماميات، وذلك بعد استكمال إستهداف وتصفية أكبر عدد ممكن من الارهابيين في بقعة الروع التي وضعوا أنفسهم فيها في منطقة الحماميات، لتنفيذ هجوم واسع انطلاقًا من خط جبهة واسعة بين حلفايا - كفرهود - جلمة - كفرنبودة، واعادة تحرير الحماميات مرحلة أولى ومتابعة التقدم وتحرير الهبيط وكفرزيتا ومورك، والعمل ميدانيًا لتحرير كامل ريف حماه الشمالي ومداخل ريف ادلب الجنوبي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024