آراء وتحليلات
فلسطين والانتخابات الأميركية.. "أمن إسرائيل" بوابة وقف الحرب
تتغير مواقف الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" بتغير موازين اللعبة الانتخابية القادمة في تشرين الثاني/نوفمبر القادم في الولايات المتحدة الأميركية.. وقف الحرب في غزة صار شعارًا انتخابيًا للطرفين يتردد على ألسنة مرشحيهما للرئاسة دونالد ترامب وكمالا هاريس.. فهل هذه المواقف والتصريحات سياسة فعلية ستنتهج بحال فوز أحدهما أو هي مجرد مناورات انتخابية لكسب أصوات المعارضة الشبابية للسياسات الأميركية الداعمة للعدوان على غزة؟ وما موقع "أولوية أمن "إسرائيل" بالنسبة للحزبين في هذه الانتخابات؟!.
تتقاطع تصريحات المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس مع المرشح "الجمهوري" لنائب الرئيس الأميركي عضو مجلس الشيوخ "جي دي فانس"، حول ضرورة وقف "إسرائيل" للحرب في قطاع غزة، باعتبار أن هذا النداء بوقف الحرب هو ما يمكن أن ينقذ الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي"، ولو أتى ذلك عن طريق انتزاع انتصار وهمي لصالح الصهاينة في هذه الحرب.
اختيار ترامب لـ"فانس" وإن أتى على قاعدة توافقهما الكامل على خيارات وسياسات محددة تجاه الشرق الأوسط، فإنه يتضح عبر رسالته إلى بايدن، في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، والتي طالبه فيها بعدم استقبال المهاجرين الفلسطينيين أو تأمين الحماية لهم، لأنه "ينبغي تقليل عدد المتعاطفين مع الإرهابيين في أمريكا، وليس زيادتهم"، وقد كانت تلك الرسالة رداً جمهورياً على رسالة وقعها 100 سيناتور ديمقراطي، حثوا فيها إدارة بايدن على وضع حماية مؤقتة للفلسطينيين أو السماح لهم بالمغادرة إلى الولايات المتحدة. وذلك ليس حبًا من "الديمقراطيين" بالفلسطينيين ــ بالطبع ــ إنما حبًا بالصهاينة وتنفيذاً لمصالحهم من خلال تهجير الفلسطينيين كجزء من مخطط بناء "الدولة اليهودية" وحماية أمنها على أراضي فلسطين التاريخية. والدليل أن الإعلام الأميركي لم يثر موضوع تهجير الفلسطينيين، إلا بعد تركيب الميناء العائم مقابل شواطئ غزة، في نيسان/أبريل الماضي، مسلطًا الضوء على دوره في عملية تهجير الفلسطينيين إلى الولايات المتحدة.
إن السياق العام لسياسة دونالد ترامب الخارجية في الشرق الأوسط، وأهم بند فيها إدخال المملكة السعودية ضمن "اتفاقيات أبراهام".. مرتبط بشكل كامل بعقيدة ترامب "الصفقاتية" أي المال والعقارات..، فتلك الاتفاقيات (أبراهام) طابعها اقتصادي لذا تحتاج الى مناطق خالية من النزاعات. ومن هذا المنطلق، ينطلق فتح باب توسيع هذه الاتفاقيات لضم المملكة السعودية.. وهو ما عبّر عنه "فانس" في مقابلاته المتعددة التي ترسم الخطوط العريضة لسياسة الجمهوريين القادمة، ومنها مقابلة "سي أن أن"، قبل شهر تقريبًا، اعتبر فيها أن هدفهم في "الشرق الاوسط" "يجب أن يكون السماح لـ"الإسرائيليين" بالوصول إلى مكان جيد مع السعوديين ودول الخليج العربية الأخرى". وهذا ما يتوافق مع كلام ترامب المتكرر خلال المحافل الانتخابية ودوره في فرض اتفاقيات "أبراهام" على أربع دول عربية في عهده، وهو برأيه فضل على اليهود الاعتراف به ومقابلته بدعم "الإيباك" وتوفير أصوات اليهود الأميركيين له لترجيح كفة فوزه.
