آراء وتحليلات
الحشد الشعبي.. من التأسيس الى المأسسة
عادل الجبوري
سواء كانت القرارات الأخيرة التي أصدرها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بخصوص الحشد الشعبي، مفاجئة أو متوقعة، فإنها، لأول وهلة، انطوت على إشارات ايجابية واضحة، امتزجت نوعاً ما بقدر من المخاوف والهواجس، التي يبدو البعض منها مبرراً وقابلاً للبحث والنقاش.
تمحورت الاشارات الايجابية حول ضرورة اتخاذ خطوات وقرارات لا بد منها للحؤول دون تحول منظومة الحشد الشعبي التي كان لها دور حاسم ومحوري في الحاق الهزيمة بتنظيم "داعش" الارهابي، الى مؤسسة تقليدية تغزوها مظاهر البيروقراطية والفساد والمحسوبيات والمنسوبيات، وتتجاذبها حمى التنافس والتدافع مع المؤسسات الأخرى على المغانم والمواقع والامتيازات.
وهذا أمر في غاية الأهمية، وقد تم الالتفات اليه مبكرًا، من خلال الشروع من قبل بعض الجهات والشخصيات المعنية بإيجاد "تكييفات" للحشد الشعبي، تضمن من جانب بقاءه وديمومته، ومن جانب آخر تجنبه الانزلاق الى مساحات محظورة، وتدفع عنه مخططات ومؤامرات الحل والالغاء.
فبعد اعلان الانتصار العسكري الشامل على تنظيم "داعش" الارهابي في أواخر عام 2017، راحت القيادات العليا للحشد الشعبي، وكذلك القيادات الميدانية، تتجه الى توظيف امكانيات وقدرات الحشد بالاتجاه الخدمي، من قبيل المساهمة في مشاريع اعادة اعمار المناطق المحررة والمحرومة، والمساهمة في اعادة النازحين الى مناطقهم الأصلية، واغاثة المتضررين من الفيضانات والسيول، وحماية المنشآت الاقتصادية الحيوية، والمساهمة في اخماد الحرائق التي اجتاحت مساحات زراعية شاسعة في عدة مدن ومحافظات عراقية خلال الشهور القلائل الماضية.
الى جانب ذلك، فإن هيئة الحشد الشعبي أصدرت في الثاني عشر من شهر اب-اغسطس من العام الماضي، تعليمات تقضي بـ"إغلاق جميع المكاتب السياسية والاقتصادية لفصائل الحشد في عموم البلاد وتحويلها الى الجهات القضائية اضافة الى اخلاء مدينة الموصل من أي قوة عسكرية تابعة لها، على اعتبار أن الهيئة قوة عسكرية وأمنية تخضع للقوانين العسكرية النافذة وفقا لقانون هيئة الحشد الشعبي، ولا تمارس أي عمل سياسي أو اقتصادي، وعليه فإن أي شخص أو جهة تقوم بهذا العمل فهي خارج هيئة الحشد الشعبي".
وبعد أيام قلائل، طلب نائب رئيس هيئة الحشد ابو مهدي المهندس، إغلاق مقرات الحشد ومكاتبه تحت أي مسمى داخل جميع المدن العراقية، وخاصة المناطق التي تم تحريرها من تنظيم "داعش" في غرب وشمال البلاد. وشدد المهندس على آمري تشكيلات الحشد بوجوب فك الارتباط مع الجهات الساندة من فصائل وأحزاب وعتبات مقدسة وغيرها، وحذر من أنه سيتم التعامل مع الألوية التي تبقى متمسكة بولائها وارتباطها مع جهاتها الساندة كقوة خارجة عن الحشد الشعبي، وسيتم رفع أمرها إلى القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء حيدر العبادي، لاتخاذ القرار المناسب بشأنها.
قبل - وفوق - ذلك، كان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي قد أصدر أمرًا ديوانيًا في الثالث من شهر تموز- يوليو 2018، أي قبل عام، يتضمن التوجه لوضع تكييف قانوني لهيئة الحشد، وجعلها مؤسسة أمنية رسمية، تخضع لكافة السياقات الأصولية، وضمان كافة الحقوق لمنتسبيها العاملين، وكذلك الشهداء والجرحى.
كل هذه الخطوات والتوجهات الايجابية، كانت تجري في ظل حملات سياسية واعلامية متواصلة ضد الحشد الشعبي تقف وراءها جهات خارجية وداخلية، لم توفر جهداً إلا وبذلته من أجل تشويه صورة الحشد في أذهان الرأي العام المحلي والخارجي، وبالتالي الضغط باتجاه حله وانهائه بذريعة زوال وانتفاء الاسباب والمبررات التي استدعت تشكيله.
بدون شك، إن القرارات الأخيرة لعبد المهدي، التي تعد استكمالًا للقرارات والاجراءات السابقة المشار اليها آنفا، من شأنها قطع الطريق على كل المحاولات والمساعي السلبية للالتفاف على الحشد، لا سيما في حال طبقت بصورة صحيحة ومهنية، بعيدًا عن المجاملات والإذعان للضغوطات، لأن هذه القرارات، تضمن من جانب بقاء الحشد واستمراريته، وفي ذات الوقت تحافظ على خصوصياته وتصون تاريخه وانجازه الوطني الكبير، وتضفي عليه الصفة الرسمية، وتضمن الحقوق المعنوية والمادية لأفراده بمختلف مستوياتهم ومراتبهم ومواقعهم ومسؤولياتهم وفق أحكام الدستور وضوابط القانون.
ولعل النقطة الايجابية المهمة، هي أن قرارات رئيس الوزراء بخصوص الحشد الشعبي، لاقت صدًى طيبًا من قوى وشخصيات كبيرة، سواء من الناحية السياسية، أو ارتباطًا بثقلها الواقعي في منظومة الحشد الشعبي، وأكثر من ذلك، شرع البعض منها باتخاذ خطوات عملية تمهد السبيل لتطبيق القرارات ضمن السقف الزمني المحدد لها حتى نهاية شهر تموز- يوليو الجاري.
ربما لا يبالغ البعض، حينما يطرح ويثير جملة من المخاوف والهواجس، وهذا أمر طبيعي، خصوصًا في بلد مثل العراق، يمتاز واقعه السياسي والأمني بقدر كبير من التعقيد والتشابك والتداخل والتناقض، بحكم تقاطع المصالح والتوجهات والمواقف، وحجم المؤثرات الخارجية.
قد لا تكون الفترة الزمنية التي وضعها رئيس الوزراء كافية للانتهاء من حسم ملف الحشد الشعبي بالكامل، لكن انجاز الجزء الأكبر من الاجراءات والخطوات المطلوبة، وتوجيه الأمور بمساراتها السليمة، يعني صحة وسلامة وسلاسة التطبيق، فضلًا عن أن ذلك يؤشر الى فشل القوى الخارجية بفرض اجنداتها وتمرير أهدافها المتمثلة بطي صفحة الحشد، والتي حاولت عبر بعض المنابر السياسية والوسائل الاعلامية الايحاء بأن قرارات عبد المهدي الأخيرة، جاءت استجابة لضغوطات أميركية، بينما تؤكد مجمل الأدلة والشواهد أن واشنطن فشلت طيلة ثمانية شهور بإرغام عبد المهدي على تحجيم الحشد والتضييق عليه وتهميشه، ولعل الادارة الاميركية تراهن على فوضوية الحشد وعدم انضباطه أكثر مما تراهن على تنظيم أوضاعه ومهامه وأدواره وفق الدستور والقانون والنظام، وهذا ما ينبغي التنبه له دوما وعدم تناسيه بالمرة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024