معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

قمم العرب البائسة وصوت العراق الرافض
05/06/2019

قمم العرب البائسة وصوت العراق الرافض

بغداد ـ عادل الجبوري
لم تأت القمة العربية الطارئة في مدينة مكة المكرمة بجديد، ولم يكن متوقعا منها ان تأتي بجديد، استنادا الى مبدأ ان النتائج محكومة بالمقدمات، وبما ان المقدمات لم تتغير فمن الطبيعي ان تبقى النتائج على حالها.

أبرز ثلاثة امور شهدتها ـ او خرجت بها ـ القمة:

الامر الاول: حرصت على مهاجمة الجمهورية الاسلامية الايرانية بشدة، وتحميلها كل ما يجري في المنطقة من مشاكل وازمات، حتى بدا ان القمة كانت مكرسة بالكامل لخلق جو سياسي واعلامي ضد طهران، وتحشيد اكبر قدر من المواقف العربية ضدها.

الامر الثاني:في مقابل الهجوم الحاد على ايران، كانت "اسرائيل" غائبة عن خطاب معظم المشاركين من ملوك وامراء ورؤوساء دول وحكومات، واذا كانت هناك اشارات ضد تل ابيب فأنها كانت عابرة وخجولة. في ذات الوقت غابت فلسطين هي الاخرى، وكأنها بمظلوميتها الكبيرة الممتدة منذ سبعة عقود من الزمن، في كوكب اخر، وليست في قلب ذلك الوطن الذي اجتمع زعمائه في ام القرى برعاية وضيافة الملك الغاضب من طهران اكثر من غضب واشنطن وتل ابيب!.

الامر الثالث: في وسط خطابات ومواقف الانهزام والخنوع والتهرب من المسؤوليات الحقيقية، وقلب وتزييف الحقائق، ظهر الموقف العراقي الشجاع على لسان الرئيس برهم صالح، في رفض معاداة واستعداء ايران، والتأكيد على ترسيخ مبدأ حسن الجوار.

وفيما يتعلق بالامر الاول، فقد كان واضحا ان الرياض، وبدفع من اطراف عربية واقليمية دولية، حينما دعت قبل بضعة اسابيع الى عقد قمة عربية، تزامنا مع القمة الخليجية، كانت تسعى الى تشديد الضغوطات على طهران، في اطار التصعيد الاميركي ضدها، وقد اقر الملك سلمان بذلك صراحة حينما تحدث عن مبررات ودواعي عقد قمة عربية طارئة، والتي لخصها صراحة وضمنا بمواجهة ما اسماه التوجهات العدوانية الايرانية، والعمل على الحد من تدخلات طهران في الشوؤن الداخلية للدول الاخرى، علما ان دعوة الملك السعودي لعقد القمتين العربية والخليجية، جاءت على خلفية استهداف سفن تجارية في ميناء الفجيرة الامارتية بمواد متفجرة، ومن ثم تعرض منشات نفطية سعودية في مدينة الرياض بقصف بواسطة طائرات مسيّرة تابعة لسلاح الجو اليمني، وقد اعتبرت السعودية واطراف اخرى، ان ايران تقف وراء تلك العمليات.

والملفت ان الملك السعودي، لم يتحدث لا من قريب ولا من بعيد عن الاعتداءات السرائيلية المتواصلة على ابناء الشعب الفلسطيني، والانتهاك والتدنيس المتلاحق للمسجد الاقصى من قبل الجنود والمستوطنين الصهاينة، ولم يتطرق الى مايقع من ماسي وكوارث دموية مفجعة ضد اليمنيين الابرياء على ايدي ما يطلق عليه التحالف العربي الذي تقوده السعودية والامارات، ولا طالب بأدراج الاحداث والمستجدات السياسية الخطيرة في الجزائر والسودان وليبيا على جدول اعمال القمة العربية الطارئة، علما ان هذه الدول هي اعضاء في جامعة الدول العربية، ويفترض ان تحظى ازماتها ومشاكلها بنفس مستوى الاهمية التي تحظى بها ازمات ومشاكل السعودية والامارات، ان لم يكن اكثر.

اي بعبارة اخرى، ان الملك السعودي، اراد ان يحشد مواقف الدول المشار اليها لصالح موقفه المعادي لايران، دون ان يكلف نفسه تخصيص وقت ولو قصير لبحث مشاكلها وازماتها في قمته الطارئة البائسة.

وبالنسبة للموقف العراقي الرافض لما جاء في البيان الختامي للقمة بشأن ايران، بدا وكأنه بمثابة الصاعقة التي نزلت على الرياض ومعها الامارات وربما دول اخرى قليلة، اذ لم يكن متوقعا ان يكون الصوت العراق بذلك الوضوح والعلو والصراحة.

وتعزز الموقف العراقي الذي جاء على لسان الرئيس برهم صالح، بدعم وترحيب واسع النطاق من قبل مختلف الاوساط والمحافل السياسية والاعلامية العراقية، فضلا عن مساحات كبيرة من الرأي العام العراقي.

أضف الى ذلك، انه بينما كانت الانتقادات والاعتراضات والهجمات على الرئيس صالح والعراق عموما، تترى وتتابع في وسائل الاعلام السعودية ـ وبعض الخليجية ـ كان صالح، وبعيدا عن الاضواء وصخب الاعلام والمنابر السياسية، يتلقى مواقف الترحيب والارتياح من اوساط عربية متعددة، شاركت في فعاليات القمة، او انها كانت قريبة جدا منها.

وفي الواقع، كان ذلك الموقف المبدئي المحسوب، اطلق رسالة عميقة، مفادها، ان العراق لن يكون تابعا ومهرجا في جوقة التحريض والتحشيد السلبي العدواني العربي بزعامة السعودية، في ذات الوقت، الذي لن ينعزل فيه وينأى جانبا، بل سيبقى عنصرا مشاركا فاعلا ومؤثرا في معالجة المشاكل والازمات، وصياغة المواقف الصحيحة، ورسم السياسات الصائبة، عربيا واقليميا، وحتى دوليا.

وكل ذلك تعزيزا وتأكيدا لما طرح ونوقش وقيل خلال الجولات العربية والاقليمية والدولية للرئاسات العراقية الثلاث خلال الشهور القلائل الماضية.

ولعل خلاصة الرسالة العراقية العميقة في قمة مكة، هي ان العراق لن يكون نافذة او بابا للعدوان ضد اي طرف، ولن يكون اداة لخلط الاوراق لصالح ذلك الطرف على حساب ذلك، ولن يكون رقما في معادلات توسع مساحات المشاكل والازمات والصراعات، بدلا من احتوائها وحلحلتها وحلها.  

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات