آراء وتحليلات
الساحل الافريقي وُجهة "داعش" القادمة؟
محمد محمود مرتضى
لم يعد خافياً قيام الجماعات "الجهادية" بالبحث عن ملاذات آمنة، بعد خسارة الجغرافيا السورية والعراقية، وتُعتبر افريقيا جنوب الصحراء من البقع الجغرافية التي وقع الاختيار عليها.
وفي نظرة سريعة الى الخارطة الافريقية، سنجد أن منطقة الساحل والصحراء (وهي مساحة كبيرة تشمل أكثر من 12 دولة، تمتد من ساحل المحيط الأطلسي الموريتاني غربًا إلى الساحل الإريتري شرقًا) تعتبر الأكثر جاذبية لتشكيل هذا التحوُّل؛ لأسباب عدة منها تفشّي الفقر وهشاشة الدولة فيها.
في تقرير لمؤسسة "ستراتفور" الأمنية؛ فإن الدعم العسكري الفرنسي في أنحاء المنطقة الذي بدأ في شهر آب/ أغسطس من العام 2014م، لم يتطور، ولم ترسُ الامور على آليَّة فعَّالة لتحسين الاوضاع في منطقة الساحل. فيما القوة المشتركة لمجموعة الخمسة التي شكَّلتها فرنسا في الساحل (وهي قوة إقليمية لمكافحة الإرهاب تتألف من حوالي أربعة الاف جندي من تشاد وموريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو) تعاني من انتكاسات في التمويل والعمليات؛ ما جعلها غير فعَّالة. في وقت تتعثر فيه الجهود المتعددة للاستثمار في الاقتصادات المحلية.
هذا التعثر تسعى الجماعات "الجهادية" لتوظيفه. فعلى سبيل المثال، أمّنت الثغرات الأمنية في شمال مالي لهذه الجماعات فرصة للتخطيط لهجمات في أماكن مختلفة، وهو ما يوضحه النشاط اللافت في كل من جنوب مالي وبوركينا فاسو.
والواقع، أن التأمل فيما يجري هناك يفضي الى نوع من المقارنة مع ما يجرب في أفغانستان. منها على سبيل المثال العمليات العسكرية الفرنسية في مالي مع العمليات العسكرية التي تقودها واشنطن في أفغانستان.
وقد أثبتت التجارب أن الوجود العسكري الغربي في بلدان مثل مالي وأفغانستان، لا هو قادر على الحسم العسكري، ولا قادر على إعادة بناء الدول التي يتدخل فيها.
الا أن أخطر عوامل التشابه بين الساحل الافريقي وأفغانستان، هي تلك العوامل المتعلقة بالعامل الديموغرافي. اذ قد يتحوَّل الساحل والصحراء الافريقية إلى قنبلة سكانية. فمن المتوقع تضاعف عدد سكان الإقليم في السنوات العشر المقبلة؛ حيث تبلغ نسبة النمو السكاني نحو 3.5% سنويًّا،. وبهذا المعدل سيقفز عدد سكان دول الساحل الحبيسة؛ وهي: تشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو من 67 مليون نسمة (تقديرات 2015م) إلى 260 مليون نسمة عام 2050م؛ ما يعني المزيد من الشباب والطلب على سوق العمل.
واذا ما كان الساحل الافريقي يعتمد على الزراعة بشكل وثيق؛ فإن إهمال القطاع الزراعي واضح والساحل، كما في افغانستان. ما يعني الحاجة الى ضخّ استثمارات جديدة في مشروعات الري الصغيرة. وما حصل في افغانستان ان الكساد الزراعي وتراجعه أدى بالشباب للتوجه الى أنشطة التهريب والاتجار بالمخدرات، أو الانضمام لجماعات التنظيمات الإرهابية.
ويبقى من أهم عوامل التشابه الانقسامات العرقية والدينية، التي ازدادت حدتها في منطقة الساحل. ففي منطقة الساحل، تشتعل الأزمات على خطين رئيسيين؛ الاول: شمال إفريقيا. والثاني: جنوب الصحراء الإفريقية، بين السكان المسلمين والمسيحيين، وقد كرست العوامل المناخية والضغوط على الموارد الطبيعية المحدودة هذه الانقسامات.
ورغم هذه العوامل الموضوعية، فانه يصعب استبعاد عوامل التدخل الغربي، كإشعاله للنزاعات، وتغذيته للانقسامات، عن المشهد العام للصحراء الافريقية وغيرها من الاقاليم.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024