معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

ترامب.. عقيدة العقارات والمال أساس الحُكم
27/06/2019

ترامب.. عقيدة العقارات والمال أساس الحُكم

عبير بسام

من أجل فهم السياسة التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قراراته المنطقية وغير المنطقية حتى تجاه حلفائه الأوروبيين، من الضروري إجراء قراءة في العقيدة التي تقوم عليها السياسات "الترامبية"، عبر مراجعة القرارات التي اتخذها خلال الأربع سنوات السابقة من الحكم. فترامب رجل أعمال "ناجح"، وهو فضولي ومطلع ويذهب إلى حيث يخشى الآخرون الذهاب، لكنه عنصري وفظ وجلف ومتعجرف، مما يجعله يبدو كالأحمق حين يتحدث. أداء ترامب السياسي ليس بعيداً عن سلفه الجمهوري جورج بوش الابن، حتى أنه يبدو أنه يريد أن يحوز على الدعم الجماهيري الذي حصل عليه الابن، ويبدو أنه أفلح ولا سيما على مستوى العرق الأبيض الأنجلو ساكسوني المشيخي في أميركا.

قد لا يكون ترامب رئيساً محبباً من قبل جميع الفئات الأميركية، غير أن الإحصاءات أثبتت أنه يتمتع بشعبية تصل إلى 46% من مجموع المقترعين، ولسبب هام: فقد حافظ على وعده بتحسين الوضع الضريبي والاقتصادي واستطاع خفض نسبة البطالة في أمريكا. وهذا أقصى ما يهم الشعب الأميركي المنشغل طوال الوقت بالأقساط التي يجب عليه دفعها للبنوك من أجل الحفاظ على رفاهيته. وقد جاءت مطالبة ترامب البنوك بإعادة تقييمها لمستوى عملها والعمل على خفض فوائدها في الآونة الأخيرة، كعامل إيجابي يستطيع من خلاله كسب تأييد المزيد من دعم الناخب الأميركي المثقل بدفعات أقساطه. ولذا، إذا ما كان من أمل بأن التغيير في السياسات الأميركية الخارجية سيأتي من الداخل فذلك غير ممكن، خاصة وأن أميركا مع جميع الأزمات التي عصفت في المنطقة بسبب ما سمي بالربيع العربي، أو حتى بوقف الاتفاق النووي مع إيران لم تتأثر (على صعيد الوضع الداخلي) فعلياً بسبب موقعها الجغرافي البعيد.

برز في برنامج ترامب الانتخابي التوجه نحو إعادة أمريكا إلى سابق عهدها في أيام "الآباء المهاجرين". وشعاره لنجعل من أميركا دولة عظيمة مرة أخرى، والذي عاد وأطلقه في حملته الانتخابية الثانية للعام 2020 في التاسع عشر من الشهر الحالي، يختصر ما يحلم به، ليجعل منه رئيساً يرضى عنه التاريخ الأميركي. ومن أبرز ما تضمنته حملته الانتخابية العودة عن القوانين التي تمنع حمل السلاح، والتساهل في التعامل مع حشيشة القنب الهندي "الماريجوانا"، ومحاربة الهجرة غير الشرعية، ومحاربة الإجهاض. وحتى في تعيينه لأبنائه وزوج ابنته كمستشارَين له، يعيد إلى الأذهان العلاقات العائلية الأميركية التقليدية. ولا تخلو تصريحات ترامب من العنصرية الموجهة ضد اللاتينيين (نسبة إلى أمريكا الجنوبية) والآسيويين والأفارقة السود، والتي لاقت رواجاً ما بين منتخبيه من عرق الرواد الأوائل. فترامب هو حفيد لجد مهاجر من ألمانيا ووالدته مهاجرة من اسكتلندا جاءا من أجل تحقيق الحلم الأميركي الذي ما يزال الأميركي يعيشه في الزمن الحالي.

على الصعيد الخارجي، ألغى ترامب تقريباً جميع الاتفاقيات التي قام بها سلفه باراك أوباما، وخاصة تلك التي تتعلق بالاتفاقيات الاقتصادية، مثل اتفاق الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية عبر المحيط الهادئ، والتي تهدف إلى "تحرير" اقتصاد منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال خفض العائدات الجمركية، أو الاتفاق النووي الإيراني، وحتى برنامج اوباما للرعاية الصحية للفقراء، لم يسلم منه ورأى فيه عبئاً على الدولة. فرجل المال يرى أن هذه الاتفاقيات لم تجلب العوائد المالية المطلوبة للدولة الأميركية، كما أن هذه الاتفاقيات أدخلت الصناعات الأميركية في منافسة شديدة وغير متكافئة بسبب غلاء منتجاتها مقابل السلع القادمة من آسيا والتي تتمتع بنفس الجودة وبأسعار منافسة.

أما إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، فله بعدان اقتصادي وسياسي. الاقتصادي يتمثل بعدم وجود عائدات اقتصادية حقيقية يمكن للأميركيين الحصول عليها من تنفيذ هذا الاتفاق، كما أن المستفيديين الحقيقيين من هذا الاتفاق هم الصينيون واليابانيون والأوروبيون وهم المنافسون الحقيقيون للاقتصاد الأميركي. فرجل المال، وتاجر العقارات لا يمكنه أن يرى عمليات البيع والشراء تمر دون دفع عمولة إلى جيوب الأميركيين. وحتى أنه دفع بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي وأغدق عليها الوعود بالمعاهدات التجارية، التي ينوي إبرامها معها بمجرد خروجها من الاتحاد. هذه الوعود التي ستأتي متناسبة مع إبقاء بريطانيا على الرسوم الجمركية على البضائع الأوروبية الداخلة إليها في مقابل خضوع البضائع الأميركية للإجراءات الجمركية ذاتها إن لم يكن بأفضل منها.

الأمر الثاني الذي سعت سياسة ترامب الخارجية إلى تحقيقه، كما السياسات الأميركية السابقة، هو ضمان أمن الكيان الاسرائيلي دون أي مقابل. في حين أن إدارة أوباما كما جميع الإدارات الأميركية السابقة سعت للوصول إلى اتفاقيات سلام مقابل الأرض مع الإسرائيليين. وأما إدارة ترامب، فبدأت نوعاً جديداً من "السلام" في المنطقة بعنوان "السلام مقابل السلام" وتمادت إدارته بأكثر من ذلك من خلال مخالفة الاتفاقيات والقرارات الدولية، التي تحمي حق الشعب العربي في أراضيه المغتصبة من خلال الاعترافات المتتالية في "حق" كيان العدو في الأراضي المحتلة في العام 1967.

هذه المواقف المتطرفة في السياسة الأميركية تجاه فرض أمن الكيان الاسرائيلي لم تأت بسبب الوعي السياسي للرئيس الأميركي حول الوضع في الشرق الأوسط، ولكن جاءت من خلال مفهومين: الأول استنزاف الأموال - أي تجاري - من دول الخليج، والثاني من خلال السياسة التي يضعها كبير مستشاري البيت الأبيض، جاريد كوشنير، الصهيوني رجل العقارات ذو العلاقات الواسعة والقديمة، والتي ابتدأت عبر والده تشارلز كوشنير، مع "اسرائيل" ومع محافظ القدس، ومن خلال السياسة الصهيونية التي يتبعها نائب الرئيس الأميركي مايك بنس. وبالتالي ومن أجل فهم هذه السياسة التي تمثل عقيدة ترامب، يجب فهم عقيدة كوشنير، والذي يمثل بالنسبة لشخص مثل ترامب مثالاً للشخص المثابر بسبب نجاحاته الباهرة في مجال العقارات.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل