معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أميركا ـ ايران حرب لا حرب!
08/06/2019

أميركا ـ ايران حرب لا حرب!

سركيس أبوزيد

حصل تطور في مسار المواجھة الأميركية ـ الإيرانية التي كانت مفتوحة على كل الاحتمالات، وصارت الآن مفتوحة على  الاحتمال الأرجح وھو التفاوض. الرئيس الأميركي دونالد ترامب يكرر الإعلان أنه يريد التفاوض ولا يسعى الى تغيير النظام في إيران ولكنه يريد إبرام صفقة شاملة معھا، ووزير خارجيته مايك بومبيو يعلن الاستعداد لمفاوضات من دون شروط مسبقة، ليضع جانبا الشروط الـ 12. وإيران التي قرأت في ھذه المواقف أولى المؤشرات لتراجع أميركي وبداية ليونة، مستعدة للتفاوض ولكنه استعداد مشروط برفع العقوبات ووقف الحرب الاقتصادية ضدھا.

وفي ذروة المواجھة الأميركية - الإيرانية وتصاعد التوتر في الخليج، انطلقت في مكة المكرمة مؤخراً القمم الثلاث: قمتان طارئتان خليجية وعربية وقمة إسلامية عادية مقررة منذ زمن. القمتان الطارئتان خصصتا لمناقشة  ما تدعيه السعودية " التھديدات الإيرانية"  وسبل التصدي لھا. أما القمة الإسلامية، فإنھا ناقشت عدة ملفات أبرزھا تطورات القضية الفلسطينية في ضوء مقدمات "صفقة القرن"، والأوضاع في سوريا وليبيا واليمن، وحتى أزمة مسلمي الروھينغا في ميانمار، إضافة طبعا الى ما تسميه " التدخلات الإيرانية"  في شؤون المنطقة.

الدبلوماسيون الإيرانيون يرون أن ترامب لن يتشدد معھم بالقدر الذي يظھره في مواقفه المعلنة، لأن أولويته كوريا الشمالية لا إيران، كما ترفض طهران التفاوض مع الولايات المتحدة وتعرض التفاوض مع دول الخليج والتوقيع على معاھدة عدم اعتداء معھا، وتأمل من دول الخليج التعامل مع ھذا العرض بإيجابية وحسن نية. ولھذه الغاية قام نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مؤخراً بجولة خليجية شملت سلطنة عمان وقطر والكويت. وأتى ھذا العرض عشية ثلاث قمم عربية وخليجية وإسلامية استضافتها السعودية في مكة مؤخراً.

مجمل التحرك الإيراني يصب في خانة خفض التوتر الإقليمي وليس في خانة تھيئة ظروف التفاوض مع الولايات المتحدة، ويحمل رسالة مفادھا أن طھران تدعو الى فصل المسارات عبر سحب ذرائع واشنطن لابتزاز الرياض وأبو ظبي بصفقات الأسلحة، والتأكيد أن المشكلة إيرانية ـ أميركية، ولا داعي للتجييش السعودي باتجاه انخراط عربي فيھا.

مصدر دبلوماسي في بيروت رأى أن "صيحات" الحرب في الخليج بين إيران والولايات المتحدة أقوى من  احتمالات وقوعھا لعدة أسباب، لا سيما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تعني له السياسة الخارجية أي شيء ولا يظھر أنه راغب في خوض مغامرة عسكرية، رغم أن إدارته منقسمة على نفسھا، فھناك أصوات تطالب بالحرب لا سيما جون بولتون بصفة خاصة، لكن ترامب ليس في ھذا الوارد وھو يفضل الضغط من خلال العقوبات من أجل إرغام إيران على إعادة التفاوض من جديد بشأن برنامجھا النووي. وكذلك فالإيرانيون ليسوا مستعجلين للحرب وليسوا متحمسين لھا، إضافة الى أصوات غربية تقول إن الحرب على إيران ستدفعھا الى تسريع امتلاك السلاح النووي ويصبح من المستحيل معرفة ما يحدث ھناك، عكس الوضع الحالي حيث تتم مراقبة نشاطاتھا النووية، علما بأن الأوروبيين ضد الحرب لكن ليس لديھم النفوذ الكافي للضغط بھذا الخصوص، خاصة وأن أميركا مارست عليھم عقوبات بسبب تعامل الشركات الأوروبية مع إيران.

فعلى امتداد الأسابيع والأشھر الماضية، تراكمت المؤشرات الدالة على "غلبة خيار التفاوض ولو بعد حين"، وعلى استبعاد خيار الحرب رغم كل المظاھر الخادعة وصولا الى التحشيد الأميركي، وبدا أن الحرب بين الدولتين مستبعدة لأسباب عدة:

- الإدارة الأميركية غير جادة في الذھاب نحو الحرب مع إيران. صحيح أن الخطاب الأميركي مرتفع جدا ويتوعد طھران ويترافق مع حشود عسكرية ضخمة في المنطقة، ولكن تغريدات ترامب تعطي انطباعا بأن الأمر لا تتعدى رفع سقف المساومة على صفقة جديدة وبشروط يفرضھا.

- اعتبار العديد من الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين أن إيران ليست في أولويات واشنطن الاستراتيجية، وأن تھديدھا لا يستحق الدخول في صراع كبير، إضافة إلى استعداد البلاد بعد أشھر قليلة لدخول أجواء انتخابات الرئاسة لعام 2020، ويتخوف ترامب من أن يجره الصقور من بين كبار مستشاريه إلى مواجھة عسكرية مع طھران تجعله ينكث بوعد عدم خوض حرب جديدة.

- رفض أغلب دول العالم لحرب جديدة في المنطقة بما فيھا الدول الأوروبية الحليف الطبيعي لأميركا.

- لا تحبّذ دول المنطقة عموما ودول الخليج خصوصا اندلاع حرب جديدة يدركون مسبقا أنھا قد تكون مدمرة ومكلفة على الصعد كافة.

- إيران تحاول تجنب الحرب، على رغم كل التصريحات النارية، وھي تنتظر نھاية ولاية ترامب الرئاسية في محاولة لكسب الوقت للاستفادة من الاتفاق النووي.

في النهاية، تبقى ھذه التوترات مجرد خطوات مدروسة من الطرفين سيحولان دون وصولھا إلى مرحلة الانفجار، ما يبقي الوضع على تخوم الحرب وليس قيام حرب فعلية. فالطرفان يستخدمان القوة العسكرية للحصول على المكاسب المبتغاة، من دون دفع الأثمان التي تترتب على الحرب، فالإدارة الأميركية تشن حربا نفسية وباردة على إيران ريثما يتم التوصل الى اتفاق يقضي بحصول مفاوضات بين الطرفين، وأما بالنسبة الى إيران، فإن خياري الحرب أو التفاوض باتا متساويين في الصعوبة بالنسبة إليھا، ويتضح أن الحرب التي كانت لا مفر منھا صارت "تفاوضاً لا مفر منه"، وقد تجد نفسھا مضطرة إلى الموافقة على التفاوض من دون حرب.

من الواضح أن الطرفين الأميركي والإيراني يتأرجحان بين خيارين: طھران تسعى إلى الصمود حتى الانتخابات الأميركية الرئاسية، أو ولوج التفاوض غير المباشر، لكن على أجندة مختلفة عن تلك التي وضعھا وزير الخارجية مايك بومبيو في النقاط الـ12 القاسية التي سبق أن اشترطھا على قيادتھا، وواشنطن تراھن على التعب الإيراني من آثار العقوبات الاقتصادية. فالوضع بين أميركا وايران في حالة اللاحرب واللاسلم، والمنطقة في نفق لن ينتھي إلا إذا حصلت تراجعات اميركية تفتح الباب امام حلول سلمية تحترم سيادة ايران ودورها المتنامي.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل