معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

السعودية والاستعاضة عن أوراق السياسة بالأوراق المالية
08/07/2019

السعودية والاستعاضة عن أوراق السياسة بالأوراق المالية

إيهاب شوقي

في فترات الافلاس السياسي يتم اللجوء للرشاوى والاستعاضة عن أوراق الضغط أو القوة السياسية بأوراق المال. هكذا نجد السعودية والامارات. ويبدو أن للسعودية نصيباً أكبر في هذه المقاربة حيث تبدو الامارات أكثر حرفية وامتلاكا للتنوع والمرونة (وهو ما نراه في تنويع بدائلها الاقتصادية)، ولكن تبقى الدولتان على ذات النهج الذي يشكل سياسة خليجية عامة منذ اتفاق كوينسي والذي تحول لقاعدة عامة تنبثق عنها السياسات الفرعية وروحها وقواعدها.

ومؤخرا، كشف موقع "بيزنس إنسايدر" الأمريكي، أن السعودية تموّل حملة وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، لرئاسة حزب المحافظين والحكومة البريطانية القادمة، وذلك بمساعدة الممثل الخاص للحكومة البريطانية في المشروع السعودي "رؤية 2030"، كين كوستا، والذي أوكلت إليه مهمة تقديم الدعم السعودي لهانت.

وأشار الموقع إلى أن كوستا يعتبر رجلا محوريًا في الحكومة البريطانية، بالنسبة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
ويعيد هذا إلى الأذهان ما تم كشفه في عام 2016، عندما نشر موقع "ميدل إيست آي" نقلًا عن وكالة "بترا" الأردنية تصريحات خاصة عن ولي ولي العهد السعودي (وقتها) محمد بن سلمان تفيد بأن السعودية قد قامت بتمويل 20% من حملة هيلاري كلنتون المرشحة المحتملة لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عن الحزب الديموقراطي.

ووفقا لموقع "ميدل إيست آي" فإن التقرير حذف فيما بعد. كما أن الوكالة الأردنية رفضت التعليق على هذا التقرير. إلا أن الموقع الإلكتروني نشر صورة عن التقرير الذي نشرته وكالة "بترا" الأردنية للأخبار باللغة الإنجليزية قبل أن يتم حذفه.

كما قام معهد واشنطن لشؤون الخليج بإعادة نشر التقرير الأصلي الذي نشرته وكالة "بترا" الأردنية، والتي اقتبست تصريحات لمحمد بن سلمان، قال فيها: "إن المملكة لم تبخل طيلة السنوات الماضية بالدعم المالي للحملات الانتخابية الخاصة بالحزبين الديمقراطي والجمهوري، وجرياً على العادة تتكفل المملكة بدفع 20% من تكلفة الحملة الدعائية لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الجديدة".

ونشرت وقتها التقارير تاريخ ارتباط المملكة العربية السعودية ماليا بعائلة كلينتون، حيث رصدت أنه في عام 2008، تبرعت السعودية بمبلغ قيمته 10 ملايين دولار، ومبلغ قيمته 25 مليون دولار لمؤسسة كلينتون الخيرية التي كان يرأسها زوجها الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية بيل كلينتون.

كما أصدر معهد الدراسات السياسية الأمريكي دراسة حول حجم الإنفاقات السعودية وقدّرها بنحو نصف مليون دولار شهرياً على شؤون العلاقات العامة، وذلك استناداً إلى البيانات المتوفرة لدى وزارة الخارجية الأمريكية.

وقد استثمرت السعودية لاستقطاب الحزب الديموقراطي الأمريكي عبر "مجموعة بوديستا" التي كانت تقود حملة المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون" للانتخابات الرئاسية، وتلقت "بوديستا" نحو 200,000 دولار شهرياً من مركز دراسات الشؤون الإعلامية المرتبط بالبلاط الملكي السعودي مباشرة.

وأفادت التقارير بأن كلنتون اعتادت على تلقّي الأموال من الرياض والتي قدرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" بما بين 10 ملايين و25 مليون دولار، مشيرة إلى أن الرهان على هذه الأموال في تحقيق اختراقات على مستوى دوائر القرار الأمريكي هو رهان منطقي بنظر الكثير من المراقبين.

كما أوضحت صحيفة "ذي نيشن" وهي مقربة من دوائر صنع القرار السياسي الأمريكي في تقرير لها أن المال السعودي لا يزال قادرا على شراء النفوذ في واشنطن على الرغم من تراجع اعتماد الاقتصاد الأمريكي على واردات النفط الخام السعودي.

هي إذاً سياسة ثابتة وهي تؤكد لنا أمرين:

الأول: أن الرشاوى السياسية تبدأ قبل تولي السلطة، بحيث يكون المسؤول مدينا ببنود سياسية يتم سدادها فور تولي المسؤولية، وهو يفسر الكثير من الأمور التي تبدو معها التصريحات والممارسات منحازة بشكل لا يتناسب مع اللحظة الراهنة، ولكن يمكن أن ترد الى لحظات سابقة تم بها تلقي هذه الرشاوى!

الثاني: إن كثيرا من الكواليس تختلف كليا عن المعلن في اللقاءات والمؤتمرات، وإن الأمر يتخطى الغموض وحجب بعض المعلومات في المؤتمرات الصحفية أو التصريحات المتمخضة عن اللقاءات إلى نطاق الاختلاف الكلي، ما يجعل التصريحات والعناوين مجالا للخداع والكذب والتضليل. ويمكننا هنا توضيح ذلك بالمثال التالي:

في نوفمبر الماضي 2018، بدأ وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت جولة خليجية تشمل السعودية والإمارات وكان عنوان الجولة أنه سيطالب الرياض بـ"فعل المزيد" في التحقيق المتعلّق بجريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي وسيدعو إلى إيجاد حلّ سلميّ للحرب في اليمن، بحسب ما أعلنت وزارته.

وقال هانت حينها، في معرض انتقاده للسعودية، إن إنكارها تهم التورط في مقتل خاشقجي يفتقد المصداقية.
وقالت الوزارة في بيان إنّ هانت الذي سيصل إلى السعودية سيجتمع خصوصاً مع الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان.
وأضافت أنّ وزير الخارجية "سيطلب من السلطات السعودية فعل المزيد لضمان تحقيق العدالة لعائلة خاشقجي" وسيُشدّد على "أهمية تعاون السعودية مع تركيا لإجراء تحقيق كامل وموثوق به".

ونقل بيان الوزارة عن هانت قوله إنّه "من غير المقبول أن تبقى ظروف قتل (خاشقجي) غير واضحة".

هل كانت هذه هي حقيقة الزيارة، أم أن هانت ذهب للابتزاز ليحصل على تمويل حملته التي تحدثت عنها التقارير هذه الأيام؟
في أمريكا، لم تنجح هيلاري كلنتون ونجح ترامب الذي كان متابعا جيدا للطريقة السعودية، فأحسن الابتزاز واقتناص المال السعودي وأخذ أضعاف ما كانت ستأخذه كلنتون وساعده على الابتزاز أن في يده أوراق انتقام بسبب تمويل الخصم.

هذا يلقي الضوء على الزيارات والتصريحات التي تتمخض عنها وحقيقة وجوهر ما يجري فيها وكواليسها، وهو يكشف طبيعة الحكومات الغربية، وطبيعة حكومات الخليج والتي تلجأ إلى الرشاوى وأوراق المال بدلا من أوراق الضغط والحفاظ على ثوابت قضايا الأمة.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات