آراء وتحليلات
حاكم مصرف لبنان: لا نموّ
يوسف الريّس
يتأرجح الاقتصاد اللبناني ما بين وعود الإصلاح المالي والنقدي وبين واقع متأزم. كثرت المآزق على اللبنانيين، لتنسيهم الأحداثُ المتوالية جوهر المشكلة ويكتفوا بمحاولة إيجاد حل لتداعياتها. فأزمات القطاع العام والكهرباء وخدمة الدين والنفايات وقروض الإسكان كلها تداعيات لنظام مالي ونقدي يخدم قطاع المصارف على حساب تهميش وتحجيم القطاعات الإنتاجية.
صرّح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حديثه لوكالة "رويترز" أن الحكومة اللبنانية تحاول تخفيض أعباء خدمة الدين في ميزانية 2019 لكن لا اتفاقية حصلت حتى الآن. وبحسب الحاكم فإن وزير المال يحاول قطع 660 مليون دولار من خدمة الدين عبر اصدار سندات خزينة بفائدة منخفضة بالتعاون مع القطاع المصرفي اللبناني.
إن التوجه للمضي في هذه الخطوة في الأوقات الراهنة هو حدث مفصلي لمسيرة تراكمية طويلة للدين العام. إنّ تضخم القطاع المصرفي على حساب ديون الدولة اللبنانية أنهكها. متولّو السلطة المالية لطالما كانوا من أصحاب المصارف أو المقربين منهم ما جعل دين الدولة يصبّ في جيوبهم وبالتالي لم تتجه السلطات السابقة لتخفيض خدمة الدين، إلا أن الأزمة التي تلوح بالأفق جعلت هكذا خطوة ضرورية.
إن أهمية الاقتطاع من خدمة الدين توجِد إمكانية لاتفاقية مستقبلية لإعادة جدولة أو هيكلة الدين العام في ظل محاولة تفادي أزمة اقتصادية. وإن لم يحصل فإن سوداوية استكمال المسيرة في نفس السياسة المالية والنقدية على الجميع قد توقظ أهل السلطة للانتقال إلى منهجية اقتصادية جديدة تنقذ ما تبقى من البلد. فالدعم الدائم للقطاع المصرفي على حساب القطاعات الأخرى يترجم على أرض الواقع بمعدل نمو منخفض.
فقد أضاف حاكم مصرف لبنان في حديثه لرويترز أن معدل النمو في 2019 سيكون 0% مع تعويله على توافد السياح لتغيير هذه النتيجة. وفي هذا دلالة واضحة على ترهل القطاعات الإنتاجية في البلد خاصة بعد ركود قطاع العقارات الذي كان محرّكًا أساسيًّا لعجلة الاقتصاد في لبنان.
إن معدل نمو صفر يعني أن إنتاجية القطاعات لم تزد ليعكس بذلك أن أيا من المؤشرات الاقتصادية المغايرة قد تحسن. علاوة على ذلك، إن النمو نظريا يمتص معدل التضخم الصحي السنوي. ولكن في حالة لبنان إن معدل التضخم في ازدياد ولا نمو ليقلص من معدل التضخم الذي يترجم عبر الغلاء المعيشي وانخفاض القدرة الشرائية لدى الأفراد. وبالتالي، إن الطلب سينخفض والحركة الاقتصادية ستنخفض معه. وهذا ما يجب تفاديه: الدخول في دوامة الركود.
تحاول الحكومة خفض عجز الميزانية من 11.5% إلى 7.6% عبر سياسات انتهجتها تمس مباشرة بضخ الأموال في السوق في عدّة طرق وأبرزها عبر المسّ بالرواتب والأجور، وبالتالي في ظل معدل تضخم 3.48% فإن الطلب سينخفض بشكل تصاعدي ويشلّ حركة السوق.
من هنا فإن السياسات تحت عنوان الإصلاح المالي والنقدي لا تتم في منهجية متكاملة. فتقليص الطلب في ظل عدم النمو سيعجّل في حلول الأزمة.
انتفض بالأمس العسكريون القدامى لحماية حقوقهم وحقوق العسكريين الحاليين في ظل مشروع موازنة مبني على نزع مكتسبات الموظفين وتخفيض العجز من جيوبهم. كذلك الأمر، لم تزل الجامعة اللبنانية بين أخذ وردّ حول استكمال الأساتذة الجامعيين اضرابهم للحفاظ على امتيازاتهم. تعدّى الاضراب الخمسين يوما، بما في ذلك من ضرر مباشر على مصير آلاف الطلاب الجامعيين.
إن حركات الإضراب والاعتراض المتتالية والمتصاعدة تشير إلى حقيقة المعاناة في الطبقات اللبنانية الفقيرة والمتوسطة. التوجه نحو إصلاح السياسة النقدية والمالية لتحريرها من هيمنة القطاع المصرفي سيدفع القطاعات الأخرى نحو النمو وبالتالي تصحيح الوضع الاقتصادي العام.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024