موقع طوفان الأقصى الجبهة اللبنانية

آراء وتحليلات

الاغتيالات جزء من عقيدة العدو القتالية.. هل حققت أهدافها؟!
21/08/2024

الاغتيالات جزء من عقيدة العدو القتالية.. هل حققت أهدافها؟!

الدكتور أحمد شمس الدين- مؤلف كتاب "الغباء الأمريكي"

هل نجح جيش العدو الصهيوني في سياسة الاغتيالات التي انتهجها منذ تأسيسه بمواجهة كل من قاوم مشروعه الاستعماري والتوسعي في المنطقة؟. سؤال يُطرح بقوة هذه الأيام لا سيما بعد عمليتي الاغتيال اللتين طاولتا رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، والقيادي الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت؟.

تاريخياً، الكيان الصهيوني استخدم سياسة وأسلوب الاغتيال حتى قبل نشأته لتحقيق أهدافه السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، ففي العام 1946 اغتال السياسي ورجل الأعمال البريطاني اللورد موين، لأنه لم يشجع على هجرة اليهود من بريطانيا إلى فلسطين، وفي العام 1948 اغتال الوسيط السويدي الكونت برناردوت في فندق الملك داوود بسبب موقفه من الصراع بين الصهاينة والفلسطينيين، حتى أن الوثائق تتحدث عن تورط "الوكالة اليهودية الأمريكية" في اغتيال عدد من اليهود في ألمانيا والعراق ومصر وعدة دول أخرى لتخويفهم ودفعهم للهجرة إلى فلسطين (فضيحة لافون 1954 في مصر)، حتى أنها قامت بموجة من الاغتيالات لمنع بعض الدول من الحصول على القوة النووية الذرية والتي بدأت بالعام 1952 واستمرت حتى بداية التسعينات.

أما موجة الاغتيالات الأكبر فقد استهدفت القيادات الثورية في المقاومة الفلسطينية والتي بدأت بقوة أوائل السبعينات (1972) واستمرت حتى بعد توقيع اتفاق "أوسلو"، وقد وصل عدد الشخصيات والقيادات الفلسطينية التي اغتالتها "إسرائيل" إلى أكثر من 40 كادراً سياسياً وأمنياً وعسكرياً داخل منظمة التحرير الفلسطينية حتى العام 1993.

في منتصف السبعينات تعزز هذا الأسلوب عند الكيان عندما حظرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عمليات الاغتيال في منظمتها ووكلتها للكيان وأجهزته، ليلعب دور القاتل كبديل عنها، وازدادت وتيرتها مع انطلاق حركتي "الجهاد الإسلامي" و"حماس" والانتفاضة الأولى عام 1987، وزادت أيضاً بعد الانتفاضة الثانية عام 2000.

خلال "مفاوضات السلام" برزت حركات المقاومة الرافضة لخيار الاستسلام وعلى رأسها حركة "حماس"  وحركة "الجهاد الإسلامي"، وعلى الفور بدأ العدو باستهدافهما منذ العام 1988 (بدأت باغتيال قادة الجهاد ومؤسسي الجهاز العسكري في قبرص)، وفي العام 1993 كانت أبرز عملية اغتيال لقيادي في حركة "حماس" عندما استهدفت الشهيد عماد عقل في غزة عام 1993. ومع توقيع اتفاق "أوسلو" (2003) أصبحت السلطة الفلسطينية عاملاً مساعداً أساسياً في تمكين العدو من استهداف واغتيال قادة المقاومة ورموزها ومجاهديها خاصة في الضفة الغربية.

