معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بين "أولي البأس" و"سهام الشمال".. المسافة صفر
18/11/2024

بين "أولي البأس" و"سهام الشمال".. المسافة صفر

زينب الطحان

﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾ (الإسراء؛ 5)؛ بهذه الآية الكريمة أعلن الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم اسم المعركة التي تخوضها المقاومة الإسلامية ضد التوغل البري لقوات الاحتلال "الإسرائيلي" في جنوب لبنان؛ بينما أعلن "الإسرائيلي" عن تسمية عدوانه باسم "سهام الشمال". 

في التاريخ الإسلامي؛ كانت حروب النبي (ص) تجسيدًا حيًّا للتشريع الإسلامي في إطاره العملي، وابتداءً من معركة بدر وحتى تبوك تبيّن أنّها لم تكن لقتل الكفار، أو فرض الدِّين قسرًا، بل كانت حروبًا دفاعيّة كلّها. في تاريخ النبي (ص) مع اليهود؛ يثبّث لنا الله سبحانه مواجهاته معهم؛ في كتابه الكريم مستعيداً تاريخهم مع الأنبياء؛ في قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ (الإسراء؛ 4)؛ وفي تفسير الميزان للسيد الطباطبائي(ج 13، ص 39-40): "قال الراغب في المفردات: القضاء فصل الأمر قولاً كان ذلك أو فعلاً، وكل واحد منهما على وجهين: إلهي وبشري. فمن القول الإلهي قوله: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ (الإسراء، 21) أي أمر بذلك، وقال: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ﴾؛ هذا قضاء بالإعلام والفصل في الحكم؛ ..وعلى هذا، وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع".

لقد انطلق الشيخ قاسم من هذا المفهوم القرآني لمعنى "أولي البأس" ودلالاته التاريخية التي يثبتها المؤرخون والعلماء على مدى العصور؛ في أنّ هناك من سيواجه فساد هؤلاء اليهود وشرهم المستطير في الآية الكريمة التي استدل بها سماحته؛ وهي تتمة المعنى للآية الرابعة؛ ونعود إلى تفسير الميزان؛ ويقول:" والعلو هو الارتفاع، وهو في الآية كناية عن الطغيان بالظلم والتعدّي، ويشهد بذلك عطفه على الإفساد .. وفي هذا المعنى قوله: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ (القصص؛ 4)؛ ومعنى الآية: "وأخبرنا وأعلمنا بني إسرائيل إخبارًا قاطعًا في الكتاب، وهو التوراة. وأقسم وأحق هذا القول إنّكم شعب إسرائيل ستفسدون في الأرض، وهي أرض فلسطين، وما يتبعها مرتين، مرة بعد مرة، وتعلون علوًّا كبيرًا وتطغون طغيانًا عظيمًا..".

يتابع الطباطبائي تفسير الآية الخامسة، وهي موضع الشاهد، بقوله: " قوله: ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا﴾ تفريع على قوله: ﴿لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ.. ﴾، وضمير التثنية راجع إلى المرتين، وهما الإفسادتان؛ فالمراد بها الإفسادة الأولى، والمراد بوعد أُولَاهُمَا ما وعدهم الله من النكال والنقمة على إفسادهم، فالوعد بمعنى الموعود، ومجيئ الوعد كناية عن وقت إنجازه، ويدلّ ذلك على أنه وعدهم على إفسادهم مرتين وعدين، ولم يذكرا إنجازًا؛ فكأنّه قيل: لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ ونحن نعدكم الانتقام على كل منهما...وقوله: ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾؛ أي أنهضناهم وأرسلناهم إليكم ليذلوكم وينتقموا منكم، والدّليل على كون البعث للانتقام والإذلال قوله: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ.. إلخ..".
بهذه الدلالة القرآنية، وما تحمله من مضامين تاريخية موثقة؛ انطلقت تسمية حزب الله للمعركة الدائرة حاليًا "أُولِي البَأْس"؛ والتي تدور فيها السّنن الإلهية؛ إذ قال الشيخ قاسم :"أقول لهم، ستهزمون حتمًا .. أخرجوا من أرضنا لتخففوا خسائركم، فإذا بقيتم ستدفعون الذي بعمركم لم تدفعوه، ...نحن نؤمن بالسّنن الإلهية وبالوعود الإلهية، إذا كان نتنياهو يقول لكم، هناك نصر مطلق، لا، هناك هزيمة مُطلقة،.. ورئيس مجلس الأمن القومي السابق "غيورا آيلاند" يقول :"أصبحنا غير يقظين لكثير من أثمان الحرب في غزة ولبنان، ومع بحث جنوني على الاحتياطيين وسحق جيل كامل لسنوات طويلة"، أي إنهم يُسحقون لسنوات طويلة، أنا أقول، لكم كما انتصرنا في تموز- إن شاء الله- سننتصر الآن، سنبقى أقوياء ..".

"سهام الشمال".. حين يشوّه التاريخ تنشأ الصراعات

التسميات التي يطلقها العدو الصهيوني على عملياته العدوانية، منذ تأسيس كيانه ليست بمعزل أبدًا عن رؤية عقدية عملت عليها الصهيونية في تعميم أساطير التوارة المحرفة وجعلها جزءًا أساسيًّا من "السردية الإسرائيلية". وعلى قاعدة " وشهد شاهد من أهلهم"؛ يكشف "إيلان بابيه"، وهو مؤرخ إسرائيلي بارز غادر الكيان بعد تهديد حياته، أن تشويه "إسرائيل" للتاريخ وتحريفه وبناءَه وفقًا للأساطير يؤسس للصراعات بين الشعوب، في إشارة إلى الأساطير العشر التي بُنيت عليها كذبة "دولة إسرائيل". 

في هذا السياق، ترتبط تسمية العدوان "الإسرائيلي" على لبنان "سهام الشمال" بسيل من الأوهام الصهيونية التي بُنيت عليها إيدولوجية زائفة. لقد اختار الكيان هذه التسمية المتقاطعة مع عيد "لاغ بعومر" اليهودي، والذي يُرمز له بالسهم والقوس. وهو أيضا يُسمى "عيد الشعلة"؛ وتزعم الأساطير اليهودية أنّ هذا العيد يُخلّد فيه ذكرى قتل الرومان لاثني عشر تلميذًا من أتباع الحاخام عكيفا (136 للميلاد) خلال تمرد اليهود.. فهذه التسمية متعمّدة من الحركة الصهيونية العلمانية باستخدام الأساطير لتحويل الانتماء الديني إلى قومية مزعومة.

هذه المعادلة بين أولي البأس" و"سهام الشمال"؛ تصنف تاريخياً كامتداد للمواجهات المستمرة بيننا وبين اليهود منذ عهد النبي (صلى الله عليه وآله)؛ تمامًا مثلما استدلّ عليها الشيخ قاسم؛ ففي متطلبات حماية الوطن لطالما غيّرت مُعادلة القيم مع القوة والبأس كل مفاعيل مُعادلة القوة الغاشمة وقيمها الزائفة.. أو ليس هذا ما عشناه في مُواجهة الاحتلال حتى طردناه ذليلًا من أرضنا في العام 2000؟ أوليست تجارب الشعوب الحرة عبر التاريخ تُؤكد هذه الحقيقة والسّنة التاريخية؟  

إنّ المقاومين الذين يستشهدون ضد العدو الصهيوني، ولا يستسلمون لطغيانه وعدوانيته، ويبذلون المهج ويسطرون البطولات الملحمية من مسافة صفر مع جنود العدو هم الذين يحفظون الأوطان ويُعيدون بناءها.

المقاومةالجيش الاسرائيلي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل