آراء وتحليلات
دواعش أوروبا واطفالهم والمأزق المزدوج
محمد محمود مرتضى
رغم انتهاء "داعش" ببعده العسكري الكبير وتراجع هيمنته وخطورته، الا أن الملفات المرتبطة به لا تزال تمثل ارقاً كبيرا.
ومن ضمن هذه الملفات ملف ما يسمى بالمواطنين الاوروبيين الذين انضموا لـ"داعش" واطفالهم.
تتمثل العقدة في هذا الملف أنه ذو بعدين: الاول أمني والثاني انساني. وتواجه الدول الأوروبية تحديات على مستوى هذين البعدين بشأن إعادة مواطنيها الدواعش وأطفالهم. وفيما تماطل اوروبا في اتخاذ موقف واضح ونهائي، تتفاعل القضية في الداخل الاوروبي، ما جعل الرأي العام ينقسم بين مؤيد لها بدافع إنساني، ومعارض بدافع أمني.
لا شك أن الهاجس الامني له الاولوية في أوروبا، ويتم التركيز عليه، وهي قضية ليست جديدة بطبيعة الحال، الا أن ما يضيف الى القضية تعقيداً هو دخول البعد الإنساني اليها.
والواقع أن الاشكالية لا ترتبط بعودة رجال فقط، بقدر ما تتعلق بعودة نساء وأطفال؛ اما النساء فقد اثبتت التجارب امكانية انخراطهن بأعمال ارهابية، واما الاطفال، فإنه مع صعوبة إيلائهم الاهتمام الكافي، واحتمال قدومهم وهم مشرّبون بأفكار متطرفة تم تلقينهم اياها، فإن تحولهم الى قنابل موقوتة مؤجلة التفجير يبدو أنه احتمال قوي وجدير بالعناية.
وتتفاقم الهواجس الأمنية بشكل عميق بعد بروز الإرهاب الفردي (الذئاب المنفردة)، ما يسمح لهؤلاء بتحولهم للإرهاب دون الحاجة لانضمامهم الى مجموعات منظمة.
على أن الدراسات التي تجريها أجهزة الاستخبارات الغربية تشير الى امكانية أن تعاني الذئاب المنفردة من مشكلات في الصحة النفسية نتيجة تغير البيئة من جهة، والارث الذي يحمله هؤلاء من جراء اقامتهم وخلفيتهم، الرواية السردية عن تاريخهم وتاريخ ذويهم لا سيما اذا كان الاب ممن سقط في "الجهاد". هذه الهواجس ستقود حتماً الى ضرورة تطوير منهجٍ متعددِ الأطراف من اجل تقييم المخاطر، والاقلال من العراقيل الاجتماعية والمؤسسية التي تحول دون علاج مشكلات الصحة العقلية. دون أن ننسى ضرورة تأمين برامج اجتماعية تتعلق بإدماج هؤلاء في المجتمع الاوروبي. الا أن ما يظهر الان، هو عدم الاهتمام بمثل هذه البرامج، فضلا عن أن الهامس الامني سيبقى هو الاكثر فاعلية.
ومع ذلك فإن الخلاف حول أولوية كل من العامل الأمني والنزعة الإنسانية لا زال مشتعلا.
لا تبدي اوروبا تعاطفا انسانيا الا أمام وسائل الاعلام، وفي تغطية اعمالها العنفية، او محاولة استهداف لدول وكيانات، لذلك فإن العامل الامني سيكون اكثر بروزا، مع محاولة تظهير المخاطر النفسية لهؤلاء العائدين المحتملين. وما قد يدعم المؤيدين للهاجس الامني هو نشاط "داعش" الملفت في الاشهر الماضية وتصاعد هجماته، لا سيما مع توسع هذا النشاط بشكل ملحوظ خارج حدود سوريا والعراق.
ومهما يكن من أمر، فإن تسليط الضوء، واطلاق صفارات الانذار بين الحين والاخر في اوروبا حول احتمالات وجود هجمات وشيكة لـ"داعش" في اوروبا ووجود مخاطر جدية تتعلق بموجة عنف جديدة، لا يخرج عن اطار تحضير ارضية شعبية مؤيدة لعدم استعادة هؤلاء بحجة الهاجس الامني.
ينظّر بعض المختصين في الامن والصحة النفسية لنظرية أن هؤلاء "الضحايا" قد يصبحون الجُناة المقبلين، ويطلقون عليهم اسم "الفتيان الضائعين". كما أنهم ينشرون توقعات أنه وفي غضون خمسِ إلى عشر سنوات، قد تدخل الدول الاوروبية في مواجهةٍ مع الكثير منهم، "نظرًا لأنهم مُعرَّضون بشدة لأن يصبحوا الجيل القادم من مرتكبي العنف أو المتطرفين".
وعلى أي حال، فبين الهاجس الامني والهاجس الانساني، على الشعب الاوروبي أن يسأل قيادته السؤال الجوهري، والذي ينبغي أن يطرح وبقوة: أين كانت الاستخبارات عندما قام هؤلاء بالالتحاق بداعش وبجبهات القتال في سوريا والعراق؟ وكيف استطاعوا، وبهذا العدد غير القليل الذهاب الى هناك؟ فهل بالفعل ذهبوا على حين غفلة من أجهزة الأمن، أم أن القضية كانت ترتبط بتدمير سوريا والعراق، وأن الامر كان يستحق هذه المغامرة، خاصة أن توقعاتهم كانت ترتكز على أن سوريا لن تصمد، وأن العراق لن يستعيد عافيته، وبالتالي فإن هؤلاء سيغادرون ولن يعودوا الى بلدانهم ابداً.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024