آراء وتحليلات
أثيوبيا بين سندان العرقية ومطرقة الفدرالية
محمد مرتضى
رست نتيجة محاولة الانقلاب للسيطرة على إقليم أمهرة الشمالي في أثيوبيا - تبعاً للبيانات الصادرة من مكتب رئيس الوزراء - على مقتل أربعة أشخاص بمن فيهم رئيس أركان الجيش وحاكم الإقليم.
وتعكس محاولة الانقلاب هذه مدى تقلب السياسات العرقية الهشة في البلاد، وهو أمر لا شك أنه سينعكس سلبا على السياسات. في أعقاب الاطاحة بالنظام العسكري الحاكم آنذاك في إثيوبيا، قامت نخبة جديدة بزعامة "ميليس زناوي" بهندسة نظام جديد قام بشكل أساس على نوع من الفيدرالية اعتُرف بموجبها لكل جماعة عرقية بالحكم الذاتي، كان الاساس فيها السعي للمحافظة على وحدة الدولة. الا أن الدستور الجديد الذي نصّ على قيام نظام فيدرالي سمح لكل وحدة عرقية بطلب الانفصال عن الدولة.
تملك إثيوبيا تنوعًا عرقيًا كبيرًا حيث تضم نحو ثمانيَ وثمانين مجموعة عرقية. اثنتا عشرة منها لا يصل تعدادها الى المليون نسمة، من أصل 100 مليون نسمة هم تعداد إثيوبيا.
وتعتبر المجموعتان العرقيتان الرئيسيتان (الأورومو 34.5% والأمهرة 26.9%) هما الاكبر اذ تشكلان نحو اثنين وستين في المائة (62%) من اجمالي عدد السكان. وفيما تشكل التيغراي ثالث أكبر مجموعة عرقية ( تضم 6 % فقط من السكان)، الا أنها تهيمن على مقاليد الحكم منذ عام 1991 حتى انتخاب أبيي أحمد رئيسا للوزراء عام 2018.
ومهما يكن من أمر فإن إدارة التنوع العرقي تمثل قضية سياسية بالغة الأهمية ومعقدة للمجتمعات متعددة الأعراق. اذ منذ التسعينيات، يتم التعامل مع الفيدرالية متعددة الثقافات كأداة سياسية لاستيعاب التنوع العرقي. وقد سعت الأدبيات للتأثير في المجتمعات المنقسمة على الصراع السياسي.
ففيما يرى البعض أن الفيدرالية تسمح باستقرار سياسي للدول متعددة الأعراق، يرى آخرون أن الفدرالية متعددة الثقافات لها تأثير معاكس؛ حيث تزيد من حدة الصراعات العرقية في العديد من البلدان.
إن النظام الفيدرالي العرقي الذي تبنته إثيوبيا يمنح وحدات الاتحاد الحق في الانفصال كما نص عليه الدستور، وهذا ما ساعد على ترسيخ فكرة تعميق الانقسام بدل الاندماج، ولم يؤدِّ الى ترسيخ فكرة الوطن النهائي.
إن السياقات التاريخية التي ارتبطت بنشأة هذا النظام لها أهمية بالغة.فالطبقة الحاكمة من عرقية الامهرة والتي حكمت خلال فترة حكم نظام هيلا سيلاسي الإمبراطوري، قامت بممارسة التهميش السياسي والاقتصادي للمجموعات العرقية الأخرى، ما أدى إلى إثارة المظالم والتحشيد العرقي منذ الستينيات. وبعد الإطاحة بنظام الديرغ في أوائل التسعينيات، قام الائتلاف الحاكم بإضفاء الطابع المؤسسي على النظام الفيدرالي العرقي القائم على الهوية العرقية.
لا شك أن الأيديولوجية الشيوعية ونظرية ستالين المتعلقة بالقوميات قد أثّرت بشكل كبير في الخطاب السائد والممارسات المتعلقة بالعرق وتقرير المصير العرقي في إثيوبيا في الستينيات من خلال الحركات الطلابية، لذلك نرى كيف أصبح هيكل الفدرالية العرقية الذي تبنته الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي هو نسخة طبق الأصل عن النموذج الاشتراكي. من هنا نفهم لماذا منحت اثيوبيا دستوريا الحق في الانفصال للجماعات العرقية.
الا أن العامل الرئيس الذي شكل الفيدرالية العرقية في إثيوبيا، هو الموقف السياسي الهش للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والتي وصلت إلى سدة الحكم بالقوة عام 1991. فالجبهة، التي تمثل جماعة التيغراي، وجدت نفسها بحاجة إلى تأكيد شرعيتها تجاه غيرها من الجماعات العرقية. وقد كان الدافع وراء هذا السعي هو رغبة الجبهة في تبني سياسة مغايرة لإستراتيجية الأمهرة الخاصة بالدمج الوطني خلال الفترة الإمبراطورية. ومن الواضح أن الهدف الأساسي للدستور العرقي الذي تبناه الائتلاف الحاكم (الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية) هو مواجهة هذا التحدي، أي الدمج الوطني دون تعريض السلطة السياسية لجبهة التيغراي للخطر.
ربما نجحت جبهة التيغراي في مسعاها، حيث تمكنت من ترسيخ مكانتها سياسيا من خلال القضاء على بنية الحكم القديم وخلق هيكل سياسي جديد للحكم، الا أن تباطؤ عملية الدمج قد رفع من مستوى المخاطر حول عودة الانقسام.
صحيح أن الانقلاب الاخير قد فشل، الا أن احتمال قيام انقلابات أخرى قد تنجح مرتبط بعودة الحراك السياسي والاقتصادي لعمليات الدمج الوطني، وهذا لا يتم الا باعتماد سياسية اقتصادية متوازنة تؤكد سيادة قانون الدولة على قانون الاعراق.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024