من هنا فإن تصريحات "فانس" التي أتت قبيل خطاب نتنياهو في الكونغرس الأميركي، عبّرت بشكل جلي عمّا طلبه نتنياهو صراحة، وهو تشكيل "تحالف أبراهام"، بما يشبه "ناتو صهيوعربي" من أجل مواجهة قوى المقاومة في المنطقة على قاعدة أن "إسرائيل تحارب عن أمن أميركا"، لكن تلك التحالفات - برأي "فانس" - لا يمكن تحقيقها "إلا إذا أنهى الإسرائيليون المهمة مع حماس.. لذلك يتعين علينا أن نسمح لهم [ أي للصهاينة] بإنهاء هذه المهمة، وأن نبدأ حقبة جديدة في الشرق الأوسط". وفق تعبيره.
لا فرق بين المرشحين "الجمهوري" دونالد ترامب و"الديمقراطية" كمالا هاريس، كلاهما يرى بأن أمن "اسرائيل" ضرورة لحماية المصالح الأميركية في المنطقة، وكلاهما قدم ويقدم كل المساعدات العسكرية والدعم الذي تحتاجه "إسرائيل". وسبب ذلك أن المصالح الأميركية الاقتصادية خاصة ما يرتبط منها باستثمارات الشركات العالمية والعابرة للقارات، هي عبارة عن مصلحة "ديمقراطية" و"جمهورية مشتركة". لكن ما لم يقله الأميركيون سواء كانوا "ديمقراطيين" أم "جمهوريين" على حد سواء، هو التالي:
أولاً- كلما طالت الحرب بات وضع حلفائه الصهاينة أصعب وعصياً على الحل، ومن الغباء الاعتماد على فرضية أن قسوة الحرب ستجبر الفلسطينيين على التنازل عن شروطهم التي وضعوها، والتي باتت من المسلمات.
ثانياً- هم يفترضون أن توقيع أي اتفاق مع السعودية لن يتحقق إلا بهزيمة حماس في قطاع غزة، ويتجاهلون إصرار السعودية على "حل الدولتين" الذي أعدمه "الكنيست" بالتصويت ضد إقامة دولة فلسطينية، وهو الاتفاق الذي لا تسطيع السعودية تقديمه أو أن تكون جزءًا منه -على الأقل كما يبدو حتى اليوم- خاصة بعد تحقيق المصالحات مع إيران برعاية صينية ومع سورية والعراق، علمًا أن تحالف "أبراهام" هو تحالف ضد إيران ومحور المقاومة.
ثالثاً- كل من "الديمقراطيين" و"الجمهوريين" لديهم معضلة، لا يمكن حلها، وهي الناخبون الأمريكيون من العرب والمسلمين في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، والذين رفضوا تبني جو بايدن بسبب مواقفه في دعم الكيان، ويبدو أن الطرفين سيسعيان إلى دفع هؤلاء للانكفاء عن المشاركة في الانتخابات.
رابعاً - يحاول طرفا النزاع الانتخابي الأميركي تحويل أنظار الناخبين إلى دعم مطلق للكيان، واستغلال أن أغلبية الناخبين، هم من فئة "الأنغلوساكسون" البيض الذين يعيشون أوضاعاً اقتصادية سيئة ويتم وعدهم على كل منبر بتحسين أوضاعهم.
خامساً – الطرفان "الجمهوري" و"الديمقراطي" ترامب وهاريس يتنافسان على استقطاب الناخبين اليهود أو المسيحيين من "الإنجيليين" أو "البروتستانت" (المشيخيين) سواء أكانوا من البيض "الأنغلوساكسون"، أو الافارقة الأميركيين الذين يعتبرون فلسطين كـ"أرض الميعاد".
في الخلاصة، ليس مهمًا من سيدخل البيت الأبيض ويعتلي كرسيه، أكان شخص ترامب أو هاريس، فكلا الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" وجهان لسياسة أميركية واحدة، جلّ همها وغمها حفظ وضمان سلامة وأمن الكيان الصهيوني الغاصب، والعبرة بنهاية المطاف بالأفعال لا بالأقوال وكلام النهار الذي يمحوه الليل الأميركي، ولا بكثرة الشعارات البراقة في المواسم الانتخابية.
فلسطين المحتلةالولايات المتحدة الأميركيةالكيان الصهيونيالانتخابات
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024