حتى وصل الأمر سنة 2001 برئيس وزراء العدو آنذاك إيهود باراك إلى رفع منسوب عمليات الاغتيالات في صفوف النشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث اغتال ما بين 2001 و 2003 أكثر من 16 قيادياً تابعاً لـ"فتح" و"الجهاد" و"حماس"، واللافت في هذه الفترة أن إيهود باراك قام بمنح الأجهزة الأمنية والعسكرية العاملة في الضفة والقطاع إذناً مفتوحاً لتنفيذ عمليات التصفية والاغتيال والقتل للائحة تضم 400 هدف، إضافة إلى مواصفات محددة ترشح صاحبها لأن يكون على لائحة المطلوب قتلهم، حيث جرت العادة سابقاً أن يحصل الجيش "الإسرائيلي" على إذن خاص قبل تنفيذ أي عملية اغتيال تقترحها الأجهزة الأمنية، وقد ترافق مع عمليات الاغتيال سياسة عقابية جماعية في حق الشعب الفلسطيني من خلال إجراءات أمنية وعسكرية وحصار اقتصادي، كل ذلك لم يكن إلا للضغط على المفاوض الفلسطيني لقبول الشروط ضمن اتفاق أوسلو، وتبين في ما بعد أن إيهود باراك كان يستفيد من كل هذه الإجراءات والدماء والتجويع لزيادة أصوات ناخبيه  في الانتخابات التالية، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه في 2024، ولكن مع بنيامين نتنياهو هذه المرة.

مبررات الاغتيال لدى العدو:

كما هو معروف فإن سياسة الاغتيالات ليست للانتقام فقط بل تستخدم للردع والتشويش والإفشال، بل هي جزء من عقيدة العدو "الإسرائيلي" القتالية، ولا يستحي بها بل يتبجح بها ويصر عليها، وهي قائمة على عدة مباني:

1. عمليات الاغتيال تتم لأهداف سياسية وأمنية وعسكرية وأيضاً اقتصادية، خاصة عند استهداف رجال الأعمال (كما حدث مؤخراً في المصنع السوري).

2. عند المنعطفات السياسية الحادة استخدم العدو الاغتيال بهدف الضغط على الفريق الآخر أو إضعافه أو حتى تحييده عندما يكون عقدة أمام التسويات التي يحتاجها العدو و حلفاؤه. (اغتيال خليل الوزير (أبي جهاد) في الانتفاضة الأولى كان بهدف إلغاء دوره ودفع الأمور باتجاه "أوسلو" وتثبيت الخضوع الفلسطيني للإرادة الأمريكية والتي شكل الوزير عقبة فيها).

3. تعتقد المنظومة الأمنية "الإسرائيلية" أن معظم الحركات الثورية القائمة تعتمد على "الرأس" الذي هو المقرر الوحيد وأن قطعه سينهي المشكلة.

4. إن عملية الاغتيال تهدف إلى الحيلولة دون التطور الطبيعي للقادة في نقطة زمنية معينة، وبالتالي قتله سيدمر مشاريعه (عملية اغتيال د. فتحي الشقاقي في العام 1995 كان هذا هدفها).

5. واحدة من العناوين التي يعتبر العدو أن الاغتيال هو الوسيلة الناجعة فيها هو ما أسماه "الإحباط الموضعي" وهو أن يقوم بتصفية من يخطط للقيام بتنفيذ عمل ما ضد الكيان، وهذا المصطلح استعمل كثيراً لتبرير قتل أناس عزل وأبرياء بحجة أنهم يخططون وينوون القيام بعمل معادي.

6. اغتيال المطلوبين، والمطلوب هو المتهم وليس من ثبتت عليه التهمة، وبالتالي في حال فشل عملية الاعتقال فإن القتل هو أحد الحلول.

7. يعتبر العدو أن عمليات الاغتيال تخلق حالة بلبلة في أوساط الجهة المستهدفة، يمكن استغلالها لكشف مخططاتها أو إضعافها أو شل عملها في بعض الأحيان، فإن رفاق المستهدف سيربكون ويبدؤون بالتحسب لاستهداف آخر مما يدعوهم إلى مزيد من الإجراءات والإرباك في التحركات والانهماك بتأمين أمنهم الشخصي، وبالتالي تتقلّص القدرات والإنتاجية، ويمكن استغلال الحدث مع كثير من ضعاف النفوس لكي يتم تجنيدهم لصالح العدو خوفاً على حياتهم.

8. يستفيد العدو من عمليات الاغتيال في الجبهة الداخلية، فهي ترفع من معنويات المستوطنين وتزيد من ثقتهم بقوة وقدرة الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" والجيش، بالمقابل تؤثر سلباً في بيئة المستهدفين ومعنوياتهم.

