آراء وتحليلات
"لن تعودوا إلى الشمال".. أمر الأمين النافذ حقًا
"على كل من ليس له عمل في "كريات شمونة" المغادرة فورًا، وجودكم هنا يعرضكم للخطر". تصريحٌ لم يصدر هذه المرة عن بيان للمقاومة الأسلامية، بل عن رئيس بلدية "كريات شمونة" شخصيًا، وهو التصريح الأول من نوعه لجهة طلب الإخلاء التام "وليس البقاء قرب الأماكن المحصنة".
يشن "نتنياهو" حربًا وحشيةً على لبنان بحجّة تحقيق هدف العودة الى الشمال، لكن الميدان يسحق أهدافه ويوجه للكيان صفعات جديدة متتالية، لينقلب بذلك السحر على الساحر.
وضع العدو هدفًا معلنًا لحربه تحت مسمى إعادة سكان الشمال، وقد عمد لتوسيع عملياته العسكرية ضمن مرحلة ثانية من الحرب. لكن الواضح من مسار العمليات العدوانية، أن أهدافه تتخطى حدود إعادة السكان، وأن الهدف المضمر هو القضاء على حزب الله وإنهاء تهديده للكيان إذا لم يكن إحكام سيطرة "إسرائيل" على الشرق الأوسط ، وفقًا لما أشار إليه الخبير العسكري العميد حسن جوني، موضحًا لموقع "العهد" الاخباري أن هدف "إسرائيل" المعلن لن يتحقق بكل الأحوال إلّا عبر الاتفاق السياسي مهما كانت نتائج العمليات العسكرية.
لم تتمكّن "إسرائيل" بعملياتها العسكرية والاغتيالات التي قامت بها من كسر ظهر المقاومة، وسرعان ما استيقظت من نشوة الإنجازات الوهمية بعد التعافي السريع لحزب الله وتخطيه مرحلة استعادة النهوض والعمل على ترميم معادلة الردع.
مستعمرات جديدة تحت النار
إعلان المقاومة عن جهوزيتها ترجمت في الواقع بمعطيات كثيرة، أولها كان استهداف المزيد من المستعمرات وبمديات جغرافية غير مسبوقة، فاق عددها الـ 194 مدينة ومستوطنة، والتي يمتلك العديد منها ثقلًا اقتصاديًا وعسكريًا واجتماعيًا، أهمها نهاريا وعكا وطباريا وحيفا والخضيرة وصفد وكاتسافيا وهرتسيليا وغيرها. جزءٌ منها بات خاليًا من المستوطنين، ومن بقي فيها يعيش ملازمًا الأماكن المحصّنة، وهذا ما أكده الخبير العسكري العميد شارل أبي نادر في هذا السياق.
تبعد هذه المستعمرات والمدن بمسافات متفاوتة عن الحدود اللبنانية، فنهاريا مثلا تبعد 7 كلم، وعكا 21 كلم، صفد وطبريا 29 كلم، حيفا والناصرة 40 كلم، الخضيرة 80 كلم، هرتسيليا تبعد 103 كلم. أما بنيامينا فتبعد 120 كلم. العميد أبي نادر أوضح أن الوحدات العسكرية "الإسرائيلية" المشاركة في المعركة البرية مضطرة أن تنتشر بين المستعمرات التي تعد مناطق مدنية وصولًا لعمقها، ما يعني تعريض هذه الأخيرة لمخاطر أكبر، وتاليًا سينزح المستوطنون عنها طلبًا لأماكن أكثر أمنًا وستتوقف الحياة كليًا فيها.
هذا الواقع الجديد فرض نفسه على الكيان الصهيوني من دون أي منازع، والاعتراف جاء على لسان محلليه ووسائل إعلامه، ليس آخرها الكاتب في موقع "والاه" العبري "نير كيبينيس" الذي كتب: "إن الشيء الرئيس الذي تغير على الأرض هو أن دائرة النار التي شملت المستوطنات الشمالية توسعت إلى منطقة حيفا الكبرى وحتى جنوبها."
نزوح إضافي وتداعيات ثقيلة
نزوح جديد ترتّب عن استهداف المقاومة للمزيد من المستعمرات، وهذه المرة من مناطق أكثر اكتظاظًا بالمستوطنين. تضم المديات الجغرافية الجديدة كثافاتٍ سكانية متفاوتة، إذ على سبيل المثال نهاريا يقطنها 60 ألف نسمة، عكا 48 ألف نسمة، طباريا 28 ألف نسمة، صفد 28 ألف نسمة، حيفا 285 ألف نسمة، والخضيرة 85 ألف نسمة وهذه فقط بعضٌ من مناطق الاستهداف الجديدة، مع العلم أن منطقة الجليل تضم لوحدها 1.5 مليون نسمة.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أشارت في بداية هذا العام إلى أنّ نحو 230 ألف مستوطن نزحوا من شمال "إسرائيل"، وهذا العدد تخطى فعليًا عتبة الـ 300 ألف نازح مع توسيع المقاومة نطاق ضرباتها لا سيما في حيفا التي شهدت حركة نزوح كثيفة نحو "غوش دان"، وهذا ما انعكس بشكل كارثي على موازنة حكومة العدو.
تخبّط الجبهة الداخلية
العوامل المذكورة مجتمعة أدت في نهاية الأمر الى نتيجة عكسية، ما يعني أن تصعيد "نتنياهو" على الجبهة الشمالية تسبّب بزيادة مستوى الاستنزاف القائم من دون أن يحقق بالمقابل أي انجاز يُذكر، وهذا بدوره سيعمق الفشل "الإسرائيلي" وسيكون له تداعيات موجعة جدًا على الجبهة الداخلية التي سيثبت لها "نتنياهو" مجددًا أنه ليس سوى رجل أحمق قاد كيانه المحتل من فشل إلى آخر.
في الإطار، أكد العميد جوني أن العدو الصهيوني وعبر قياداته خدع فعليًا جبهته الداخلية من خلال ادعائه تدمير قدرات حزب الله وازالة تهديداته، وأن الدخول الى جنوب لبنان ليس سوى نزهة لتدمير أنفاق الحزب وبنيته التحتية. وقد أثبت الواقع معادلةً مناقضة تمامًا، إذ يتفوق حزب الله في المعركة البرية على حساب الجيش "الإسرائيلي" المنهك من حرب غزة وصاحب التجارب السابقة الفاشلة في جنوب لبنان.
هذه المعطيات يضاف لها معطى جديدًا قويًا يتمثل بدخول المسيرات المتطورة الى خط المعركة، وتكثيف النيران على حيفا وخلق معادلة جديدة تحت مسمى "الأمن المفقود مقابل الأمن المفقود"، ويعتقد العميد جوني أن هذا الأمر سيقود في النهاية الى تسويات والجلوس الى طاولة التفاوض. وفي ما يتعلق بالمرحلة المقبلة، فتطوراتها مرهونة بعوامل عدة لا سيما مع دخول مسألة الرد الإيراني عاملًا إقليميًا مهم، ومن المستبعد أن تتوسع دائرة الصراع، أكثر لا سيما وأن الأميركي ليس بصدد الانجرار الى تفجير المنطقة من أجل حسابات "نتنياهو" التي لا تتطابق مع الحسابات الأمريكية على المستوى الإقليمي، لذلك يبقى الأمر بجلّه مرهونًا بوقائع المعركة البرية التي يسطّر فيها المقاومون أعظم البطولات.
فلسطين المحتلةالسيد حسن نصر االلهالمقاومةالمستوطنات الشمالية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024