آراء وتحليلات
هل تنجح الدولة اللبنانية في استحقاقات الداخل والخارج؟
محمد علي جعفر
على وقع التحولات التي تعصف بالمنطقة، يعيش لبنان في ظل أزماتٍ أمنية وسياسية واقتصادية عديدة. هذه الأزمات، والتي بأغلبها بنيوية، لا تُنذر بصعوبة الوضع المستقبلي فحسب، بل تكشف حجم الخلل الذي تعاني منه الدولة وتفضح حالة الإنفصام بين أهل السلطة والمواطن، فيما يخص مقاربة الأولويات. وهنا، فإن الحكمة تقتضي من اللبنانيين ضرورة الإلتفات الى البيئة الإستراتيجية التي يعيش فيها لبنان وآثار التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية. لكن ذلك لا يعني إغفال الدور المطلوب من القيادات السياسية، وذلك لتحديد المصلحة اللبنانية.
الإشكالية المطروحة اليوم، لا سيما بعد الأحداث الخطيرة التي شهدها الجبل منذ أيام، تتعلق بكيفية اتفاق اللبنانيين على مصلحة الوطن، في حين يبدو واضحاً أنهم مختلفون على مفاهيم طبيعية تتعلق بالدولة كنظرتهم للعيش المشترك وسيادة الدولة وكثيرٍ من المسائل التي تحتاج الى قيم جامعة ومشتركة يتضح يوماً بعد يوم افتقادها بين اللبنانيين!
وليس بعيداً عن التطورات الإقليمية وانعكاسها على لبنان، جاء تقرير وكالة "موديز" الجديد ليُبقي لبنان على تصنيفه المالي السيئ "CAA1" والذي أعطته للبنان منذ ستة أشهر، رغم المساعي الواضحة لأهل السلطة والهادفة الى تغيير النظرة تجاه وضع لبنان المالي. وهنا يسأل بعض المدعين تغيُّر الظروف، عن العلاقة بين هذا التقرير وصفقة القرن ومحاولة الضغط على لبنان. وهو ما يُمكن أن يُبرِّر الغضب الرسمي الذي ظهر من خلال تصريحات المسؤولين، الذين عبروا عن رفضهم التقرير واعتبروه غير مُنصف!
يتحدث البعض بحسرة عن إغفال التقرير الجهود اللبنانية المبذولة منذ أشهر والتي تتعلق بالموازنة وتحسين الوضع الإقتصادي! ويدعي هؤلاء أن التقرير أعاد نفس التصنيف للبنان رغم اختلاف ظروفه، واضعين ما يجري في سياق الحملة التي تطال لبنان منذ أشهر لا سيما المواقف الدولية
المتعلقة بالإقتصاد اللبناني! يُبشّر البعض الآخر بالتوجه لمحاكمة المؤسسة صاحبة التصنيف، والخضوع لصندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض دولي!
وهنا لعل النظرية التي يُروَّج لها بأن لبنان يعيش مؤامرة عليه لإرضاخه للقبول بصفقة القرن، هي نظرية منطقية يمكن قبولها، لكن المشكلة الأعمق ترتبط بالسلوك السياسي اللبناني ليس تجاه الصفقة، حيث أجمع اللبنانيون على رفضها، بل تجاه التحديات الداخلية التي تُظهر يوماً بعد يوم هشاشة الواقع اللبناني! فلماذا لا تأخذ هذه المسألة أهمية لدى القيادات السياسية اللبنانية على اعتبارها الأولوية؟ وهل يُدرك أهل السلطة أنهم مسؤلون عن كشف البلاد أمام التحديات؟ والى متى سنبقى نقارب الأزمات المتعلقة بلبنان عبر تحويل المسؤولية فيها على الخارج متجاهلين تقصيرنا وعمق أزماتنا الداخلية؟!
إشكاليات كثيرة لكنها جديرة بالإهتمام وتُعبِّر عن الإطار الذي يجب أن يسلكه أهل السلطة في حال قرروا حماية لبنان من التحديات. نعم، لبنان كان يعيش وما يزال في قلب منطقة تعصف بالأزمات، وحسنٌ فعل أغلب اللبنانيين حين اعترفوا بضرورة مقاربة الشأن اللبناني كجزءٍ من منطقة تعيش صراعات. لكن الأولى والأجدر، أن يُحدد أهل السلطة مصلحة لبنان ويتفقوا عليها، ويتقدموا خطوات الى الأمام نحو فرض معادلاتٍ يُجمع عليها اللبنانيون، تجعلهم موَّحدين في وجه التحديات!
بالنتيجة، لا تمتلك أي دولة قدرة فرض معادلاتها ما لم تستطع تحديد مصالحها والإتفاق عليها. ولبنان يمتلك العديد من نقاط القوة والتي تحتاج لأن يُجمع عليها اللبنانيون. لكن لبنان يحتاج اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، الى تأسيس عقد وطني يهدف لطرح مفهوم "الأمن القومي اللبناني" وهو ما يُحدد بالنتيجة مجموعة السياسيات التي تضعها الدولة اللبنانية لحماية الحكومة والبرلمان ومصالح المواطنين. هذه السياسات تُعنى بتحديد أسس مواجهة التحديات كافة والتي تطال الدولة اللبنانية على الصُعد العسكرية والسياسية والإقتصادية والبيئية والجغرافية. فمتى يُقرر اللبنانيون القيام بذلك؟ وهل تنجح الدولة اللبنانية في استحقاقات الداخل والخارج؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024