تأثير المدنيين:

لا مكان في الحسابات للمدنيين في أي قرار اغتيال يتخذه العدو وبحسب "دان حالوتس" عندما كان قائد سلاح الجو في جيش العدو، فقد أقر أن "الكثير من عمليات الاغتيال التي نفذتها المروحيات أصابت مدنيين أبرياء بالعشرات"، فعندما تمت عملية اغتيال الشهيد صلاح شحادة في غزة عام 2002 أدت إلى استشهاد وإصابة نحو 190 مدنياً، والتاريخ يعيد نفسه في عملية اغتيال الشهيد القائد السيد فؤاد شكر في تموز الماضي، والتي أدت إلى استشهاد 12 مدنياً بالرغم من العناية الإلهية التي حالت دون انفجار أحد الصواريخ. 

أساليب الاغتيال:

من خلال كل العمليات التي قام بها العدو يظهر أن هناك عددًا من الأساليب التي يعتمدها العدو لتنفيذ الاغتيال: 

1-    عمليات سرية باستخدام عناصر سرية تابعة لأجهزته، وعادة ما تكون عمليات هادئة.

2-    استخدام عمليات خاصة من خلال مجموعات "كوماندوس" واستخدام وحدات مختارة في الجيش، وهذه العمليات قد تتحول من هادئة إلى صاخبة.

3-    استخدام سلاح الجو مباشرة (مروحي، مسير، محلقة، حربي)، وهي عمليات صاخبة.

4-    الاستفادة من العملاء غير "الإسرائيليين".

5-    إرسال طرود مفخخة.

 ومن المعروف أن المفتاح للاغتيال هو المعلومات الاستخباراتية، والتي توفرها الأجهزة الاستخباراتية المسؤولة عن عملية جمع المعلومات، وقد استطاع العدو جمع معلومات واسعة وكثيرة حول أفراد، مستفيداً من التنسيق الأمني والاستخباراتي مع مختلف الأجهزة الاستخباراتية التابعة لدول أخرى صديقة للعدو أو حليفة أو مطبّعة معه أو حتى حيادية. على سبيل المثال فإن الاتفاقات الأمنية الموقعة بين السلطة الفلسطينية والكيان تفرض على السلطة تزويد العدو بكل المعلومات الاستخباراتية حول أي شخص أو هدف لديها، وهذا معروف للعيان، ولكن الأخطر هي الاتفاقات السرية المبرمة برعاية أمريكية لتزويد العدو بكل المعلومات التي يريدها مباشرة أو عبر الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى هذه المعلومات يعمل العدو على تحصيل حاجته من خلال إمكانياته الفنية والجوية والتي تؤمن  80% من المعلومات، أما بقية المعلومات وهي نحو 20% فيتم تحصيلها من عملاء على الأرض، هذا الرصد والتتبع الاستخباراتي  يمكّن العدو من تنفيذ عملية الاغتيال، ولا يوجد شك أن المعطيات الاستخباراتية والمعلوماتية عندما لا تكون كافية للتنفيذ (وفي كثير من الأحيان لا تكون كافية) فإن العدو حينها يرفع مستوى المتابعة الفنية للهدف ولمحيطه عبر الوسائل الفنية والبشرية كافة (التنصت، المراقبة الأرضية والجوية، والتتبع الفني والإلكتروني والميداني  ...) لضمان نجاح المهمة.

بناءً لما تم تحصيله من معلومات يتم رفع الملف إلى المعنيين لاتخاذ القرار بالتنفيذ، ويتم تحديد زمن التنفيذ والجهة المكلفة بالتنفيذ والتي تقع بين عدة خيارات: 

-    "دفدوفان" – "وحدة المستعربين" التابعة لـ"الشاباك" (عادة ينفذون داخل فلسطين المحتلة).

-    وحدة المهام الخاصة التابعة لجهاز "الموساد" (عادة تنفذ خارج الحدود).

-    الوحدات الخاصة التابعة للجيش (وحدة "الكومندو البحري" (شييطيت )13، وحدة "الكومندو" التابع لسلاح الجو (وحدة شلديغ)، "سييرت متكال"... وغيرهم).

-    سلاح الجو عبر الإغارة المباشرة مستخدماً المروحي أو الحربي أو المسيرات أو المحلقات.

وعادة يتم اختيار أسلوب القتل بناءً على القدرة الاستخباراتية والمعلوماتية للعدو، وهناك الكثير من الأساليب مثل تفخيخ شيء يستخدمه الهدف، زرع عبوة في سيارة، عبوة بجانب الطريق، القنص، القصف بصاروخ من طائرة (حربية، هليكوبتر، مسيرة، محلقة)، إطلاق الرصاص، إرسال بريد مفخخ،... فعند وجود عميل "ملاصق" للهدف تذهب الأمور إلى استهدافه في منزله أو أماكن وجوده أو تفخيخ أغراض يستخدمها (كما حصل مع الشهيد يحيى عياش)، وإذا لم يكن العميل ملاصقاً للهدف يتحول دوره إلى تقديم خدمات للمجموعة المنفذة، وقد يساهم – حالات محدودة- في زرع العبوة ليتم تفجيرها من قبل "الإسرائيليين" مباشرة بواسطة مسيرة أو غيرها، ويمكن -حالات محدودة جداً- أن يكلف بالتفجير والقتل المباشر كما حصل في بعض عمليات الاغتيال الخاصة في الضفة الغربية، وفي كثير من الأحيان ولعدم القدرة على الوجود اللصيق بالهدف يعمد العدو إلى القصف بصاروخ من الجو.

أماكن وساحات التنفيذ:

بسبب التعاون الحاصل مع مختلف الأجهزة الاستخباراتية الغربية وعلى رأسها الـCIA استطاع العدو القيام بعدة عمليات اغتيال في مختلف دول العالم ما عدا أمريكا (باريس، قبرص، روما، لندن، فيينا، بروكسل، صوفيا، عدد من الدول العربية...)، حيث كانوا يحصل على كل البيانات والمعلومات الضرورية للتنفيذ، مع تأمين الغطاء الأمني والحماية في بعض الأحيان، إضافة إلى الغطاء السياسي بعد العملية لاحتواء مفاعيلها السياسية أو الاستثمار في نتائج العملية.

الخلاصة: 

أسلوب الاغتيال والقتل الغدر جزء أساسي من العقيدة القتالية التي يعتمدها العدو للانتقام كما يستخدم قتل المدنيين والمجازر والتنكيل بالأبرياء في غزة لمجرد الرغبة والتباهي أمام جمهوره، مع العلم أن جميع الأعراف والأنظمة الدولية تعتبر أنه لا يمكن استخدام أسلوب الاغتيال من قبل دول تدّعي الديمقراطية والتحضر أو تدعي أنها دول حقوق الإنسان، بل هو أسلوب الدول الإرهابية، فالجهة المنفذة تصدر حكم الإعدام بدون أي إجراء قانوني، بل لمجرد الانتماء يصبح هدفاً، فقط بهدف الانتقام أوالتباهي وإشباع رغباتها وعنجهيتها. ونحن نقول إن أسلوب الاغتيال والقتل الغادر وكل الأساليب الأخرى التي استخدمها وما زال يستخدمها العدو ومن يقف خلفه على مدى أكثر من 80 عاماً قد فشلت ولم تقض على روح الممانعة والمقاومة والفكر الثوري لدى الشعوب المستضعفة والمطالبة بحقوقها وحريتها، ولم ترضخ لإملاءات العدو وأسياده، بل الأحداث الجارية تثبت أن ميزان القوة يميل لصالح هذه الشعوب، بل تبين أن سياسة الاغتيال لها مفعول عكسي، وبدل من أن  تحل مشاكل هذا الكيان المؤقت فإنها تفاقمها وفي كثير من الأحيان تسبب أضراراً إضافية له، فكل هذه العمليات لا بطولة فيها بل عمليات جبانة. إن أي عملية اغتيال لن تُحدث فراغاً قيادياً، إذ سيستلم مكان القيادي الذي اغتيل قيادي جديد يدخل إلى العمل حاملاً إرث من استشهد ويلزم نفسه بالثأر ويكون أشد وأكثر صلابة بمواجهة هذا الكيان، وسيقلب السحر على الساحر بإذن الله.

المقاومةالموسادالجيش الاسرائيليالاغتيالات

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة